يشكّل الاستفتاء في بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، أزمة حكم تتجاوز البلد المعني لتشمل الدول الديمقراطية كافة، إذ انهارت الثقة بين المواطنين وزعاماتهم، بسبب عدم القدرة على تنفيذ الوعود المتخلدة بالذمة.


لندن: ما زالت تداعيات الاستفتاء البريطاني تتفاعل، حتى ان بريطانيا باتت اليوم عملياً بلا قيادة بعد اعلان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون استقالته وانقسام الحزبين الرئيسين، المحافظين والعمال، بسبب الصراعات الداخلية التي فجرها خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

ولكن محللين يرون ان هذه الانهيارات التي حدثت في غضون يومين من الاستفتاء ليست مشكلة بريطانية حصرا بل تعكس ازمة ثقة تعاني منها ديمقراطيات في انحاء العالم.

القى الاستفتاء البريطاني ضوءًا ساطعاً على آثار العولمة وقضية الهجرة الى جانب عقود من الوعود المضخمة التي قدمها القادة السياسيون لشعوبهم لكنهم فشلوا في تنفيذها.

واحدث هذا الانهيار في ثقة المواطنين ما يشكل أزمة حكم لا يبدو ان هناك حلا سهلا أو سريعا لها. &

وبعد ان طوَّح الاستفتاء برئيس الوزراء ديفيد كاميرون يهدد الآن مصير زعيم حزب العمال جريمي كوربن الذي استقال 24 عضوا في طاقمه خلال اليومين الماضيين.&

واستعرض وزير المالية البريطاني السابق الستير دارلنغ مظاهر الأزمة في بريطانيا بعد الاستفتاء حين قال في مقابلة مع بي بي سي "ليس هناك حكومة وليس هناك معارضة والأشخاص الذين أوقعوها في هذه الفوضى سقطوا. كيف وصلت بريطانيا الى هذا الوضع؟ نحن اتخذنا هذا القرار دون ان تكون لدينا خطة للمستقبل". &

ولكن البذور التي اوصلت بريطانيا الى هذا&الوضع موجودة في بلدان اخرى ايضا.

فمن بلجيكا الى البرازيل تواجه الديمقراطيات ازمة شرعية وفي اسبانيا وفرنسا يشهد القادة المنتخبون هبوط شعبيتهم الى الحضيض.

وحتى في اليابان ابدت حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي عجزا مستمرا عن تحقيق الازدهار الذي وعدت به اليابانيين.

وقال انتوني كنغ استاذ السياسة في جامعة ايسكس ان الطبقة السياسية تعاملت مع ازمة الثقة هذه بالطريقة المعهودة والأعذار القديمة وان هذا أحدث انفصاماً بين القادة السياسيين والمواطنين الاعتياديين.

واضاف كنغ "ان هذا يصح على الكثير من العالم الديمقراطي". &

وتهدد الأزمة في بريطانيا بالتفاقم على المدى القريب.

وقال مصدر بريطاني طلب عدم كشف اسمه لصحيفة واشنطن بوست "إذا كنتم تعتقدون ان السياسة عندكم في اميركا فوضى فاننا نستطيع ان نتفوق عليكم في أي وقت". &

واضاف المصدر انه لم يشهد قط وضعا مترديا مثل الوضع الذي تمر به بريطانيا اليوم.

ويقول محللون ان النظام السياسي البريطاني يواجه أشهرا إن لم تكن سنوات من انعدام الاستقرار.

وقررت الهيئة القيادية لحزب المحافظين يوم الاثنين التسريع بعملية انتخاب زعيم يخلف ديفيد كاميرون في قيادة الحزب داعية الى انتخابه بحلول 2 سبتمبر، قبل شهر على الموعد الذي كان متوقعاً.

ويتصدر عمدة لندن السابق بوريس جونسون المتنافسين على خلافة كاميرون لكن جونسون الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد الاوروبي شخصية خلافية ويواجه معارضة من داخل حزب المحافظين.

وفي حزب العمال اندلعت صراعات داخلية شديدة تهدد بقاء جريمي كوربن زعيماً للحزب. ويشهد الحزب انقساماً بين قواعده وكتلته البرلمانية.

وتهدد هذه الصراعات مستقبل حزب العمال بوصفه معارضة فاعلة في وقت بريطانيا بأمس الحاجة الى معارضة كهذه.

وقال البروفيسور تيم بايل استاذ العلوم السياسة في جامعة كوين ماري في لندن ان تقدم قضايا مثل الهجرة الى مركز الصدارة في الحياة السياسية مارس ضغوطاً على النظام الحزبي الذي انتظم منذ وقت طويل على اساس الفوارق الاقتصادية الناجمة عن الاعتماد على حرية السوق وليس تدخل الحكومة. بعبارة اخرى، هناك انفصام بين النظام الحزبي القائم والنظام الحزبي الذي نحتاجه". ولكن بايل استبعد ان تنال بريطانيا النظام الحزبي الذي تحتاجه في وقت قريب.

وسيكون على قادة الحكومة القادمة كنس الانقاض التي خلفها الاستفتاء وراءه. ولكن الذين قادوا حملة الخروج من الاتحاد الاوروبي ويُرجح ان يتسلموا مقاليد الحكم في الخريف سيواجهون تحدياً كبيرا يتمثل في تنفيذ الوعود التي اطلقوها قبل الاستفتاء.

ويُلاحظ انهم تراجعوا من الآن عن بعض هذه الوعود.

إعداد عبد الاله مجيد عن صحيفة واشنطن بوست على الرابط التالي.


&