قال الخبير الإستراتيجي الدكتور علي التواتي إن واشنطن وطهران أرادتا توريط روسيا في المستنقع السوري، لخدمة أهدافهما المختلفة، مشيرًا في حديثه لـ "إيلاف" إلى أن ما يشاع من وجود اتفاق روسي أميركي على هذا الانسحاب هو حديث غير صحيح، مؤكدًا أن القرار هو قرار روسي بحت، جاء بعد تنبه موسكو إلى وجود فخ يتم جرُهم إليه بهدوء، فضلًا عن قيام مناورات "رعد الشمال"، التي جمعت للمرة الأولى أكثر من 30 دولة عربية وإسلامية، وهي رسالة كانت تحمل دلالات مختلفة، أقلها إمكانية قيام مقاطعة اقتصادية لروسيا من قبل الدول السنية.

الرياض: كان الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، قد أعلن أمس الاثنين، وبشكل مفاجئ، انه أوعز لوزير دفاعه بالبدء في سحب القوات الروسية من سوريا اعتبارا من اليوم الثلاثاء، مشيرا إلى أن التدخل الروسي في سوريا حقق أهدافه على نطاق واسع.&

فيما ذكر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن بوتين تحدث هاتفيا مع الرئيس السوري بشار الأسد لإبلاغه بالقرار الروسي، هذا وكانت القوات الروسية قد دخلت &سوريا وبدأت عملياتها هناك منذ الثلاثين من سبتمبر/أيلول 2015، مشيرة إلى أنها تلقت طلبا رسميا من دمشق للمساعدة في محاربة "الإرهاب".

فخ حلف الناتو
الخبير التواتي أوضح أن حلف الناتو والدول الغربية، وعلى رأسها واشنطن، سعت إلى إشغال روسيا بالشأن السوري، حيث أريد لها أن تغوص أكثر في هذا الوحل المتحرك في المنطقة.

وبيّن انه في الوقت نفسه بدأت قوات حلف شمال الأطلسي في إعادة نشر أساطيلها&في البحر الأدرياتيكي، من قطع حربية وغواصات نووية ومنصات إطلاق صواريخ إستراتجية.&

أضاف "كل هذه الأساطيل&بدأ نشرها في الأدرياتيكي على الحدود الجنوبية لروسيا، بدعوى مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، لكن الهدف غير المعلن، هو نشر قوات إستراتجية لحصار روسيا بهدوء، فضلا عن تعزيز قوات الناتو في شرق أوروبا.&

وقال التواتي "إن الدول الغربية حاولت إغراق روسيا في مستنقع المنطقة، بحيث يشمل العراق أيضًا، وحتى عندما أبدت روسيا تعاونا مع الولايات المتحدة لتحرير الرقة لم تبد أميركا الحماسة نفسها، مما يدل على أنه يراد لموسكو البقاء في المستنقع أطول وقت ممكن".

وأشار إلى أن "حسابات روسيا الإستراتيجية تغيرت، ومن يقول إن الانسحاب تم بالتنسيق مع واشنطن، هذا شخص غير مدرك للحقائق، فأميركا نفسها أعلنت أنها لا تعلم عن هذا القرار شيئًا، بل سارع الرئيس اوباما إلى الاتصال ببوتين لاستجلاء الموقف، كما إن القوات الروسية توقفت فعلًا بدءًا من يوم أمس عن قصف قوات المعارضة المعتدلة.

معركة نيابة عن الغير
كما لفت الدكتور التواتي إلى أن روسيا لا تريد أن تخوض معركة نيابة عن غيرها، لا سيما نيابة عن واشنطن، التي ليست لها أية مصالح في سوريا، وتسعى إلى تجهيزها للتقسيم، في حين تريد روسيا أن تكون سوريا متماسكة لتسديد ديون موسكو على الأقل.&

في حين تهتم واشنطن فقط بمصلحة إسرائيل، وتسعى إلى تنفيذ خطة "الفوضى الخلاقة" وتقسيم الدول المحيطة بإسرائيل إلى "كنتونات" تحت أعلام وهمية، بحسب وصف التواتي، الذي قال إن أميركا سحبت قواتها من الشرق الأوسط، وبدأت في إعادة نشرها في المحيط الهادي، تحقيقا لأهدافها &الإستراتيجية في حماية البر الأميركي من أي هجمات محتملة من دول آسيوية، التي هي اقدر على الوصول &إلى الأرض الأميركية من أي دول أخرى.&

مناورات "رعد الشمال"
وقال الدكتور علي التواتي "إنه ما من شك أن مناورات "رعد الشمال" التي أقيمت في شمال السعودية، بحضور قوات أكثر من 30 دولة عربية وإسلامية، كان لها تأثير غير مباشر، حيث كانت ذات رسائل ودلالات مختلفة، وبعيدا عن البعد العسكري، فقد تشكل الدول التي شاركت في رعد الشمال جبهة اقتصادية مناوئة لروسيا، وهذا سوف يؤثر كثيرًا على الاقتصاد الروسي، الذي تأثر كثيرًا بانخفاض أسعار النفط، واضطرت موسكو لفتح مفاوضات مع السعودية لمجرد تجميد الإنتاج على مستويات كانون الثاني/يناير.&

وأضاف التواتي "روسيا فضلت&كسب الدول الإسلامية والجمهوريات الإسلامية الخمس ضمن الاتحاد الروسي، وهي كلها دول مسلمة وسنية، وتدين بالولاء العرقي والتاريخي لتركيا، حيث إن روسيا لا تريد استراتيجيًا أن تفقد تركيا، فقد أضرت بعلاقاتها مع تركيا بما يكفي، وحتى محاولاتها لمساندة الأكراد بالتعاون مع الأميركيين لاحتلال شمال حلب، تخلى عنها الروس، لأنهم وجدوا أنفسهم قد تورطوا بما يكفي.

اكتشاف إيران
وعن موقع إيران من الانسحاب، قال التواتي "يبدو أن وجود روسيا في سوريا عرًف الروس على الإيرانيين عن كثب، حيث عرفت موسكو أن للإيرانيين &مطامح إقليمية كبيرة تصل إلى حد إنشاء دولة عظمى، بدءا بالهيمنة على العراق وانتهاء بسوريا ولبنان، وقيادة تلك الدول عبر نشر ميليشيات وحرس ثوري، وعن طريق مجموعات باسيج، وهذا يعني قيام دولة فارسية عظمى، سيصبح لديها اكبر مخزون نفط وغاز على مستوى العالم، والدولة هذه ان &قامت سوف تهدد روسيا أكثر مما تهدد الغرب، سيما وان إيران نشطة جدا في الجمهوريات الإسلامية السوفياتية، لذلك فإن روسيا لن تقبل أن تكون أداة لقيام قوة فارسية عظمى في المنطقة.&

وحول تحقيق أهداف روسيا من التدخل العسكري، أوضح التواتي أن مصالح روسيا في إنشاء قاعدة على الساحل، ضمنتها لهم المعارضة السورية، وأكدت &احترامها، فضلا عن الالتزام بتسديد الديون، بالتالي لم يتبق أمام موسكو إلا أن تكسب الغالبية السورية، وتكسب الوسط السني، سواء في تركيا أو في البلاد العربية، فروسيا ليست مستعدة الآن في ظرفها الحالي لأن تفقد العالم الإسلامي، وهي المحاطة بدول الاتحاد السوفياتي السابق الإسلامية، وهي دول كبيرة، وبينها وبين روسيا مصالح حيوية، بل تسعي روسيا إلى إنشاء تحالف من نوع جديد معها، مما يخدم مصالح الجميع".

تابع "فروسيا لن تضحي بحسابات البيدر من اجل احد الحقول"، وأضاف التواتي "كما لا تنس&ان الكرملين أعطى تفويضًا محدودا لبوتين باستخدام القوات خارج روسيا، والكرملين كان سوف يرفض تمديد هذا التفويض، لما فيه المزيد من الإنفاق غير المجدي في اقتصاد متهالك، والمزيد من الضحايا لحماية نظام طائفي، سيما ان روسيا الجديدة بدأت تتحول اقتصاديا بشكل قوي وثابت لاقتصاديات السوق، وليست على استعداد للتضحية بكل ما حققته، من ما اجل مغامرات بوتين أو غيره".&