إيلاف من بيروت: أكدت السعودية مرارًا أن في إمكانها ضخ نحو 12 مليون برميل من النفط يوميًا في السوق العالمية إذا دعت الحاجة، لكن هذا الإدعاء بالانتاج غير المشروط - الذي يتطلب تنفيذه إنفاق رأس مال كبير للوصول إلى مخزون النفط الإحتياطي - لم يتم اختباره بعد.

خطر انخفاض الأسعار

تقول المصادر إن انتاج المملكة في هذا العام بلغ نحو 10,7 ملايين برميل يوميًا، متخطية بذلك سقف إنتاجها العادي، ما يمكن أن يكون السبب وراء الضغط الذي مارسته الرياض من أجل التوصل إلى اتفاق دولي على خفض الانتاج.

في الواقع، شعرت الرياض - المصدّر الأول للنفط في العالم - بخطر انخفاض سعر النفط حين تدنى سعر تداول النفط الخام تحت 50 دولارًا للبرميل، مدركةً في الوقت نفسه حقيقة تكلفة حربها في اليمن، وحاجتها إلى تفعيل الاقتصاد لخلق آلاف فرص العمل.

مع انحسار الموارد، بدأت المملكة التفكير في إمكان استثمار مليارات الدولارات من أجل رفع إنتاج النفط مجددًا لكسب حصة أكبر من السوق، وذلك ضمن استراتيجيا تم تبنيها في عام 2014. لكن، تبيّن إن الخيار الأمثل - في ظل ارتفاع العرض الدولي وانخفاض الأسعار - هو خفض الإنتاج الذي سيساهم في تخفيف الضغط على حقول النفط في السعودية، ويضمن ادارة أفضل للخزانات، ويوفر عليها مصاريف إضافية هي بغنى عنها.

 

 

في هذا السياق، قال مصدر في صناعة النفط في السعودية إن على الاستثمار لرفع الإنتاج أن يحصل حين تكون الأسعار مرتفعة، وليس حين تكون منخفضة. فالخيارات أصعب اليوم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستستثمر الحكومة السعودية مبالغ كبيرة من أجل رفع الإنتاج في ظل تقليصها ميزانيتها، أم ستنفقها في أماكن أخرى حيث الحاجة اليها أكبر؟"

الخطة ثابتة

ارتفع سعر النفط بحدود 6.5 في المئة الإثنين، ليصل إلى أعلى مستوى له في 18 شهرًا، بعدما توصلت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) مع بعض منافسيها إلى أول اتفاق منذ عام 2011 يقضي بتعاون الجميع لتخفيض الانتاج. ويوم الخميس، تم تداول نفط خام برنت بسعر يفوق 54 دولارًا للبرميل.

ومن مندرجات الاتفاق أن تباشر السعودية، القائد الفعلي لأوبك، بخفض إنتاجها ابتداء من يناير الآتي إلى زهاء 10 ملايين برميل يوميًا، أي أقل بكثير من عتبة 12 مليون برميل التي أكدت السعودية أنها تستطيع إنتاجها.

وفقًا لمصادر صناعية سعودية ولخبراء في أسواق، لم تستطع السعودية تاريخيًا الحفاظ على مسار انتاج عالٍ فترةً طويلة، علمًا أن شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، لم تجرّب يومًا الوصول إلى عتبة 12 مليون برميل يوميًا، وسيصعب عليها أن تحافظ على تدفق الاستثمارات المطلوبة في ظل أسعار النفط الحالية.

ردًّا على سؤال طرحته رويترز، اكتفت أرامكو بالقول إنّها لن تعلق على مستويات الإنتاج الحالية.

 

 

وصرّح مصدر مطلع على سياسات أرامكو الإنتاجية أن قدرات الشركة ثابتة على 11,4 مليون برميل يوميًا، وتعمل على رفع الإنتاج إلى 12 مليونًا بحلول عام 2018. وتابع المصدر الذي أصرّ على عدم الكشف عن هويته: "بدأ التخطيط للوصول إلى عتبة 12 مليون برميل يوميًا في فترة 2008-2010، فاتّجهت كل الموازنات السنوية نحو تحقيق هذا الهدف".

وأضاف: "يتطلب تحقيق هذا الهدف تخصيص 20 مليار دولار للنفقات الجارية، و40 مليار دولار للنفقات الرأسمالية، وحين يتم إنتاج 12 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2018، ستنخفض القيمة الاجمالية للنفقات الرأسمالية إلى 20 مليار دولار". والجدير ذكره إن أرامكو لا تصرّح عن أرقام نفقاتها الجارية، ولا نفقاتها الرأسمالية.

تحول في التفكير

في مذكرة أرسلتها شركة بيرا الأميركية الاستشارية إلى زبائنها في مايو، قدّرت أن القدرة الفورية القائمة للمملكة العربية السعودية هي في حدود 10,5 ملايين برميل يوميًا، وذلك بعد مراقبة مخططات التوسع في الإنتاج منذ عام 2008، واحتساب نسبة التراجع السنوي بحدود أربعة في المئة.

وتفيد المذكرة نفسها بأن "المملكة قادرة على إنتاج المزيد، لكن ذلك سيأتي على حساب الإدارة الأمثل للمخزون. ويمكنها بالطبع إضافة حقول جديدة، لكن ذلك سيستغرق طويلًا وسيكون مكلفًا جدًا. وحتى الآن، لا تزيد السعودية قدرتها الإنتاجية بالاستناد إلى الإعلان عن المشروعات ونشاط منصات استخراج النفط، بل تستبدل نسب التراجع السنوي السابق ذكرها (أي أربعة في المئة) بنسبة ستة في المئة.

يقول مسؤولون نفطيون سعوديون إنهم قادرون على انتاج 12 مليونًا، أو حتى 12,5 مليوناً، برميل من النفط يوميًا اذا دعت الحاجة، خصوصًا في حال حصول هبوط مفاجىء في العرض العالمي.

ويعتبر البعض أن المسألة لا تكمن في قدرة السعودية على تحقيق ذلك، بل في الفترة الزمنية التي سيستلزمها الأمر. وكان علي النعيمي، وزير النفط السعودي السابق، قد صرح أن أرامكو تحتاج إلى 90 يومًا لتحويل الحفارات من أعمال البحث إلى حفر آبار جديدة ورفع الإنتاج للوصول إلى 12 مليون برميل يوميًا.

الخطة الطموحة

طيلة هذا العام تقريبًا، سعت السعودية إلى رفع الأسعار بدلًا من أن تترك هذه المهمة للسوق، ما يشكل تحولًا عن استراتيجيا تبنتها منذ عام 2014. في الواقع، كان الضرر الذي سببته الأسعار المنخفضة للنفط كافيًا ليجمع المنتجين الآخرين حول طاولة التفاوض، لكن مصادر نفطية تشير إلى أن السعودية كانت متحمسة أيضًا لعقد الاتفاق كونها تخطط لبيع حصة من أرامكو بحلول عام 2018.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشؤون المالية في الرياض ترزح تحت ضغوط كبيرة. فمع العجز الكبير في موازنة العام الماضي، أجبرت المملكة على البحث عن مصادر دخل جديدة، بما في ذلك الضرائب والرسوم الأخرى، كما اضطرّت إلى عصر النفقات.

تحاول الحكومة السعودية زيادة إيراداتها غير النفطية وتحديث الاقتصاد من خلال "رؤية 2030" الاصلاحية الطموحة التي يقودها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويأتي في صلبها مشروع بيع حصة في أرامكو.

وحتى تتمكن المملكة من خفض اعتمادها على النفط وتنفيذ الإصلاحات المنشودة، ستحتاج دائمًا إلى مداخيل بيع النفط الخام.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف عن وكالة رويترز. المادة الأصلية منشورة على الرابط الآتي: 

http://uk.reuters.com/article/uk-saudi-oil-capacity-exclusive-idUKKBN14418B