اقراء ايضا
إيلي الحاج من بيروت: لا أحاديث في لبنان هذه الأيام إلا عن انتخابات رئاسة الجمهورية الآتية آخر الصيف بمجموعة إحتمالات- مآزق صعبة للبلاد على ما يبدو، وعن المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري والتي ستقر في مجلس الأمن الدولي أواخر هذا الشهر حداً أقصى. وساعة بعد ساعة يتأكد أن هدنة المئة يوم السياسية والإعلامية التي تلح عليها الهيئات الإقتصادية هي حلم من أحلام ليالي صيف بدأت تباشيره بصخب مريع. ولعل ما أوردته إحدى الصحف، التي تدور افتتاحياتها في فلك النظام السوري وقوى المعارضة في لبنان (quot;الديارquot;) عن سيناريو كارثي يجري تداوله في القصر الرئاسي، ما يبرز أوجه الخطر الشديد الذي يرافق المرحلة الفاصلة عن انتهاء مهلة الإنتخاب الرئاسي في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل ، إذ كتبت الإثنين أن القرار الذي سيتخذه رئيس الجمهورية اميل لحود والذي وصفه بانه سيكون rlm;rlm;quot;الاقل ضرراًquot; سيتمثل باعتبار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة المدعومة بقوى الغالبية النيابية quot;غير موجودةquot; بذريعة أنها quot;فقدت شرعيتها الميثاقية وخالفت rlm;الدستورquot; بعد استقالة الوزراء الشيعة منها.
وعلى هذا الأساس quot;سيعلن لحود حل مجلس النواب مستعملاً حقه بالقسم والحفاظ على rlm;الدستور، لأن مجلس النواب لم يجتمع في دورته العادية في آذار ونيسان وايار/ مارس وأبريل ومايو. كذلك سيدعو لحود rlm; الى انتخابات نيابية مبكرة، ثم يعلن قراره في النقطة الثالثة بأن البلاد امانة في يد rlm;الجيش اللبناني، وانه في ظل عدم وجود حكومة وفي ظل حل مجلس النواب سيجري اعلان حالة rlm;الطوارئ وتسلم الجيش اللبناني المسؤولية حتى الوصول الى حل وفاقي في لبنانquot;.rlm; وليس أكثر من السيناريوات السياسية في بيروت التي تقوم وتنام في هذه الحقبة على كوابيسها.
و بدا الوسط السياسي الدبلوماسي في بيروت مشدودا الى تطورين يؤشران الى مرحلة جديدة من التصعيد والتوتر، أما السياسة الحقيقية ، الملموسة، فيشغلها يومياً سياقان :
الأول يتمثل في حملةquot;حزب اللهquot; وحلفائه على الرئيس السنيورة شخصياً، حملة منظمة ومتشددة، لم يسبق أن تعرض رئيس الحكومة لمثيل لها في عنفها وتركيزها وحدتها بهدف سياسي واضح هو تدمير خطه السياسي وصورته ودوره.
واعتمدت هذه الحملة على تفجير من دون مقدمات لملف تعويضات المتضررين من حرب quot;حزب اللهquot; وإسرائيل الصيف الماضي . ويتولى quot;حزب اللهquot; وحليفته حركة quot;أملquot; تحركاً ضاغطا ومنسقاً للضغط على الحكومة من أجل الافراج عن الأموال ووقف ما يعتبرانه quot;سياسة العقاب الجماعي اللاحق بالمتضررين، والتوقف عن تحوير وجهة صرف مساعدات مالية مقدمة من دول مساهمة ومانحةquot;.
لكن الغالبية لا تجاري الفريق الشيعي المعارض في نظرته. فهي ترى ان فتح ملف اعادة الاعمار في هذا الوقت مفتعل وينطوي على أخطار وأهداف سياسية . أخطار تكمن في اعادة تحريك الشارع وأجواء الفتنة، لأن الهجوم ضد السنيورة ترافق مع طرح المسألة الشيعية وغبن يلحق بالطائفة، كما انطوى على افتراءات واتهامات خطرة وتضمن تخوينا وتحريضاً، مما دفع رجال الدين السنة وخطباء الجمعة الى استهجان هذه الحملة والتنديد بلغة التخوين والتجريح ( يكفي في هذا المجال إلقاء نظرة على بعض بيانات مفتي جبل لبنان للسنة الشيخ محمد علي الجوزو لإدراك المدى المخيف الذي يمكن أن يتخذه هذا السجال) .
وتحدد قوى الغالبية ، لا سيما منها القريبة من الرئيس السنيورة ومنquot; تيار المستقبلquot; الأهداف السياسية للحملة في الآتي:
- التدمير السياسي المنهجي للرئيس السنيورة بما يؤدي الى اقصائه عن الحكم وعن رئاسة أي حكومة جديدة قبل انتخابات رئاسة الجمهورية أو بعدها. بمعنى أن الغاية من الحملة إظهار السنيورة غير موثوق به بفعل التجارب وغير مرغوب فيه رئيساً للحكومة بعد اليوم.
- دفع الوضع الى مزيد من التصعيد والتأزم عشية اقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن، ولتحسين الشروط التفاوضية في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
- تعبئة الشارع الشيعي وتجييشه وتبرير التصعيد السياسي عبر طرق وملفات جديدة بعد استنفاد وسائل اعتمدت وثبت عدم جدواها، مثل التظاهر والاعتصام...
أما السياق الثاني فيرتبط بدخول المحكمة الدولية مرحلة quot;الإقرار تحت الفصل السابعquot; في غضون أيام أو أسابيع، وذلك بعد أن تكون الاتصالات الاميركية - الفرنسية ضمنت حصول القرار الجديد لمجلس الأمن على غالبية الأصوات وامتناع روسيا والصين عن التصويت، وبعد أن يكون الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي ndash;مون تلقى رسالة جديدة أكثر وضوحا من الرئيس السنيورة تطلب باسم الحكومة اللبنانية اقرار المحكمة تحت الفصل السابع بعدما بات متعذرا اقرارها وفقا للأصول الدستورية في لبنان بسبب تعذر انعقاد مجلس النواب نتيجة لامتناع رئيسه نبيه بري، المتحالف مع quot;حزب اللهquot; عن توجيه الدعوة الى جلسة نيابية.
وثمة ملاحظتان تسجلان على هامش التطور الجاري في مسيرة المحكمة:
- الأولى: تضارب التوقعات والتقديرات في شأن موعد بت اقرارها تحت الفصل السابع، بين من يؤكد حصوله قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك ، أي في اليومين المقبلين- وهذا احتمال ضئيل- ومن يتوقع حصول إقرارها بعد انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب اللبناني آخر أيار/ مايو الحالي. وهناك من يتوقع هذه الخطوة بعد لقاء الرئيس الأميركي جورج بوش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين مطلع الشهر المقبل، او ربما ترجأ المسألة الى شهر حزيران/ يونيو في انتظار التقرير الجديد لرئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري سيرج براميرتز لكونه سيتضمن عناصر جديدة.
- الثانية: تضارب التوقعات بشأن مرحلة ما بعد المحكمة وعواقبها. فمن جهة ترى اوساط دبلوماسية في العاصمة اللبنانية ان اقرار المحكمة يعود بالفائدة على الوضع الداخلي لأنه يسحب موضوعا ساخنا وخلافيا ويفتح الباب أمام بحث سياسي في حل للأزمة انطلاقاً من الاستحقاق الرئاسي، خصوصا ان تشكيل المحكمة ومباشرة عملها وانهائه يتطلب اجراءات قانونية ومالية ويستهلك أشهرا وسنوات... ومن جهة أخرى تعرب الأوساط نفسها عن قلق حيال الانعكاسات المحتملة لإقرار المحكمة كأمر واقع دولي على الاستقرار الداخلي في لبنان، سياسياً وأمنياً.
في اختصار شديد : أمام لبنان صيف كل كوابيسه مبررة ، والهدنة فيه ستبقى حلماً..
التعليقات