في كتابه "لقاءات مع مخطوطات لافتة"، يسلّط كريستوفر دي هامل الضوء على أشهر المخطوطات في العالم، فيأخذ القارئ في جولة إلى أعظم المجموعات من كوبنهاغن إلى فلورنسا، ومن ميونيخ إلى سان بطرسبرغ.

إيلاف: في 4 مايو 1945، عندما دخلت قوات الحلفاء ملاذ أدولف هتلر في جبال الألب البافارية، اكتشفوا الدمار وبعض الفنون القيمة للغاية.&

وفي وقت لاحق، عرضت القوات الأميركية مجموعة مختارة، ووضعت يافطة مرتجلة كُتب عليها: "مجموعة هيرمان غورينغ الفنية: تقدمة من الفرقة المجوقلة 101". بين ريمبرانت ورنوار، لم ينتبه إلا عدد قليل إلى وجود غرضين صغيرين ومملين ومربّعي الشكل تقريبًا. وداس ضابط فرنسي على واحد منهما، ظنًّا منه أنّه حجرة قرميد. أما الثاني فانتشله طبيب من أطبّاء الجيش.

كريستوفر دي هامل واقفًا خلف كتابه

لكن ثبت أن التشخيص الأولي غير صحيح. لم يكن قرميدًا، بل مخطوطة من القرون الوسطى (أي "مكتوبة بخط اليد")، وكان الغرض الثاني إحدى أشهر المخطوطات التي كُتبت على الإطلاق: كتاب صلاة لملكة من القرون الوسطى، بويع بسعر قياسي في دار سوثبي للمزادات في لندن في عام 1919، كتاب "الساعات" الذي صنع للملكة الفرنسية جان من نافارا.&

في كتاب "لقاءات مع مخطوطات لافتة" Meetings with Remarkable Manuscripts (منشورات ألين لين؛ 632 صفحة؛ 30 جنيهًا إسترلينيًا)، يقوم دي هامل، زميل وأمين مكتبة في باركر لايبراري في كلية كوربوس كريستي، كامبريدج، بتذكير القراء لماذا تمّ اعتبار ذلك اكتشافًا مثيرًا.

هوس&
دي هامل مهووس بالمخطوطات علنًا، والأعمال الـ 12 التي كتب عنها هي، كما يفسر، من نجوم الورق الرقّي. بعضها مبهرج من دون طعم، يلمع بالذهب ومرصّع بالمجوهرات. وكلّها تخضع لحراسة عن كثب، أمضت أيامها في حبس يسيطر عليه المناخ والسفر في صناديق مضادة للتفجير. يقول دي هامل: "إنّ لقاء البابا أو رئيس الولايات المتحدة أسهل من لمس كتاب ساعات دوق دي بيري الغنية".

عندما طُلب من بائع كتب من نيويورك أن يشرح بجمل قليلة من يشتري هذه الأشياء، ردّ: "الأغنياء". هذه الكتب التي تعتبر من نخبة المخطوطات تمّ تداولها لقرون في أعلى مستويات المجتمع الأوروبي. ورثتها الملكات، ورافقت القديسين برحلاتهم. حتّى الباباوات ينحنون اليوم أمامها. وقبل أن يحصل غويرنغ على "ساعات"، كتاب الملكة جان من نافارا، كان قد تمّ صنعه لملكة فرنسا في القرن الرابع عشر، وأصبح يملكه لاحقًا البارون إدمون دي روتشايلد.

إن لمست مخطوطة فكأنّك تلمس عالمًا آخر. ويا له من عالم خيالي مختلف. لقد كُتبت نصف الأعمال هنا بين القرنين السادس والحادي عشر، عندما حكم الفايكنغ الأمواج، وكان الرجال يحملون أسماء مثل إكغفريث وسيولفريث. وما زال القليل من هذا الغموض متشبّثًا بصفحاتها: حين أخذ السيد دي هامل أناجيل القديس أوغسطين إلى قدّاس في كاتدرائية كانتربري، لاحظ أن أوراقها خفيفة، لدرجة إنّها ترفرف وتدندن في وقت الترنيم "وكأنّ مخطوطة القرن السادس ... قد انبثقت فيها الحياة".

مقابلات
المخطوطات تنقل إلى القارئ أكثر من مجرّد جُمل. تجد فيها لحظات دقيقة، مثل زهور مضغوطة لتبقى محفوظة في صفحاتها. في مخطوطة من القرن التاسع تم رسم صورة الكواكب في المدار بدقّة شديدة دفعت علماء الفلك إلى القول إن هذا التكوين يحدث مرة واحدة فقط خلال 17 تريليون سنة. فاستنتجوا أن المخطوطة تعود إلى 18 مارس 816.

للمخطوطات القديمة مهووسون

ربما ما عادت هذه الكتب مُلكًا للملوك، غير أن المكتبات الحديثة يمكن أن تكون محميّة بقدر ملوك القرون الوسطى. ومقابلات دي هامل أقرب ما يمكن أن يحظى به معظم القراء للتعرّف إلى هذه الكتب نفسها. وببراعته في إجراء المقابلات، يترك في القارئ الشعور الذي يخلّفه اللقاء بنجوم- هالتهم، وملابسهم، وحجمهم (وفي كثير من الأحيان، كما هي الحال مع المشاهير، أصغر مما كان متوقعًا).&

مثقف ومتحمّس، لا ينبهر دي هامل بالنجوم لدرجة تمنعه من انتقادهم: فيعتبر مثلًا أن صورة شهيرة في كتاب كيلز "قبيحة جدًا". وكذلك رسم آدم وحواء عاريين، فيقول إنّهما يبدوان نحيفين وعظام ركبهما بارزة، "ولون بشرتهما ورديّ زاهي، وكأنّهما مصطافان إنكليزيّان، وصلا حديثًا إلى الشواطئ الأسبانية".

يقدّم دي هامل أيضًا إثباتات للتخريب الذي يتعرّض له بعض المخطوطات، فالتطريزات الزخرفية على كتاب كيلز، "الرمز الأيقوني للثقافة الأيرلندية"، تمّ قصّها وتشويهها بإهمال على يد مجلّد كتب في العام 1825. وبينما تتسبّب الفئران والرطوبة بكثير من الضرر ("المخطوطات الرقية هي البروتين، الذي تأكله القوارض")، فالإنسان هو أسوأ الجناة حتى الآن.

مبعثرة
يختم بدعوة إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة: المخطوطات زاوية مهملة من الأوساط الأكاديمية ينبغي أن يدرسها المزيد من الناس.&
وثّق دي هامل مخطوطات من القرون الوسطى أكثر من أي شخص آخر في التاريخ. إذًا، يجب أن يستمع الجميع إلى ما يقوله، وليس الأكاديميون فحسب. وهذه الكتب هي دروس نموذجية في عدم الثبات. فلم يبقَ إلا كتاب واحد، "ساعات" للملكة جان من نافارا، في البلد الذي صنع فيه. أما الكتب الأخرى فمبعثرة، وهذا ما يسمّيه الكاتب "هجرة المخطوطات".

وبالطريقة نفسها التي يدرس فيها علماء المحيطات مسارات لعبات البط البلاستيكية لفهم التيارات، أو يدرس فيها الاقتصاديون طرق الشحن لمراقبة الاقتصاد العالمي، يمكن المرء متابعة هذه المخطوطات لفهم ألفية من التاريخ الأوروبي.&

وكما سقطت الكنائس وتلاشت الإمبراطوريات وانهار الرايخ الألماني الذي دام ألف عام، بعد بضع سنوات فقط، وكما تتحرك القوى، كذلك تفعل المخطوطات. مع أنّها مصنوعة لتكون أنصابًا تذكّر بقوة مالكيها الأبدية، فالمخطوطات تتحوّل على الغالب إلى شواهد قبورهم. وهذا بالنسبة إلينا جميعًا درس من القرون الوسطى.
&