فواز الشروقي

في مقابلته بجريدة الوطن العمانية سئل قاسم حداد عن الموقف الذي يجب على المثقف أن يتخذه حيال الثورات العربية، فردّ قائلاً: laquo;يجب على المثقف أن لا يستجيب لأي حركة احتجاجية أو ما يسمّى ثورة إذا لم تتقبله بأسئلته لا بتبعيته، وإذا لم يكن متأكداً وموقناً أنّ هذه الحركة سوف تنقلنا إلى الأمام لا إلى الخلف. فأغلب الثورات التي حصلت في المنطقة العربية في الفترة الأخيرة مرشحة لأن تقودنا إلى الخلف إذا لم تكن قد فعلتraquo;.
موقف قاسم حداد من الحركات الاحتجاجية في البلدان العربية عموماً وفي البحرين خصوصاً جرّ عليه وابل من اللوم وسيل من اتهامات التخوين، إلى درجة أنّ أحد العاملين في الصفحات الثقافية أعلنها صريحة قائلاً laquo;يا حضرة قاسم حداد إنّ ما يجري اليوم من محاكمة للمثقفين أنت تتحمّل وزرهraquo;.
ببساطة، كان قاسم حدّاد مؤمناً بأهمية الإصلاح والتطوير وملاحقة المفسدين ومحاسبة المقصّرين في أجهزة الدولة، ولكنّه كان ضدّ أن تختطف التيارات الدينية المتطرّفة هذه المطالب وتوجّهها وجهة طائفية رجعية، وهو ما أعلنه في بيانه الذي أصدره برفقة زميله أمين صالح في فبراير الماضي لإطلاع الجمهور على موقفهما من الاحتجاجات البحرينية حين قالا: laquo;أشد ما يقلقنا هو التوظيف الديني المتطرف والمتعصب الذي يجري التسابق به في مجمل المشهد، فنحن لا نرى في ذلك وسيلة أو حلاً أو أفقاً لمشكلات حياتناraquo;.
الموقف الذي أعلنه قاسم حداد بشأن الحركة الاحتجاجية في البحرين لم يصدره مناكفة منه للتيارات الدينية (الشيعية والسنّية) والتشكيك في مصداقيتها ووطنيتها، ولم يصدره إعجاباً بواقع الحال ووأداً لأي حركة تغيير، ولكنّه أصدره خوفاً من التراجع. فهو يتساءل إن كان في نيّة التيارات الدينية التي خرجت إلى الواجهة اليوم لقطف ثمار الاحتجاجات العربية أن تمنح المثقف مساحة من الحرّية لمساءلتها ولقيادة الحراك الثقافي في ظلّها نحو التقدّم والتطوير؟ أم هي ستتّخذ من اسمه ومنزلته معبراً لها للوصول إلى مبتغاها ثم تركنه هو وأقرانه المثقفين جانباً حين يستتب لها الأمر؟
في مقابلته، يعلن قاسم حداد أنّه ما كان يتعيّن عليه أن يُعجب بأي حركة احتجاجية لمجرّد أنها حركة احتجاجية. فما عاد للثورات بريقها الذي يخطف الأبصار ويغشى العيون عمّا تحت هذه الحركات من مشاريع طائفية وتفتيتية ورجعية يكون آخر همّها فتح فضاءات الحرّية أمام المثقفين ومشروعاتهم التنويرية.
ويؤكدّ قاسم حداد أنّ على المثقفين أن يوجّهوا أسئلتهم وآراءهم إلى هذه الحركات الاحتجاجية بقدر ما يوجّهونها إلى أنظمتهم القائمة، فليس كلّ حركة احتجاجية هي بالضرورة ستنقلنا إلى الوضع الأفضل والفضاء الأرحب، وليس بالضرورة أن يكون قادة الاحتجاجات أكثر نقاء وأشدّ التزاماً بالحرّية. فمثلما المثقفون يمتلكون الجرأة لتوجيه أسئلتهم تجاه الأنظمة القائمة يجب أن يمتلكوا الجرأة نفسها لتوجيه أسئلتهم لهذه الحركات الاحتجاجية وقادتها ومدى جدواها.
هذا ما يراه قاسم حداد، وهو ما ارتضاه لنفسه كمثقف وكشاعر، أن يكون في المقدّمة لا في الخلف، وأن يكون قائداً للمجتمع، آخذاً بيده نحو مزيد من الحرّية والتقدّم والتحضّر والعقلانية، لا مجرّد تابع لحركات احتجاجية وقودها الحماس المفرط من الشباب.
هذا هو ما ينبغي على المثقف أن يكونه. فالمثقفون هم ميزان المجتمع. ينتقدون الخطأ أينما وُجد، ويقفون مع الأصلح أينما كان، وحين يُثار غبار المعارك وتصعب الرؤية وتلتبس المواقف يكونون هم وحدهم الأكثر قدرة على التمييز بين الغثّ والسمين، وبين الأقرب إلى الصواب والأبعد عن الخطأ. ولا يمكن أن يتخلّوا عن صدقهم مع أنفسهم لأجل إرضاء الآخرين ولتلميع صورتهم أمام جموع الشباب المتحمسين لأي حركة احتجاجية.
نال قاسم حداد ما ناله من نقد واتهام وتخوين بسبب بيانه وموقفه المعلن من الحركات الاحتجاجية، ولكنّه ظلّ وفيّاً لما يؤمن به من أفكار ولما يعتنقه من مبادئ، حتى ولو كان ذلك على حساب أهواء شريحة من جماهيره ورغبات قرّائه، فالمثقف يجب أن يقود الجماهير لا أن تقوده الجماهير.