عبدالقادر الجنابي من باريس: لورنس فيرلنغيتي واحد من كبار الطليعة الشعرية في أميركا. يريد قصيدته أن تكون quot;امرأة تتمشى في شارع مليء بالبهجة البصريةquot;. أن تكون أبياتها quot;ملائكة وشياطين يتكلمون كلام الشارعquot;. يستمدون رؤاهم من المألوف والشائع.
ولد في نيويورك سنة 1919. أدخلت أمّه مصح المجانين، بعد فترة قليلة من ولادته، فتعهدت امرأة من عائلته تربيته في فرنسا. عاد إلى أميركا وهو في السن الخامسة، ليتعلم الانجليزية. مراهقا، انضم إلى زعران الشوارع الخلفية،quot;قراصنة طريق باركوايquot;. وبسبب سرقة تافهة أعتقل. ضائعا في لب المشاكل، تعرف على امرأة اسمها سالي بيسلاند. أعطته نسخة من قصائد بودلير التي الهبت فيه حبا أبديا للأدب. بعد تخّرجه من المدرسة العليا، حضر فرلنغيتي جامعة كارولاينا الشّمالية في تشابل هيل، فأستمتع بقراءة أعمال همنغواي، فولكنر، دوس باسوس وولف. بل بدأ يكتب رواية quot;ملاكquot; تحت تأثير لوك هوموورد.
عاش سنواته الأولى حياة بوهيمية، متابعا قراءة العديد من الشعراء الرائجين في تلك الفترة. انضمّ فرلنغيتي إلى البحرية حيث أصبح قائدا. ستّة أسابيع بعد سقوط القنبلة الذرّية على هيروشيما، انهى فرلنغيتي خدمته العسكرية وعاش فترة في بورتلاند. ذهب الى فرنسا لغرض الدراسة فحصل على شهادة دكتوراه في الشعر من جامعة السوربون.
انتقل إلى سان فرانسيسكو سنة 1951، فتعرف، بعد عام على وجوده في مدينة الشمس هذه، إلى كينيث ريكسروث الشاعر المعروف كناشط فوضوي وكاتب الساحل الغربي البارز. وبعد التقائه ببيتر مارتن، رئيس تحرير مجلة quot;سيتي لايتسquot; (أضواء المدينة)، اتفقا على تأسيس مكتبة خاصة للشعر بنفس الاسم. وسرعان ما أصبحت المكتبة معلما من معالم سان فرانسيسكو السياحية؛ بل المكان المقدس للشعراء والفنانين المعروفين والجدد الطالعين بمواهب خلاقة ستقلب كل معايير الشعر الأميركي.
بدأت المكتبة تنظم قراءات شعرية لألين غينزبرغ، مايكل مكلور وغاري سنايدر، قراءات عرفت بفترة الـ Beat وهي الفترة الأكثر إبداعا وطليعية في تاريخ الأدب الأميركي. وهكذا أصبحت مكتبة quot;سيتي لايتسquot; التي يملكها لورنس فيرلنغيتي أهم دار نشر للطليعة الشعرية والمروج الحقيقي لحركة Beat generation . عندما تصاعدت حملة الرقابة الأميركية ضد أدب الطليعة كـquot;عُواءquot; ألين غينزبرغ وquot;مدار السرطانquot; لهنري ميلر، عبّر فيرلنغتي عن موقفه الجذري من ممارسات الرقابة الإرهابية، بوضع لافتة كبيرة في واجهة مكتبته كتب عليها بحرف كبير: quot;كتب ممنوعةquot; مشيرا إلى أن مكتبة quot;سيتي لايتسquot; لا تبيع إلا هذه الكتب المحاربة من قبل السلطة.
نشر لورنس فيرلنغيتي العديد من الكتب النثرية والشعرية من بينها في طبعات عديدة بعضها تجاوز المليون نسخة: quot;عين مفتوحة وقلب مفتوحquot;، quot;جزيرة الدماغquot;، quot;قصائد وتحولاتquot;، quot;المعنى السري للأشياءquot;، quot;بدءا من سان فرانسيسكوquot;، quot;مناظر الموتى والأحياءquot;، quot;رحلات إلى إيطاليا وفرنساquot;، وquot;هذه هي أنهاريquot; االذي يضم قصائد كتبت خلال أربعين سنة وقد أعيد نشره عشرات المرات. وعندما منحته بلدية مدينة سان فرانسيسكو عام 1998 جائزة شاعر فرانسيسكو الأول، طلب لورنس فيرلنغيتي أن يكتب عمودا أسبوعيا في صحيفة quot;سان فرانسيسكو كرونيكل بوكquot;، تحت عنوان quot;الشعر كأخبارquot; من quot;حدود الوعيquot;. فانهالت المقالات في قضية الشعر تعريفا وتوسيعا، معنى وقضية، إيقاعا ولغة. وفي احدى المقالات، وضح بضرورة أخذ جائزة البلاط (المعروفة في ذهن الناس بانها تتطلب من الشاعر ان يكتب قصائد في مدح البلاط كما فعل البريطاني تيد هيوز)، إلى أماكن أبعد... أن تتحول إلى جائزة بلاط الشعب يصبح معها الشاعر ناقدا حقيقيا لديمقراطية بلده، بل يصبح ضمير الناس الحقيقي، الصوت الفاضح شعريا الحروب والجرائم ضد الإنسانية.. أن يكون الصوت النقدي المفحم في النقاشات الساخنة في واشنطن. هكذا تحولت قضية الشعر في عمود فيرلنغيتي الأسبوعي إلى حدث لايقل أهمية عن الأحداث الاجتماعية... وكأن الشعر هو ذاك الحقيقي المتواجد بين السطور؛ سطور الحدث السياسي الذي يقرر مسار القراء اليومي.
لقد وضع لورنس فيرلنغيتي تعاريف عديدة في حد الشعر والشعراء، منها: quot;الشعر حوار التماثيلquot;، quot;الشعر هجوم هدام على لغة اللاوعي الجماعي المنسيةquot;، quot;إنه الموضوع الحقيقي لكل نثر عظيمquot;، quot;ليالي الأرق وأفواه الرغبةquot;، quot;الشعر عربي يحمل بطانيات مزركشة وأقفاص الطيور قاطعا شوارع العواصم العظيمةquot;، quot;الشعر كناري حقيقي في منجم الفحم ونحن نعرف لماذا تغرد الطيور الحبيسةquot;، quot;على الشعر أن يبقى طَرقا متمردا على باب المجهولquot; وquot;على الشاعر أن يكون بربرياً مخرّبا عند أبواب المدينة، يستجوب الواقع ويعيد ابتكارهquot;.
التقيته في منتصف ثمانينات القرن الماضي في باريس، وبعد أن تشعب حديثنا عن السوريالية وأشياء أخرى، طلبت منه أن يكتب بيتا حول مفهوم الفيزا في جواز سفري العراقي الذي حولته الى دفتر توقيعات ورسوم كبار الشعراء والفنانين. فكتب على الصفحة 29 من الجواز العراقي البائد القصيدة التالية:
Corps exquis
blagues deacute;ments
chansons deacute;lires
paradis perdus
Hello hello
هنا ترجمة لواحدة من قصائد فيرلنغيتي المشهورة.
كلب
يسرح الكلب بحرية في الشارع
يرى الواقع
والأشياء التي يراها
أكبر منه
والأشياء التي يرى
تشكل واقعه
سكارى عند المداخل
أقمار على الأشجار
بحرّية يسرح الكلب عبر الشارع
والأشياء التي يراها
أصغر منه
سمك على ورق الصحف
نمل في ثقوب
دجاج في نوافذ الحيّ الصيني
رؤوسها على بعد بناية
يسرح الكلب بحرية في الشارع
والأشياء التي يشمّها
لها رائحة شيء مثله
بحرّية يسرح الكلب في الشارع
يمر ببرك وحلة وأطفال
قطط وسجائر
بأماكن البليارد بالبوليس
إنه لا يكره الشرطة
لا يرى أي فائدة له فيهم
يتجاوزهم
ويمر بأبقار ميتة معلقة كاملة
أمام quot;لحوم سان فرانسيسكوquot;
يفضّل أن يأكل بقرة طرية
على أن يأكل شرطيا قاسيا
رغم أنه لا يرفض أيا منهما
يمر بمعمل روميو رافيولي
وبرج كُويْت
ويمر برجل الكونغرس دُويل من مكتب مطاردة الشيوعيين
برج كُويْت يخيفه
لكنّه لا يخاف من رجل الكونغرس دويل
بالرغم من أن ما يسمعه منه مثبّط للعزيمة جدا
مثير للكآبة
وسخيف جدا
بالنسبة إلى كلب شاب حزين مثله
بالنسبة إلى كلب جدّي مثله
لكنّه عنده عالمه الحر الخاص به للعيش فيه
براغيثه الخاصة به لأكلها
لن يُكم فاه
وما دُويل رجل الكونغرس بالنسبة إليه
سوى صنبور نار
الكلب بحرية يسرح في الشارع
وله حياته الخاصة به ليعيشها
ويفكر فيها
ويتأملها
لامسا وذائقا ذائقا كلّ شيء
متحريا كلّ شيء
لا ينتفع من القسم الكاذب
إنه واقعي حقيقي
له قصة حقيقية تستحق الروي
وبذيل حقيقي
إنه فعلا كلب
حي حقيقي
نبّاح
ديمقراطي
منهمك في مشروع حقيقي
حر
عنده ما يقوله
حول علم الوجود
ما يقوله
حول الواقع
وكيف يجب أن يُرى
وأن يُسمعْ
برأسه المنتصب ناظرا من جانب إلى جانب
في زوايا الشوارع
كما لو أنّ صورته
على وشك أن تُلتَقط
لاسطوانات ماركة فيكتور
مستمعا
إلى صوت سيده
وناظرا
مثل علامة استفهام حيّة
إلى الحاكي العظيم
للحياة الملغزة
ببوقها المجوّف المدهش
الذي يبدو دائما
على وشك أن يطلق
بعض الجواب المنتصر
عن كلّ شيء
تنبيه: لاحظنا أن نكرة سرق هذه الترجمة مع مقدمتها المنشورة قبل 3 سنوات في إيلاف( GMT 7:00:00 2004 الجمعة 6 أغسطس)ونشرها في احد المواقع العراقية المنتشرة فوضى وتشويشا:
التعليقات