الديمقراطية الدستورية... هكذا هو قدر الكويت السياسي حتى لو تكررت الانتخابات مراراً وحّل مجلس الأمة تكرراً، فالعقد السياسي والاجتماعي الدستوري ليس تطورا حديثاً ولا ترفاً سياسياً، بل حقيقة تاريخية لا تحتمل التأويل والاجتهاد ولا الرفض والقبول.

انتخابات تلد أخرى بسرعة سياسية لافتة، لكن الثابت هو النظام الديمقراطي القائم على الدستور وعقد سياسي واحد في الكويت...مرهقة للغاية الانتخابات المتكررة سياسياً وشعبياً، والعزوف عن الانتخابات ليس الحل الأمثل، والمصلحة الوطنية ليست بنكران التاريخ السياسي والثقافي في الكويت.

الأكيد أن ليس هناك بديلا للنظام الديمقراطي في الكويت سوى الانتخابات كما نص عليها دستور الدولة في العام 1962، فالديمقراطية بلسم الحكمة للوهن السياسي واليأس الاجتماعي، وليس هناك بديلاً عن صناديق الاقتراع تحت مظلة الدستور.

صداع سياسي ثقيل الألم في الكويت... كان صداعاً للغير تاريخياً وأصبح صداعاً لأهله في الكويت خلال الفترة البرلمانية الكئيبة 2013-2020 الذي حسمتها القيادة السياسية بحل دستوري نزولاً عند الإرادة الشعبية قبل تمدد الفتنة السياسية والأذى الدستوري في الدولة.

تورم الصداع السياسي في الكويت إلى درجة غير مسبوقة تاريخياً...لا ننكر الإرهاق والانهاك الشعبي وحالة التململ من الانتخابات خلال السنوات 2022-2024، ولكن الانتخابات تطور حتمي للديمقراطي في الكويت، وستظل مصادر علل الديمقراطية في النظام الانتخابي وليس الدستوري.

تلام السلطة في عدم ترجيح الثقافة السياسية في الوعي الشعبي وفي مناهج التعليم، وتلام السلطة على عدم التصدي للفزعات القبلية والطائفية والفئوية التي لم تراع فرز خوافي الحقائق الاجتماعية والثقافية لأنها مستفيدة من الفوضى الانتخابية والسياسية...ربما!

اليأس ليس الحل للحالة السياسية في الكويت، فالسلطة الحكومية الممتدة منذ عقود لم تتغير في صراعاتها وخلافاتها، وضبابية رؤيتها لاحتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل السياسي وتحدياته، لذا يصبح الخيار الأمثل والوحيد في الانتخابات وصناديق الاقتراع حتى لو النتائج صعبة الهضم وقاسية الاستيعاب والقبول.

قسوة سياسية نمارسها مع السلطة، ونمارسها مع جميع الأطراف الشعبية أيضاً، فهي ممارسة مشروعة ومقبولة ولا تقارن مع الانحرافات والتشوه البرلماني خلال 2013-2020 الذي قادته مجموعة نيابية ضد الدستور في ابتكار "بدعة" التأجيل لاستجوابات رئيس الوزراء السابق.

الهدف الانتهازي من الرحلة غير الوعرة في دهاليز سياسية، تخيم عليها مصالح فردية وشخصية...لكنه ليس صعباً في ظل حكومة ممتدة لا تسعى إلى نظرة سياسية صادقة ومتأنية في قراءة الماضي السياسي القريب ولا التعلم من التاريخ البعيد!

لدينا الحتميات غير الساذجة في معانيها وأبعادها التي تحتم أخذها على محمل الجد وليس التهاون حتى لا تغيب حقيقة دستور الشقاء الشعبي والنضال السياسي، ففتوة العمل الوطني لم تعد في أحسن أحوالها ولا نقبل لها عودة طائشة ومتهورة إلى نبض الشارع.

ننقب، لزاماً، في خوافي الحقائق وبواطن المشكلات دون الاستسلام لليأس المفتعل ولا مصادره، فالفساد أصبح عنواناً للكويت في غياب الدستور، فما الحال في ظل تعليق الدستور وغياب المؤسسة الدستورية؟!

السلطة الحكومية لم يسعفها حظ الأعذار السياسية في أثارة الشعب ضد الدستور، بل خذلها الحظ السياسي في اختلاق الصدام والأعذار لحلول غير دستورية ووأد المكتسبات الدستورية حتى لو عاد بعض نواب 2020 بكثافة وكثرة في مجلس 2024.

الحكومة الممتدة تستهويها الاعذار السياسية لحل مجلس الأمة، البرلمان، وربما الإبحار نحو وهم الحلول غير الدستورية...أحلام محظورة دستورياً.

جيل الشباب يلد أخر من شباب وشابات يبحثون عن ينابيع الاستقرار السياسي والأمل الجميل في ظل الدستور وصناديق الاقتراع...قوة سياسية واعدة وروح وطنية لا تقبل التنازل ولا الخذلان والنكران للتاريخ السياسي والثقافي في الكويت.

فتوة التخريب في مجلس الأمة قد تعود في العام 2024...نخشى على الديمقراطية من مرزوق الغانم والانتهازية والأنانية السياسية...الديمقراطية لن تموت في عروق الشعب الكويتي ولن تذبل في بساتين الشباب المزهرة.

الكائنات البشرية القلقة والنفوس المتعبة لا زالت تناجي روح التأسيس في الكويت ...دولة الدستور دون يأس سياسي، ولا بؤس الانتظار للمصداقية السياسية...تكاثرت الانتخابات ولكن الدستور لا يتغير ولا يتعدل ولا ينقح.