الميليشيات في منطقتنا العربية تعربد عربدة من يعلم يقيناً أن لا أحد سيحاسبه على أفعاله. وهي تقول وتفعل كل ما يؤدي إلى نشر الفوضى في عمق بلدانها والمنطقه والعالم، وهي بالتأكيد ليست وحدها في ذلك، فهناك الراعي المعنوي والمادي، والميليشيات لا تقرأ المستقبل ولا تخطط لأعمالها، لأنَّ هناك من يقدم هذه الخدمات تحقيقاً لأهدافه البعيدة والقريبة المدى، فيما تتكفل هي بالتنفيذ فقط.

لا يمكن للمرء أن يتفاءل كثيراً بالقوى الدولية في الوقت الحالي، فالمراقب للأحداث العالمية يعلم جيداً أن هناك تَغيُراً في التوازنات العالمية والاهتمامات حول العالم. فالأميركيون يقفون عاجزين في شرق أوروبا أمام روسيا، التي تبسط سيطرتها العسكرية الكبيرة على أوكرانيا دون نتائج للدعم الغربي اللامحدود، والأوربيون بدأوا يُظهرون يأساً من الدعم الذي يقدمونه لأوكرانيا من دون فائدة تذكر، فلا هو استنزف الروس بالشكل الذي يريدونه، ولا هو حقق نتائج تكتيكية على الأرض في ظل السيطرة الجوية والمعلوماتية الروسية الكاملة،

الأميركيون يتصدون للعملاق الصيني التجاري والصناعي، الذي بدأ يُظهر إمكاناته التقنية، وكذالك يُغيّر خطابه الدبلوماسي إلى خطاب أكثر حدّة تجاه الولايات المتحده الأميركية، وهناك فراغ عالمي كان فتحاً لراعي الميليشيات في المنطقة لتْفعيلها هنا وهناك، وافتعال الأعمال الغوغائية في البحر والمحيط وفي عمق أوطان هذه الميليشيات وأمام حكوماتها.

لا يسمح راعي هذه الميليشيات بأن يخسر حتى جندياً واحداً من جنوده في هذه الفوضى المفتعلة، حتى من أجل غزّة وقضية فلسطين التي يتغنى بها كثيراً في أدبياته السياسية منذُ عقود، داخلياً وخارجياً. أما من يموت حقاً فهم اللبنانيون واليمنيون والفلسطينيون.

المناوشات التي تقوم بها جماعة أنصار الله الحوثية تنفذها مستخدمة الأسلحة الإيرانية (المسيرات والصواريخ) والتي تلقتها من إيران، فهذه الجماعة لا تملك القدرات الصناعية والبنية التحتية لصناعة أبسط الأسلحة، وأولها السلاح الفردي، فكم بالحري الأسلحة التي تحتاج إلى وحدات صناعية متعددة ومراكز تقنية تفتقر لها الكثير من الدول التى تفوق إمكاناتها إمكانات جماعة مسلحة تسطير على جزء بسيط من اليمن فقط.

الراعي الرسمي يتلقى بين فتره وأخرى عشرات المليارات من الدولارات من أمواله المجمدة في الولايات المتحده الأميركية، وقد قبض الثمن في العلن، وربما هناك أثمان أُخرى سددت في الخفاء لا يعلمها إلا الطرفين. والميليشيات المسلحة وغير المنضبطة مستمرة وستستمر في نشاطها في ظل غض الطرف المتعمد من القوى العالمية الوازنة.