لندن: استقبلت المملكة العربية السعودية عام 2015 بمقتل ثلاثة من رجال أمنها في هجوم ارهابي نفذه مسلحون قرب عرعر على الحدود مع محافظة الأنبار العراقية، وأكدت وزارة الداخلية السعودية ان بين القتلى العميد عودة معوض البلوي قائد حرس الحدود السعودي في المنطقة الشمالية. &
&
وجاء الهجوم المباشر على المملكة تذكيرا بقرب الخطر الذي يهددها من تنظيمي القاعدة و"داعش".
&
وأدى تعاظم خطر داعش منذ ظهوره في سوريا والعراق الى اقامة تحالف دولي لمواجهة التنظيم &يضم 60 دولة، اجتمع ممثلوها في بلجيكا أواخر العام عام 2014 وأصدروا بيانا اعلنوا فيها العمل على عدة محاور لمواجهة خطر داعش، بينها دعم العمليات العسكرية وبناء القدرات والتدريب ، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب وتجفيف منابع تمويل داعش وتوفير المساعدات الانسانية للنازحين من ضحايا داعش وفضح طبيعته الحقيقية. &
&
في هذه الأثناء يجري رئيس الاستخبارات السعودية الأمير خالد بن بندر محادثات في واشنطن، وتأتي زيارة الأمير خالد في اطار سلسلة من الزيارات التنسيقية على أعلى المستويات بين المسؤولين الامنيين السعوديين ونظرائهم الأميركيين، لا سيما زيارة وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد الله بن عبد العزيز ثم زيارة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. &
&
وبعد اربعة أشهر على اقامة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لتقويض داعش وتدميره، تتركز محادثات الأمير خالد على متابعة ما تحقق حتى الآن واستخلاص الدروس وتنسيق الخطوات اللاحقة لمكافحة ما اصبح تهديدا خطيرا للسلام والأمن في المشرق العربي بأكمله. &
&
وكما لاحظ الدكتور عماد حرب، الباحث المختص بالشؤون الدولية في المجلس الوطني للعلاقات الاميركية ـ العربية فان داعش منذ اجتياحه شمال العراق في حزيران/يونيو 2014 بمجاميع غير منظمة من المقاتلين ، اصبح التحدي الأمني والاستراتيجي الأول لمنظومة الدول الوطنية في المشرق العربي ومنطقة الخليج.
&
وداعش الآن أفضل تجهيزا وتسلحيا بكثير، ويحتل رقعة شاسعة من سوريا والعراق، وجعل منها قاعدة متصلة لعملياته تهدد جميع الدول المجاورة. &
&
وما يثير الأسى "كما يكتب الدكتور حرب"، ان داعش الذي يحمل رؤية خلاصية لاقامة ما يسميها دولة الخلافة يمثل مع الجماعات القريبة من فكره أملا وإن كان كاذباً للسنة المحرومين أو المهمشين او المضلَّلين في كل مكان. &
&
وتكتسب مكافحة داعش وغلوه العقائدي أهمية حاسمة ومهمة لأمن النظام السياسي العربي واستقراره. &
&
عسكريا ، يتولى التحالف الدولي الذي شُكل لمواجهة داعش مهمة اضعاف قدرة التنظيم على شن هجمات والاحتفاظ بالسيطرة على المناطق التي اجتاحها في العراق. &كما ساعد التحالف في وقف تقدم داعش ضد اقليم كردستان العراق والعاصمة العراقية بغداد ومناطق في محافظة الأنبار غرب العراق. &
&
وتساهم السعودية والامارات العربية والاردن ودول عربية اخرى بقسطها في هذا&المجهود بوصفهم شركاء أساسيين ، وكان أداء قواتها الجوية مشهودا في سماء العراق وسوريا. &ومن المؤكد ان تستمر الحملة ضد داعش حتى الحاق الهزيمة النهائية به. &ومن هنا أهمية الدور الذي تقوم به هذه الدول وتصميمها على تخليص مجتمعاتها من الخطر طويل الأمد الذي يمثله داعش عليها.
&
فكريا ، تحتدم المعركة منذ زمن طويل بين الاسلام الذي يراه العالم في العواصم العربية والاسلامية ، واشكاله المتطرفة والعنيفة التي يمثلها داعش وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات الجهادية.
&
&وأدانت الرياض والقاهرة وابو ظبي وعمان وعواصم عربية أخرى بشدة الوحشية التي استخدمها داعش لتنفيذ اجندته أينما بسط سيطرته. &كما نظمت هذه العواصم حملات شعبية تضع مبادئ الاسلام بوصفه دين سلام وتسامح في مواجهة خطاب الكراهية وممارسات الجهاديين المقيتة.&ولم تقتصر المعركة من أجل روح الاسلام الحقيقي على منازلة داعش والقاعدة في العالم العربي بل تبدت منذ زمن طويل على الصعيد العالمي ايضا وأصبحت اشد الحاحا وضرورة ومصيرية ، على حد وصف الدكتور حرب. &
&
وفي حين ان الردود العسكرية والسياسية والفكرية ضد التطرف أدوات أساسية فان من مستلزمات النصر الحاسم النجاح على جبهة التنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية لتحسين مستوى المعيشة وتوفير الفرص الكفيلة بتوسيع المشاركة في عمليات التنمية الوطنية للمواطنين في بلدان لديها ملايين المسلمين المحرومين والفقراء.&
&
ذلك لأن فكر داعش المنحرف يؤجج لدى بعض هؤلاء احساساً باليأس والاهمال.&وليس من شأن هذا الشعور بالاغتراب إلا ان يزيد استدراجهم الى تأويلات سهلة وسطحية للصراعات الدينية والفكرية في الحياة اليومية والمجتمعات العربية وغير العربية. &وبتعبير أدق فانه يمكن ان يدفع افرادا الى المشاركة في ما يعتقدون انها أعمال تحررهم من وضعهم ، منها الانضمام الى داعش. &والحق ان داعش استطاع تجنيد عناصر من بلدان عربية واسلامية وغربية على السواء رغم جهود الحكومات والمنظمات الأمنية الدولية لتحجيم داعش ومحاربة فكره. &
&
زيارة رئيس الاستخبارات السعودية الأمير خالد بن بندر للولايات المتحدة تأتي أيضا في وقت يواصل التحالف الدولي ضد داعش حملته الجوية في العراق وسوريا. &كما أن الزيارة تقوم في وقت تتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يمر بها النظام الروسي والنظام الايراني بسبب الهبوط الحاد في اسعار النفط والغاز الذي من المرجح ان يستمر على المدى المتوسط على أقل تقدير. &وستتناقص نتيجة ذلك قدرات روسيا وايران بوصفهما راعيين وممولين ومدافعين عن النظام السوري، على الاستمرار في عرقلة التغيير السياسي في سوريا.&وسيجعل هذا مهمة التصدي لتنظيم داعش ودور السعودية في هذه المعركة أشد فاعلية وبنتائج أفضل على الأرض. &لذا من المرجح ان تتناول زيارة الأمير خالد ثلاثة محاور استراتيجية. &
&
أولا، ان الأمير خالد بوصفه رئيس الاستخبارات العامة في السعودية منذ 30 حزيران (يونيو) 2014 في موقع يتيح له البت ضمن صلاحياته في قضايا التعبئة والتدريب وتسليح مقاتلين من فصائل المعارضة ليكونوا نواة قوة معتدلة تقاتل النظام السوري.&&
&
واصدرت ادارة اوباما والكونغرس الاميركي مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي موافقتها في هذا الشأن وأقدمت على توفير التمويل اللازم للبدء بتشكيل هذه القوة. ويتمتع الأمير خالد بالمكانة الجديرة ولديه الجهاز المؤهل والعلاقات العسكرية اللازمة للمساعدة في تعبئة هذه القوة وتنظيمها وتدريبها ونشرها. &يضاف الى ذلك انه يستطيع ان يراجع ويقيِّم تفكير ادارة اوباما بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد ويشجعها على اعادة النظر بسياسة الامتناع عن استهداف قوات النظام السوري. &وما قد يساعد الأمير خالد في هذا الشأن تأثير المفاوضات النووية مع ايران التي دخلت طريقا مسدودا على ما يبدو ، وكانت الادارة لا تريد لهذه المفاوضات ان تفشل باستهداف التحالف الدولي قوات النظام السوري. &
&
ثانيا، بعد اعلان القمة الخليجية في الدوحة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن تشكيل قيادة عسكرية مشتركة ، يأتي الأمير خالد الى واشنطن مسنودا بموقف خليجي موحد من الخطوات التالية التي يتعين اتخاذها إزاء سوريا. &والى جانب تشكيل قوة معتدلة من المعارضة السورية وتسليحها ونشرها فان دول مجلس التعاون الخليجي ستؤكد مجددا من خلال الأمير خالد ، التزامها بإبقاء الركن العربي في التحالف الدولي ضد داعش.
&
كما ستعيد دول المجلس تقييم التزاماتها لمساعدة الاردن ولبنان اللتين تستضيفان ملايين اللاجئين السوريين، بوصفهما شريكين في التحالف وهدفين لهجمات داعش وجبهة النصرة التي تنتمي الى تنظيم القاعدة. والحق ان الأمير خالد يصل الى واشنطن ممثلا في واقع الأمر لقادة ذوي تفكير واحد ، وقناعة مشتركة بالطبيعة العربية من حيث الأساس للمعركة المحتدمة ضد التطرف، و ناقلا رسالة هؤلاء القادة بأنهم سيواصلون العمل لتقويض داعش وإلحاق الهزيمة به. &
&
ثالثا، من خلال العلاقات الاقتصادية والثقافية والقبلية التاريخية بسنة العراق تستطيع السعودية ان تضع ثقلها دعما لتسليح ابناء العشائر السنية لتشكيل حركة مسلحة قوية ضد داعش من الداخل. وبدأت بالفعل محاولات تشكيل حرس وطني عراقي &لقتال داعش، وبعد قرار السعودية إعادة فتح سفارتها في بغداد إثر تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء وزيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري للسعودية ، فان هذه المهمة ينبغي ان تكون أسهل على الجانب السعودي.&لذا ستكون زيارة الأمير خالد فرصة ممتازة لبحث قضايا عراقية ملحة والتنسيق بشأن تشكيل وتدريب هذه القوة من ابناء العشائر السنية مع المسؤولين الاميركيين والتأثير في قيادة الحكومة العراقية وعملياتها ضد داعش. &
&
&ختاما فان السعودية كانت وستبقى لاعبا اساسيا في المعركة ضد داعش وشريكا بل وقائدا&في التحليل النهائي للقضايا الكبرى التي تعيشها أهم مناطق العالم الاستراتيجية. &وبالتالي فان زيارة الأمير خالد الى واشنطن مناسبة أخرى تؤكد فيها الرياض مجددا التزامها بالمعركة ضد التطرف والتعصب. &كما انها تتيح فرصة لاعادة تأكيد الأهمية التي يتسم بها التنسيق والتعاون السعودي ـ الاميركي ، والخليجي ـ الاميركي الأوسع بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.
&
وهنا تمتد مساحة التركيز على القضايا التي تبحث الآن إيجاد صيغة عملية لاطفاء الحريق السوري وكذلك مساعدة الفاعلين الاقليميين على التصدي للتهديات الخطيرة التي تواجههم بتوسيع آفاق بناء شرق أوسط يسوده السلم والازدهار.&&
&
ومما له أهمية ان الزيارة تسلط الضوء على حقيقة ساطعة وسط التحديات والاحتمالات التي تواجه العالم العربي وهي بروز السعودية بوصفها شريك الولايات المتحدة الاستراتيجي الأكثر موثوقية واستقرارا وفاعلية في المنطقة.&