في غمرة حمّام الدم المستمر في سوريا يكون تهريب أعمال فنانيها التشكيليين المناضلين والملاحقين لعرضها في الخارج مغامرة شخصية محفوفة ومخاطرة مالية كبيرة.


يقدر فادي حداد من منظمة quot;موزاييك سورياquot; لمساعدة اللاجئين السوريين أن تهريب أعمال فنانين سوريين لإقامة معرض جديد في لندن يسلط الضوء على الأزمة الإنسانية المتفاقمة في سوريا ويكلف نحو 30 ألف جنيه إسترليني.

تهريب عبر الحدود
يضم المعرض الذي يُقام في غاليري P21 أعمال فنانين أفلتوا من ملاحقة السلطة، وآخرين ما زالوا في الداخل، رغم تعرّضهم للتهديد بالتصفية الجسدية أو التعذيب في أقبية النظام. وُفجع العديد من هؤلاء الفنانين بفقدان أحبة في النزاع، الذي زاد عدد ضحاياه على 93 ألف قتيل، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

وقال حداد لصحيفة الغارديان إنه زار لندن والأردن مرتين لتسلم أعمال هُرّبت عبر الحدود. وأضاف إن الفنانين كانوا قلقين من أن يقتفيهم النظام إذا أوقف جلاوزته أعمالهم على حواجز التفتيش، واختار بعضهم ألا يضعوا تواقيعهم أو أسماءهم على لوحاتهم.
وأشار حداد إلى أن الأمن لن يفهم الرسالة التي يريد الفنانون إيصالها، ولكنه يرى في أعمالهم خطرًا. وسافرت فنانة إلى لبنان لتغيير عملها كي لا تقع في متاعب مع السلطات.

ويقدم المعرض، الذي يُفتتح في 27 حزيران/يونيو، ويستمر إلى 1 أيلول/سبتمبر، لمحة عن مشهد مروع يصوّر مآسي السوريين ومعاناتهم في حياتهم اليومية. ولعل من أشد الأعمال تأثيرًا بورتريه الفنان طارق توما للطفل حمزة بكور (13 عامًا) الذي تهشم فكه في شباط/فبراير 2012 خلال حصار جيش النظام لحي بابا عمرو في مدينة حمص.

شعور بالذنب
ويصوّر عمل حامد سليمان أشخاصًا مكومين في دهليز مقر قيادة الأمن في دمشق. وكانت عائلة الفنان توما نزحت من ضاحية دوما في ريف دمشق، وعادت إليها مرات عدة منذ بداية النزاع. وقال الفنان سليمان، الذي يقيم الآن في لندن، إن اللوحة نوع من البورتريه الذاتي التي تعكس شعوره بالذنب، لكونه في الخارج تاركًا بلده يعاني. وأضاف أنه يشعر في المنفى كأنه quot;جسم بلا رأس، جسدي هنا، ولكن روحي هناكquot;.

الفنانة هزار بكباشي هنريوت من حلب في الأصل، لكنها تعيش في فرنسا، وتوجهت إلى أنطاكيا في تركيا قرب الحدود السورية في العام الماضي لمساعدة لاجئات من ثلاثة مخيمات في نقش حكاياتهن على السجاد. وتصور السجادة المشاركة في المعرض نساء يبكين موتاهن وسط شواهد القبور. وقالت هنريوت إن سجادة المقبرة تعبّر عما عانته هؤلاء النساء اللواتي نُكبن كلهن بفقدان قريب أو عزيز.

يطغى بطش النظام بمعارضيه على لوحات حامد سليمان من بلدة الزبداني قرب الحدود اللبنانية، الذي غادر سوريا عام 2012 بعد اعتقاله مرات عدة لمشاركته في احتجاجات سلمية.

ويصوّر سليمان في إحدى لوحاته أجسادًا بلون اللحم البشري مقيدة ومعصوبة الأعين في دهليز مقر الأمن في دمشق، حيث سُجن الفنان ذات مرة. وقال سليمان، الذي يعيش الآن في باريس، إن حزمة النور التي تضيء المشهد ترمز إلى الأمل الذي يتشبث به السجين.

دم وأحشاء
وأوضح سليمان quot;أن أمل الضوء بعد كل هذا الظلام هو ما يحفظ لك عقلكquot;. وأضاف quot;لم أتعرّض للتعذيب، ولكني رأيتُ آخرين يُعذبون، وسمعت صراخهم. وفقدتُ العديد من الأصدقاء تحت التعذيب، بينهم أعز اصدقائي، وأستطيع أن أشعر بأملهم في الضوء حتى قبل لحظة من وفاتهمquot;.

الأمل حاضر في رسوم الكاريكاتير السياسي للفنان علي فرزات، الذي كسر شبيحة النظام أصابع يديه في صيف 2011. وتنقل بعض رسوم فرزات المشاركة في المعرض روح الفكاهة والسخرية من الدكتاتور، التي أدت إلى الاعتداء الغاشم عليه، بما في ذلك كاريكاتير يصوّر الأسد ينظر بخيلاء إلى نفسه في مرآة تضخم انعكاسه فيها.

وقالت مالو هلسة، التي تشارك في تنظيم المعرض، إن الانتفاضة أضفت حيوية على أعمال جيل من الفنانين السوريين، وأنعشت مشهدًا فنيًا ظل يرزح تحت الدكتاتورية والرقابة وسيطرة الدولة طيلة 40 عامًا. ولاحظت هلسة أن الفنانين يرسمون دمًا وأحشاء ودمارًا، يكون أحيانًا دمهم وأحشاءهم.