تتسارع الأحداث في دول عدَّة بالوطن العربي وعلى نحو دراماتيكي لافت؛ فمن تونس إلى مصر إلى البحرين وليبيا، فالعراق واليمن، والمغرب والجزائر، فسلطنة عُمان وليس بعيداً عن الأردن وسوريا ولبنان.

إنها ثورة الشعوب المظلومة على أنظمة حكم سياسية متمرسة بالقمع والتهميش والديكتاتورية والاستبداد والفساد والتجويع وحرمان شعوبها من خيرات بلدانها الطبيعية والبشرية.
وبينما أخذت بعض الأنظمة السياسية العربية الإسراع في إجراء إصلاحات للاقتراب من شعوبها كالسعودية والسَّلطنة العُمانية رغم اندلاع المواجهات فيها مؤخرا، حققت شعوب عدة أخرى انتصاراتها على أنظمتها الفاسدة كما جرى الحال في تونس ومصر، والحال الجاري في ليبيا وبعده اليمن، وربما القائمة تطول في بلدان عربية أخرى.

كان النظام التونسي على عهد بن علي قد لجأ إلى العنف المسلح لقمع المحتجين، لكن بن علي أدرك حدَّة الوضع فترك بلاده وهرب إلى خارجها بعد قال: quot;فهمتكواquot;.
وكان النظام المصري بقيادة محمد حسني مبارك، وأمام عدسات الآخرين، يتفانى في ضرب المحتجين بالهراوات، ودهسهم بالسيارات لقتل أبناء شعبه الذي حكمهم لسنوات طوال بسطوة المستبد الشغوف بالسلطة، والمخادع البلطجي اللعوب.

وكان ما جرى في البحرين مؤسفا عندما أقبلت القوات الأمنية على قتل عدد من المحتجين في quot;ساحة اللؤلؤةquot; وسط المنامة، وعند تشييع الشهداء الذين سقطوا جراء ذلك، لكن اقترب العاهل البحريني من مطالب المحتجين خفف من حدة الوضع في مملكته، والأمل، كل الأمل، أن يقترب أكثر صوب تحقيق العدالة والمساواة بين أبناء شعبه فيما يتعلق بالحقوق وفرص العيش الرغيد.

لعل العراق البلد الذي يحبل بما لا تحمد عقباه؛ فلم تعد المسألة مسألة محتجين فقط، إنما طال الأمر طبيعة أداء حكم الإسلاميين العراق اللذين فشلوا حتى الآن بدفع عجلة التنمية والإصلاح إلى الإمام لشعب وضع ثقته بهم لكنهم خيبوا كل آماله.

ربما نحج نوري المالكي في استمالة فقهاء الدين الكبار لاستصدار quot;فتاوىquot; تحض الناس على عدم المشاركة في احتجاجات quot;يوم الغضبquot;، واستمال مقتدى الصدر في هذا السياق، إلا أن ذلك كله لم يعد يجدي نفعاً في ظل عجز الرئاسات الثلاث عن تقديم أبسط الخدمات للشعب العراقي المظلوم، واحتقار حكومة نوري المالكي لأصحاب الكفاءة العلمية وتهميشهم داخل العراق وخارجه، وتماديه في سياسة quot;اليوم.. وغدا..quot; وquot;سياسة الوعود الكاذبةquot;، وسكوته عن المفسدين في أقرب الحلقات المحيطة بحكومته.

ما أروع الشعب الليبي الذي يكافح أعتى نظام ديكتاتوري في شمال أفريقيا يجتاح أزقة المدن بالطائرات والدبابات لقتل الناس فيها. لقد افتضح أمر القذافي أمام الملأ، وبانت حقيقته التي سكت عنها الشعب الليبي لعقود طويلة حتى قال قولته انتفاضا ضد سطوة هذا النظام الظالم.

سواء سقطت الأنظمة الديكتاتورية كما في تونس ومصر أو ما زالت كما هو الحال في اليمن وبعض البلدان الأخرى التي تشهد حراكاً احتجاجياً على أوضاع سيئة، فإن كل ما جرى في دول الوطن العربي ليمثل مرحلة جديدة لا مندوحة للأنظمة العربية الحاكمة من أن تنزل فيها إلى مستوى مطالب الشعوب العربية الجائعة والمهمشة عن ثروات بلدانها، والمضحوك عليها من قبل حكامها اللذين ما زالوا يفكِّرون بعقلية quot;جوِّع كلبك يتبعكquot; تلك العقلية الاستعمارية التي لم تعد تجدي نفعاً في عصر الشعوب الجديد الذي لا يريد تجويع أحد على حساب غيره.