علي إبراهيم من تونس: ليس من السهل الكتابة عن الأستاذ الموسوعي علي اللواتي لأنه شاعر وفنان تشكيلي وناقد وكاتب سيناريو متميز جدّا وهو أيضا كاتب مسرحي (وهو مجال إهتمامنا اليوم). هو أحد الأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي التونسي، واسع الإطلاع، فهو المكتبة التي تجد فيها ما يشفي الغليل، فهو عندما يحدثك عن الأدب والثقافة والتاريخ والأعراق ودقائق الأمور في الفن والسياسة والموسيقى وجدته صاحب رأي تدعمه الحجة والبرهان. ولأنه مثقف حقيقي يتقن فن السماع والحوار والمجادلة في مجلسه الثقافي بضاحية المنار في تونس العاصمة الذي يضم أهل الفن والأدب والفكر والإبداع،quot;يحجّونquot; إليه أستاذا ومستشارا وصديقا نصوحا لأحبائه.
منذ أيام قليلة أصدر مسرحية جديدة بعنوان : من أجل بياتريس عن دار كونتراست بمدينة سوسة (الساحل التونسي). وهي في خمسة فصول و16 مشهدا، بالعربية الفصحى وهي تروي واقع المورسكيين في إسبانيا سنة 1634. وتدور الأحداث في خان للمسافرين على طريق جبلي منعزل يربط بين طريف ومدينة قادش بجنوب إسبانيا. وتتدافع الأحداث بشكل سريع ومفاجئ بين شخصيات المسرحية التي لا تخلو من الإضحاك والسخرية والمحاكمة التي تنتهي على أفق الهروب من بطش الآخر. مراوحة بين التاريخ وطرح لقيم إنسانية تجتمع في مناظرة وإختبار أيّها تقدر على الصمود أكثر. حديث بين الصدق والكذب، ونزاع بين العاطفة والمصلحة... حوار تفتحه هذه المسرحية بينك وبين التاريخ، تاريخ الأجداد هناك في الأندلس، حيث تمت معاملتهم بقسوة بأمر من فيليبي الثّالث دي هابسبورغ ملك إسبانيا.
فشكرا للأديب والكاتب والفنان الأستاذ علي اللواتي على هذا العمل المتميّز الذي يؤكد لنا مرّة أخرى أن الكاتب مهموم بتاريخه وحاضره ومتأهب للمستقبل الذي لا يكون آمنا إلاّ بمصالحة الفرد والمجموعة مع تاريخنا وأن نأخذ منه ما يساعدنا على اللحاق بركب الحضارة الذاهب دوما نحو آفاق بعيدة، إذ لابد من التخلص مما هو ميّت فينا والنهوض من السبات الطويل نحو الفعل في بناء الحضارة على نحو ما أكده الشاعر صلاح استيتية في حوار سابق لإيلاف. ويذكر أيضا أن الأستاذ علي اللواتي قدّم عملا مسرحيا منذ سنتين بعنوان المتشعبطون الذي أخرجه المسرحي محمد إدريس. وحتى تقتربون أكثر من مناخات هذا النص المسرحي إليكم هذا التلخيص لأبرز الأحداث قبل أن يقع الكتاب بين أيديكم في طبعته العربية أو قريبا في ترجمته إلى الفرنسية والإسبانية.

إسبانيا، العام 1634...
بعد مرور أكثر من عشرين سنة على الطرد النّهائي لمسلمي الأندلس المعروفين بالموريسكيين الذي بدأ سنة 1609 بقرار من فيليبي الثّالث دي هابسبورغ ملك إسبانيا، لايزال البعض القليل منهم يعيشون متستّرين هناك، مثل أندرس هرنانديز الذي يمتلك خانا على الطّريق بين طريف وقادش بجنوب الأندلس. ويعيش فيه مع زوجته إيزابيلا دي كريستوبال وابنتهما بياتريس
يشتبه المزارع الثرّي بيدرو باوتيستا، أحد معارف آل هيرناندز، في كون أندرس هيرناندز وأهله من الموريسكيين ولكنّه لا يريد الوشاية بهم إلى السّلط لأنّه يحلم بالزّواج من الجميلة بياتريس. وذات يوم يقدم على طلب يدها فترفضه بتهذيب متعلّلة بكونها مرتبطة بشاب سوف يأتي في ذلك اليوم ذاته لطلب يدها.
يغادر باوتيستا الخان مغتاظا بعد أن يتفوّه بتلميحات ماكرة إلى الأصل الموريسكي لصاحب الخان ممّا يدخل الانشغال على الأسرة من شدّة عقاب ديوان التّفتيش إن تسرّبت هذه الشّكوك وبلغت إليه.
يشهد ألونزو هيرّيرا، وهو أيضا موريسكيّ، ما يجرى وينصح أندرس هيرناندز بأن يركب البحر مع أهله ويقصد الرّباط أو سلا في المغرب على سفينة جهادية، فترفض إيزابيلا دي كريستوبال الأمر لتعلّقها بوطنها إسبانيا. أمّا بياتريس القلقة لتأخّر حضور حبيبها ألفارو غنزاليس، فتتوسّل لأبيها أن لا يتعجّل الأمر ويثق في ذلك الرّجل الذي بوسعه إنقاذهم جميعا بتسهيل عبورهم إلى العالم الجديد، رغم منع الملك للموريسكيين الهجرة إلى هناك.
غير أنّ ألونزو هيرّيرا يفهمهم بلهجة جافّة أنّ لا خلاص لهم إلاّ بخطّته. ويضيف أن مجاهدي البحر من سلا والرّباط سوف ينكرون عليهم امتناعهم من الهروب إلى المغرب، لأنّهم في جهاد ضدّ الأسبان وقد يؤدّي اعتقال أندرس وأهله استنطاقهم إلى عرقلة نشاطاتهم في الشّواطئ القريبة وإلحاق الضّرر بقضيّتهم. وقبل أن يغادر ألونزو هيرّيرا الخان، يوصيهم بالاستعداد للرحيل واعدا بالعودة في أوّل اللّيل لأخذهم إلى الشّاطئ الذي ترسو قبالته السّفينة.
في المساء نفسه يعود باوتيستا إلى الخان ويأتي معه خوان دي فلوريس وهو نبيل مفلس ليبرم معه صفقة بيع لأراض له قبل الهجرة إلى الهند الغربية،. ويبدو النبيل من حديثه شديد التعاطف مع الموريسكيين المكروهين من الجميع، غيرمستنكف من توجيه ألذع الانتقادات للملك ورجاله.
وبينما يقوم أندرس وإيزابيلا على خدمة باوتيستا ودي فلوريس في غياب بياتريس التي صعدت إلى غرفتها، يدخل رجل ويسأل الاحتماء من عاصفة مباغتة بالخارج. فيرحّب دي فلوريس بالقادم ويتبسّط معه في الحديث وينتهي إلى العدول عن بيع أراضيه لباوتيستا الذي يغادر الخان حانقا بعد أن كال له الرّجلان الإهانات والشّتائم.
بعد ذهاب باوتيستا يغرق دي فلوريس في النّوم لشدّة سُكْرِه, ويغتنم الغريب القادم ذلك للإعلان عن هويّته. فيقول إنّه ألفارو غنزاليس، حبيب بياتريس أتى لطلب يدها ويعرض عليهما الهجرة معه إلى العالم الجديد. ولكنّ أندرس وإيزابيلا يرفضان عرضه ويرجوان منه مغادرة الخان، خوفا من أن يكون من عيون محاكم التّفتيش. وعند ذاك يطمئنهما ألفارو، قائلا إنّه يعرف كلّ شيء عن وضعية أفراد الأسرة كموريسكيين متستّرين ويعطي تفاصيل مثيرة عن ماضيهم وخاصة عن مأساة كانت عاشتها إيزابيلا دي كريستوبال في شبابها ودفعتها، وهي سليلة بيت إسباني عريق، إلى اتّباع موريسكي مثل أندرس ثمّ الزّواج منه،مضيفا أنّه لم يستق تلك المعلومات من بياتريس التي لم تخن لهما سرّا وإنّما من عمّة له كانت صديقة لأمّ إيزابيلا. ولكي يثبت لهما سلامة نيّته ألفارو الخان يعلن عزمه على البحث عن باوتيستا والعودة به قبل أن يتمكّن من الوشاية بهما إلى محاكم التّفتيش.
لا يهدّئ كلام ألفارو من روع أندرس وإيزابيلا بل يبقيان بعد خروجه في قلق ما يلبث أن يتفاقم عندما يكتشفان أنّ دي فلوريس قد غادر المكان في جوف اللّيل حاملا معه زوج شمعدان فضّي! وعندما تنزل بياتريس من غرفتها يتحاشى أبواها إعلامها بزيارة ألفارو غنزاليس. وإذ يستقرّ لديها أنّه تخلّى عنها، تقبل مصاحبة أبيها في غربته عملا بنصيحة ألونزو هيرّيرا. وفي الأثناء، كان هذا الأخير قد عاد إلى الخان لأخذهم إلى السّفينة جالبا معه بيدرو باوتيستا فاقد الوعي مقيّدا حتّى لا يتمكّن من الوشاية بهم.
وفيما هم يستعدّون لمغادرة الخان، يحضر أحد ضبّاط الملك مصرّحا أن quot;نفسا خيّرةquot; أعلمته باجتماع أعداءٍ للعقيدة والملك في هذا المكان وأنّه أتى لإيقافهم وأخذهم جميعا دون استثناء إلى قادش للتّحقيق معهم ومحاكمتهم بمن فيهم خوان دي فلوريس الذي كان رجع إلى الخان ليعيد زوج الشّمعدان الفضّي وقد عذّبه النّدم على فعلته بعد الإفاقة من سكره.
وفجأة يدخل الخان أحد قضاة التّفتيش مصحوبا بكاتبه فيستفسر عمّا يجرى فيعلمه الضّابط بالأمر فيقرّر محاكمة المظنون فيهم في الحال بأسلوب يهزأ بالإجراءات المتّبعة عادة في محاكم التّفتيش. إنه حقّا لقاض عجيب، يسفّ تارة في القول متحدّثا بكلام السّوقة وتارة يرقى إلى اعتبارات فلسفية عميقة ويستشهد بسيرفانتيس!
تنتظم المحاكمة غريبة، جادّة هازلة، مدارها كيفية التّمييز بين المسيحي الحقيقي والمزيّف، وتُطرح فيها آراء حول كرامة الإنسان وما الذي كانت تعنيه في نظر الجلاّدين مثل توركويمادا وأشباهه من قضاة التّفتيش الذين أذاقوا بني البشر أصناف الويلات باسم المسيح على مدى أكثر من أربعة قرون. كما نعلم خلالها أن دي فلوريس وهو نبيل إسباني مفلس، يائس من المغفرة لضلوعه في مأساة الموريسكيين وأنّ الحبّ ينصر الحياة على الموت في النّهاية ويصنع المعجزات... كتلك التّي حقّقها ألفارو غنزاليس حبيب بياتريس المرتقب، من أجل عيني حبيبته...

من أجل بياتريس
مسرحية في خمسة فصول
تأليف : علي اللواتي
منشورات دار كنتراست. سوسة، 2007