يسلط إد يونغ، الكاتب والمدوّن العلمي، الضوء على الطبيعة الحماسية التي تتمتع بها البكتيريا والفيروسات والكائنات الضئيلة الأخرى التي تعيش على جثث البشر والحيوانات الأخرى.
إيلاف: بلغ إعجاب الصحافي البريطاني إد يونغ بمقدم البرامج الشهير عن عالم الطبيعة ديفيد أتنبره حدًا أعاد معه مشاهدة 79 حلقة من مسلسل "الحياة" الوثائقي، الذي قدمه ديفيد، وصنفها يونغ من الأسوأ إلى الأحسن، أو بحسب تعبيره "من الأقل عظمة إلى الأعظم".
غلاف الكتاب |
الآن، في كتاب "أنا أضم جماهيرًا: الميكروبات في داخلنا ورؤية أكبر للحياة" I Contain Multitudes: The Microbes Within Us and a Grander View of Life (368 صفحة؛ منشورات إيكو، 27.99 دولارًا؛ منشورات بودلي هيد، 20 جنيهًا إسترلينيًا)، وهو الأول الذي ينشره يونغ، تحول الصحافي المتخصص في أخبار العلم إلى مراقب للطبيعة كأي عالم متخصص له عين ثاقبة، يصب اهتمامه على البكتيريا والفيروسات وغيرها من المتعضيات المجهرية التي تسكن أجسام البشر والحيوانات.
وهي مخلوقات إذا اختفت هذه الأجسام بسحر ساحر، ستبدو "تلألؤًا ميكروبيًا شبحيًا يحدد معالم النواة الداخلية لحيوان اختفى الآن"، كما يقول.
طبول الحرب
يتعايش البشر والميكروبات على وقع دقات طبول حرب منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما قدمت تجارب لويس باستور سندًا يدعم النظرية القائلة بجرثومية المرض، مفترضة أن الميكروبات هي سبب العديد من الأمراض.
أسفر تحسن الصحة العامة عن إنقاذ ملايين الأرواح من فتك الجراثيم بأجسامهم. لكن التركيز على الوقاية من المرض تسبب أيضًا في تهميش دراسة الميكروبات النافعة، وهي مشكلة فاقمتها الحقيقة الماثلة في أن تنمية هذه الجراثيم المتوطنة داخل الجسم، حيث تكيفت على نحو رائع مع ظروفه، تكاد تكون مستحيلة في المختبر.
فتريليونات الكائنات الجرثومية تعيش داخل أجسامنا وعليها، متفوقة عدديًا على خلايا جسمنا بنسبة 3 إلى 1. ونحن نكافح هذه الميكروبات منذ سنوات بالمضادات الحيوية والمعقمات، ولكن من تزايد معرفتنا بها نكتشف أن الكثير منها حلفاء لنا.
ومر قرن قبل أن تُكتشف أدوات وراثية جديدة مكنت العلماء من صرف النظر عن تنمية هذه الميكروبات العنيدة في المختبر. وبعدما فك العلماء التسلسل الجيني لكميات ضئيلة من الحمض النووي لهذه الميكروبات الموجودة في عينات بيئية، تمكنوا من الشروع بدراستها من دون حاجة إلى زرعها في صحن مختبري.
وسجل عدد الأنواع الجديدة من البكتريا التي يعرفها العالم زيادة انفجارية في عقد التسعينات أدت إلى مولد فرع علمي جديد اسمه Metagenomics، أي دراسة المادة الوراثية المأخوذة من مستوطنات جرثومية كاملة في بيئتها.
لا صديقة ولا عدوة
يستطلع يونغ في كتابه هذا الأدوار الحيوية التي تؤديها هذه الكائنات العضوية المتكافلة في الحيوانات، حيث تؤثر في نموها وجهاز مناعتها وتغذيتها، وفي بعض الأحيان حتى في جنسها. ومثلما تكون الزهرة التي تنمو في غير مكانها نبتة ضارة، فإن يونغ يلاحظ أن البكتيريا ليست بالضرورة صديقتنا ولا بالضرورة عدوتنا.
يكون السياق سيد الموقف هنا. فالبكتيريا في المكان الصحيح لا غنى عنها. ومن الأمثلة اللافتة على ذلك في البشر: الحليب المعبأ ببروتينات سكرية تسمى يغوساكاريدس. فالرضع لا يستطيعون هضمها، وهي توجد لتغذية نوع ثانوي من البكتيريا، وبالتحديد Bifidobacterium longum infantis التي تهضم السكريات لإنتاج جزيئات تغذي خلايا مِعدة الرضيع وتنظم جهاز مناعته الوليد.
ثم هناك الولبخية الناصبة Wolbachia pipientis التي تكره الذكور، ويدللها يونغ قائلًا: إنها "البكتيريا المفضلة" عنده، وهي لا تنتقل إلا من طريق البيوض، ولهذا السبب أوجدت طرقًا عديدة للحفاظ على حصة الإناث المنتجة للبيوض مرتفعة من السكان، بإلحاق الأذى بالذكور.
فالولبخية تستطيع أن تقتل اليرقات الذكور لبعض الأنواع المضيفة على سبيل المثال أو تسمح لإناث نوع آخر بالتكاثر من دون ذكور. ولكن هذا الميكروب الذي يبدو شريرًا مؤذيًا يقدم جملة فوائد مختلفة للكائنات التي تستضيفه بحمايتها من مُمْرضات أخرى أو بتوفير مغذيات حيوية ليست موجودة في غذائها.
البيئة المعقدة
لعل الميتوكوندريا التي تعتبر مصانع توليد الطاقة في خلايا النبات والحيوان أفضل مثال على الطبيعة المزدوجة للعلاقة بين الميكروبات والأجسام التي تستضيفها.
فالميتوكوندريا التي يُعتقد أنها نشأت نتيجة تكافل غابر القدم ما زالت بنيويًا ووراثيًا تشبه البكتيريا التي كانتها في السابق. ورغم ملايين السنين من التطور فإن الميتوكوندريا التي تتسرب إلى الدم بعد الإصابة بجرح تطلق ردًا مناعيًا خاطئًا يمكن أن يكون قاتلًا.
يُقدر أن ما بين 500 إلى 1000 نوع من البكتيريا تعيش في معدة الإنسان. وترتبط هذه البكتيريا الآن بقائمة طويلة من العلل والأمراض، بينها البدانة والإدمان على الكحول ومتلازمة القولون المتهيج والتهاب المفاصل الروماتويدي. وربما يعجز الكاتب الأقل كفاءة من يونغ عن مقاومة الإغراء المتمثل في تبسيط هذا العلم أو تقديم خلاصات مضخمة بلا مبرر.
لكن يونغ يتجنب هذه المطبات، ويقول إن بيئة المعدة بيئة معقدة، وإن الدراسات المبكرة في حقل جديد مقارن تخرج في أحيان كثيرة بخلاصات خاطئة. كما إنه يدرس البروبيوتيك، تلك الكائنات المجهرية، التي يُعتقد أنها مفيدة للكائن المضيف، ولا يجد أدلة تُذكر على أن نوعها الموجود في بعض الألبان الرائبة والمشروبات اليوم يقي من المرض أو فيه فوائد صحية.
التعليقات