بن لادن بما قام به من أحداث، وتفجيرات، وقتل للأبرياء، سواء في عملياته في الغرب، أو عملياته بين أهله وذويه، إختصر االكثير من الزمن لتوعية الشعوب المسلمة وإيقاظها من غفوتها. صحيح أن الثمن كان باهضاً لكن النتائج التي نراها اليوم مطمئنة. رأت الشعوب المسلمة رأي العين أن الدم لا يورث إلا الخراب والدمار والعزلة والملاحقة وتلك العيون التي تتفحصك إذا كنت مسلماً بعيون تملؤها الشكوك والريبة أينما اتجهت، وأدركت إن الانحياز نحو ثقافة السلام ونبذ الحروب والصراعات الدموية هي الحل. ما نشهده من بدايات تحول في الوعي في المنطقة، وتوجه نحو السلام والليبرالية والحوار كان بفضل بن لادن والقاعدة. إرهاب بن لادن كنا في غاية الحاجة إليه ثقافياً كتجربة مريرة من أجل أن نترك الأمس، وثقافة أجداث المقابر، وتقمص الماضي الذي كان، ونتحول إلى معايشة الحاضر ومتطلباته. ومن أجل أن نثبت لهذه الشعوب التي يعيش الأمس في وجدانها برموزه وأفكاره وانتصاراته أن الحل يكمن في قطع كل علاقاتنا بثقافة الموت، وإقامة علاقات جديدة بالحياة، تتخذ من التنمية الاقتصادية ومنجزات العصر وسيلة لتحقيق المدنية، كان لابد من ابن لادن.
الراصد ndash; مثلاً - للحراك الثقافي في السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر، وما أعقبه من أحداث إرهابية سواء في الداخل السعودي أو في الخارج، سيلحظ بوضوح أن الصوت الإسلاموي في المملكة بدأ في الانحسار، وأن الصوت الليبرالي أصبح يحقق انتصارات متتالية، وتحولت رموزه من الدفاع إلى الهجوم، ومن المداراة والمواربة إلى العمل بجرأة في وضح النهار، والتصدي للصوت الإسلاموي المتطرف على المكشوف. الحرب على الإرهاب وثقافة الإرهاب أتاحت الفرصة للتيار الليبرالي في السعودية أن يشارك في الحملة ويتحالف مع الحكومة التي كانت تعتبره في الماضي من ألد أعدائها. الحلف بين الليبراليين والسعوديين الحكوميين يشهد الآن أفضل حالاته. فالشرخ الذي أحدثه بن لادن بين الإسلامويين والحكومة السعودية أعطى التيار الليبرالي السعودي فرصة تاريخية لتجذير نفسه، وفرض صوته كحقيقة في الواقع السعودي لا يمكن عد اليوم تجاهلها. قبل بن لادن كان الصوت الاصولي هو الأقوى ، والذي يُمالئه، ويتقرب إليه، ويتلمس إرضاءه، ليس السياسيين فحسب، وإنما كل أطياف المجتمع. الآن، وبعد بن لادن، انقسم الصوت الإسلاموي على نفسه، تشظى، واتخذ مناح ٍ متعددة ومتضادة، وخبا تألق معظم نجومه، بينما هرب بعضهم إلى الأمام بانتهازية واضحة وأصبحوا أكثر قرباً من التيار الليبرالي (سلمان العوده، القرني، العبيكان مثلاُ) . وبعد أن كان الإسلامويون المتشددون في وضع هجوم تحولوا إلى الدفاع. هذا التحول أضعفهم كثيراً، فبدأت شمس أيام مجدهم تنحو إلى الغروب، إلا من تعلق بحبل الليبرالية منهم. ضعف التيار الإسلاموي في السعودية سينعكس انعكاساً سلبياً على قوة هذا التيار في العالم أجمع وليس في السعودية فحسب.
ومرة أخرى : شكراً ابن لادن، فلولاك لكنا ما نزال في عقد التسعينات من العقد الماضي، نعيش في مجالس ابن تيمية، ونتناول طعامنا على مائدة ابن كثير، وتصطف طوابير مرضانا على أبواب عيادة ابن القيم ، ونتلمس عند ابن حنبل حلولاً لمآزقنا الحضارية.
bull;كاتب سعودي
.