كتبت زايدي سميث "زمن التأرجح" عن حياة تشوبها الأسرار، وإمكانات لم تتحقق، وعن غياب العدالة من العالم. ربما تكون هذه أفضل رواياتها.

إيلاف: يرى نقاد أن رواية زايدي سميث الخامسة "زمن التأرجح" Swing Time (منشورات بنغوين. 453 صفحة؛ 27 دولارًا. منشورات هاميش هاميلتون. 18.99 جنيهًا إسترلينيًا) أفضل ما كتبت حتى الآن.

تدور أحداث هذه الرواية حول فتاتين تلتقيان في ساعة مصيرية لتعلم رقص الباليه في المركز الاجتماعي لحيّهما البائس ذات سبت من عام 1982، وتقرران من دون علم إحداهما بالأخرى أن تكونا صديقتين بعدما لاحظتا أن البشرة السمراء تجمع بينهما.

حبكة مشوقة

وقت التأرجح

إحدى الفتاتين (الراوية مجهولة الاسم) ذكية غير واثقة في نفسها، والأخرى (ترايسي) واثقة صاحبة نزعة تدميرية ذاتية. الصديقة الموهوبة هي المعذبة، ذات رغبات جنسية قبل سن النضج، متمردة في المدرسة، ومتفلتة في البيت، في حين أن الأقل ذكاء طالبة مجتهدة مصممة على النجاح والرحيل عن الحي. تحقق طموحها هذا بأن تصبح مساعدة نجمة من نجوم موسيقى البوب، اسمها آيمي. ومع آيمي تطوف العالم، متنقلة بالطائرة بين مواسم الشتاء والصيف.

تتمتع الرواية بحبكة مشوقة، فرحلة الراوية من حي فقير إلى عالم متألق، والعودة إليه، مادة دسمة، تُصنع منها أفلام سينمائية.ويزخر الكتاب بالإشارات إلى الموسيقى، من عازفي الطبول الكاريبيين إلى مايكل جاكسون، مرورًا بعشرات آخرين. وما يجعل الرواية استثنائية المستويات المتعددة التي تتحرك فيها. ويكمن تحت حبكتها المحكمة موقف اجتماعي قوي.

على غرار روايات سميث الأخرى، فإن "زمن التأرجح" رواية حبلى بأشياء ذكية تقولها عن العرق والطبقة والجندر.

إعادة نظر
على الرغم من سينمائية الرواية، فإنها تفعل ما لا يفعله إلا الأدب الحقيقي: إجبارنا على تقويم القاموس الذي نتكلم بمفرداته عن الخبرة الإنسانية. يشكل التغيير موضوعًا مركزيًا في الرواية التي تعمل على أحد مستوياتها بوصفها قصة كلاسيكية عن الارتقاء الاجتماعي، حيث تُصور القدرة على الحراك والتغيير على أنها شكل من أشكال القوة.

تتسلق شخصيات الرواية من فرع شجرة وجودية إلى آخر أعلى كما يُفترض: من طالبة سمراء واعدة إلى الساعد الأيمن لنجمة من نجوم موسيقى البوب (الراوية)، ومن فتاة ريفية إلى شهرة ذائعة (المغنية آيمي) ومن ناشطة بلا شهادة جامعية إلى وزيرة (والدة الراوية) ومن طفلة طائشة إلى راقصة في منطقة ويست إيند (ترايسي).

في الظاهر، الشخصيات التراجيدية هي التي ينتهي بها المطاف حيث بدأت: والد الراوية الأبيض وخالها الأسود، رجلان من الطبقة العاملة هجرتهما زوجتاهما، ووالدة ترايسي غير الجذابة ذات الوزن الزائد، نراها آخر مرة كما رأيناها أول مرة، تسهر على خدمة ابنتها.

وطبقًا لقواعد النجاح في القرن الحادي والعشرين، فإنه يحالف من يعيدون اختراع أنفسهم. لكن الرواية تطلب منا أن نعيد النظر في هذه القواعد. فهل أن من ينجح في ترك الأهل ومغادرة البيت يكتسب قوة أم يفقدها؟. وهل تتحسن أوضاع المرء بالضرورة بالانتقال إلى بيت أفضل أو هل يشعر القوي حقًا بأنه في بيته أينما يحط رحاله؟.

نظرة مختلفة
حين تسافر الراوية إلى غامبيا لمساعدة النجمة آيمي على فتح مدرسة للبنات، تلتقي هاوا، التي ينتمي والداها المعلمان إلى الطبقة الوسطى. ويُقال لنا إن هاوا ستكون الجوهرة في تاج أي قرية صغيرة في أي مكان.

وبحسب الراوية، فإن هاوا "بخلافي أنا لا تنظر بازدراء على الإطلاق إلى حياة القرية، بل تحب كل ما هو صغير، وتحب القيل والقال، والتكرار وتلاحم العائلة... أتمدد على الأرض بجانبها كل ليلة، على حشيتينا المتجاورتين ممتنة لهالة الضوء الأزرق المنبعث من كومبيوترها علامة سامسونغ وهي تتصفح رسائلها... ضاحكة أو متنهدة على الصور التي تضحكها، مبددة الظلام".

المنطق يقول إن هاوا يجب أن تتطلع إلى مغادرة القرية من أجل حياة أفضل. والسؤال هو "أفضل لمن؟". فالراوية تعد القرية مكانًا بائسًا، لكن هاوا، ابنة القرية التي تتمتع بامتيازات فيها، وغرينجر حارس آيمي الأميركي الأفريقي ينظران إلى القرية نظرة مختلفة.

تشرح الراوية: "حيث كنتُ أرى حرمانًا وظلمًا وفقرًا كان غرينجر يرى بساطة غياب النزعة المادية وجمالًا جماعاتيًا... وحيث كنتُ أرى تعدد الزوجات وكراهية المرأة وأطفالًا بلا أمهات كان يتذكر.... أمه غير المتزوجة المكتئبة، وتحدث لي بدموع صادقة في عينيه كم أنه سيكون أسعد لو ربَّته 15 امرأة بدلًا من امرأة واحدة".

لا مطلق
هنا نصل إلى قضية كبيرة أخرى تشغل سميث: النسبية. فلا شيء مطلق في روايتها الجديدة: العرق، اللون، الطبقة، وحتى السعادة، لا توجد إلا بوصفها مفاهيم نسبية.

في لندن، تكون الراوية ثنائية العرق سمراء، وفي غامبيا بيضاء. ترايسي من عائلة مفككة، والراوية من عائلة تتفكك. آيمي صاحبة امتيازات بنظر الراوية (وبنظرنا أيضًا) والراوية هي صاحبة الامتيازات بنظر أهل القرية. والأهم من ذلك كله أن ما هو انتصار بنظر إحدى شخصيات الرواية يكون مأساة بنظر أخرى.

مقياس السعادة ليس نجاحًا موضوعيًا، بل اكتفاء ذاتي. وبمنطق غرينجر، بل منطق الراوية، فإن الطمأنينة العاطفية أثمن من الأمان المادي. وهنا تكون الغلبة للشخصيات غير المتوقعة.

تقارن الراوية في أحيان كثيرة القرية الغامبية مع حيها اللندني مؤشرة إلى اغترابها وهي تفعل ذلك. في القرية الأفريقية والحي اللندني على السواء، ينتاب الراوية إحساس بعدم الانتماء. ولكن ترايسي ليس لديها هذا الإحساس.

ترايسي نقطة المرجع التي لا بد منها عند الراوية. وبالمقارنة مع ترايسي في المقام الأول تريد الراوية الشعور بالنجاح. ولكن ترايسي قانعة بـ"حياة القرية" مثلها مثل هاوا، وهي ليست مدفوعة بقوة التلهف على مغادرة الحي بقدر ما ترغب في الشعور بالتمكن داخله. نجاحها كراقصة نجاح نسبي. فهي رغم كل مواهبها المذهلة كطالبة لا تذهب أبعد من عضوية الفرقة إلى التحول راقصة محترفة، ومع ذلك تنظر إليها فتيات الحارة "بإعجاب منقطع النظير".

مواهب مهدورة
تمتلك ترايسي مواهب تبدو مهدورة على العالم الأوسع: "موهبة للنظر يبدو أن متنفسها وتعبيرها الوحيد هنا، في غرفة معيشتي، أمام تلفزيوني، ولم يرها معلم، ولم يتمكن امتحان من تسجيلها بنجاح، أو حتى من ملاحظتها، ولعل هذه الذكريات هي الشاهد والسجل الوحيد".

لكننا نواجه إغراء النظر إلى ترايسي على أنها فاشلة، لأنها هي أيضًا تنتهي حيث تبدأ: في الشقة نفسها، تشاهد الأفلام نفسها، وتحركها العواطف نفسها، وهذا ما لا تستطيعه الراوية.

وفي المشهد الأخير، تفعل ترايسي ما تحب أن تفعله، محاطة بأشخاص تحبهم. إنها امرأة شقت طريقها، وعادت أدراجها عليه إلى معبد إلفتها. والراوية، سواء كانت متمددة على "حشية مجاورة" أو في مبنى مجاور هي التي تشعر بالضياع معتمدة على ضوء الآخرين "لتبديد ظلام" اغترابها. وبهويات متغيرة تبحث الراوية عن مكان تنتمي إليه.

في رواية سميث الجديدة، مثلها مثل سائر رواياتها الأخرى، أشياء لمّاحة تقولها عن العرق والطبقة والجندر. ولعل أهم ما تقوله هو كيف نجد طريق العودة إلى ذواتنا إزاء ما نكونه وما يُقال لنا ألا نكونه، وما نتخيل أن نصبحه. فالرومانسية التي يضفيها غرينجر على حياة القرية، ساذجة بلا ريب، تقوم على فهم صحيح، مؤداه أن للانتماء قيمة خاصة به.