على الرغم من النهاية المنتصرة الفخورة للحرب العالمية الثانية الا انه كانت حملت في دواخلها أوجه مخجلة أيضا شملت الحالة الطبية بشكل خاص. ففي آلمانيا النازية كان أطباء يعملون بشكل طوعي ودون أي شكوى مع النازيين. وأشهر هؤلاء الاطباء رجلا اسمه rdquo;جوزيف منجولاrdquo; وكان النازيون يخاطبونه بـ rdquo;ملك الموتrdquo; ولكنه في حقيقة الأمر كان rdquo;عفريت الموتrdquo; كما كانوا يسمونه الأسرى. وبعد هزيمة هتلر وآلمانيا النازية لاقى عددا منهم عقوبة اعمالهم والآخرون قد هربوا ومن لم يعتقل منهم خاض حتى نهاية عمره حياة معذبة.
واليوم وبعد مضي ما يقبرب من سبعين عاما على هذه الحرب ولكن مجمل الاعمال القمعية التي تُمارس في مستشفى أشرف المسماة بـ rdquo;مستشفى العراق الجديدrdquo; التي تسيطر عليها القوات العراقية ولجنة قمع أشرف.
فتوصل أي مراقب إلى نتيجة مفادها أن مسئولية هذه المستشفى ومديرها ليس الا ابادة مرضى أشرف.
إن الوفاة المؤلمة لمهدي فتحي من المقيمين في هذا المخيم الذي كان مصاب بمرض قابل للعلاج، ابرز نموذج لهذا النوع من التعذيب العائد إلى العصور الوسطى وانتهاك صارخ ووحشي لحقوق الانسان بحق المرضى الذين يعيشون تحت حصار كامل. وقد جرى تأخير وعرقلة لمعالجته وعرقلة لعملية ايصال الامدادات الطبية له من قبل المستشفى والقوات العراقية وكذلك منع اجراء العملية الجراحية له الى حد أوصلت مرضه إلى نقطة اللاعودة وفي نهاية المطاف واجه الموت على ايديهم. وبالطبع فإن هذه ورقة مجدية للجنة قمع أشرف التابعة لرئاسة الوزراء العراقية نتيجة وحصيلة لاعمالها الرائعة لكي تسلم مكافآتها.
وقبل أن تسيطر القوات العراقية على أشرف أي حتى بداية عام 2009 كانت تتوفر لاعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المقيمين في أشرف بمحافظة ديالى العراقية الامكانية الحرة في الحصول على الخدمات الطبية وبالرغم من أن حكومة نوري المالكي كانت قد منعتهم من الحصول على الخدمات الحكومية ولكن المقيمين كانوا يحلون مشاكلهم الصحية والطبية بالحصول على خدمات غير حكومية ولم يكونوا في أي وقت من الايام في حالة الأزمة الطبية التي يعيشها المخيم حاليا.
وقد بدأت المشاكل الطبية عندما قامت حكومة نوري المالكي بالمحاصرة الطبية الجائرة واللاإنسانية لأشرف وحرمت السكان من الحصول الميسر الحر على الخدمات الطبية وأحدثت مستشفى تُدعى مستشفى العراق الجديد في أشرف هدفها الخبيث والدنيء هو تحقيق الحصار الطبي على أشرف بشكل كامل وحرمان السكان من العلاج وعليه وبدلا من أن تكون مسشفى العراق الجديد في أشرف مكانا لمعالجة المرضى اصبحت مكانا للقمع والتعذيب.
ونذكر أنه وفور نقل حماية أشرف الى مسئولية القوات العراقية في بداية عام 2009 حيث أصبح أشرف تحت حصار شامل، قامت هذه القوات بتصعيد الضغوط في المجالات الطبية والدوائية ومنعت دخول الاطباء لمعالجة المرضى أو اجراء العمليات الجراحية لهم وأكدت أن هذه الخدمات الطبية يجب ان تكون في حوزتها مدعية أنها ستؤمن جميع الخدمات الطبية للسكان. ثم وضع اعضاء مجاهدي خلق في المخيم مبنى مجهزة بسرائر مع جميع المستلزمات اضافة الى غرفة عمليات جراحية بتجهيزات كاملة وجعلتها تحت تصرف المستشفى الذي من المفترض ان يتم تجهيزه وتأهيله من قبل الحكومة العراقية وقد تم تسجيل جميع ذلك في محضر اجتماع موقع من قبل الجانبين.
ومنذ ذلك اليوم بدأ التعذيب الطبي!! للمقيمين والحد الأدنى من هذا التعذيب كان الاهانات المستمرة للمرضى في المسشفى من قبل مديرها. ولم يكن عدد الاطباء المعدودين الذين كانوا يأتون بهم إلى المستشفى كافي لاجابة حاجات المقيمين وعندما كان الاطباء يصدرون الوصفات الطبية لم تكن هناك أية ادوية.. وحتى الحبوب المسكنة لم تكن متوفرة في صيدلية المستشفى. كما لم يكن يأتي الاطباء الاخصائيون إلى المستشفى إلا في حالات نادرة وكانت هناك حالات يؤكد فيها الاطباء الأخصائيين انفسهم على انه لا يمكن معالجة مريضها في أشرف ويجب أن يُنقل إلى مستشفيات أو مراكز طبية خارج المخيم في بغداد أو سائر المحافظات العراقية الأخرى. ولا نتحدث عن نقل المرضى إلى المسشفيات خارج المخيم.. ولهذا الامر حكاية أخرى مؤلمة أيضا. وهناك حالات عدة لمرضى يحتاجون إلى عملية جراحية بسيطة جدا أو عناية طبية بدائية ولكنهم منذ عام كامل ينتظرون دورهم ومدير المستشفى يمنع معالجتهم بحجج وعراقيل مختلفة وبأمر وتوجيه من لجنة قمع أشرف.
وهناك مرضى تستوجب حالتهم المرضية بأن يرقدوا في المستشفى بعد اجراء العملية الجراحية ولكن القوات العراقية التي تتولى المسئولية عن حمايتهم قامت بنقلهم قسريا فور انهاء العملية وقبل ان يستيعدوا وعيهم من التخدير. وكم من مريض تم ضربه عند دخوله المخيم بعد أن جرت له عملية جراحية واضطر الى النزول من السيارة بأرجله وكم من المرضى تم نقلهم في البرد أو في جو حار بسيارات غير صالحة لنقل المرضى إلى مسافات بعيدة وقامت هذه القوات باعادتهم إلى المخيم دون أن تجري أي اجراء بشأنهم وكم من مريض كان لديه موعد مسجل ومكتوب مسبقا لدى القوات العراقية لاجراء العملية الجراحية في مستشفيات بعقوبة أو بغداد أو سائر الأماكن وكانت المواعيد قد اُبلغت وتم تعميمها قبل فترة على عناصر القوات العراقية في المخيم لكي تؤمن فريق الحماية للمرضى ولكن القوات العراقية في لحظة الخروج من المخيم ابلغت المرضى بالغاء امر الذهاب إلى المستشفى في الوقت الذي كانوا قد صرفوا الادوية التي يجب صرفها وتهيأتها المريض قبل العملية ومعروف أن لعدم اجراء العملية الجراحية بعد صرف هذه الأدوية تداعيات خطيرة.
ولكن الأزمة قد اشتدت بشكل كبير بعد فترة. وحسب بيان أصدرته أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أنه وفي خطوة قمعية جديدة ومخالفة للانسانية وبأمر من لجنة قمع أشرف، يرفض المدير العراقي لمستشفى أشرف منذ اسابيع تسليم الادوية التي اشتراها سكان أشرف لانفسهم بأمر من لجنة قمع أشرف.
وكان حسب السياق المعمول به يتم توفير الأدوية بالتوافق معه وتوزيعها بواسطته على المرضى. وان عديدًا من المرضى بحاجة ماسة إلى الادوية التي تم الحصول عليها. وحسب البيان نفسه في 8 فبراير 2011 اعتقلت القوات العراقية وبأمر من لجنة ذاتها في مدخل أشرف سائق عراقي قام بايصال الادوية المشتراة حسب المعمول به اسبوعيا إلى أشرف. وكانت ومنذ عامين ومنذ ان باشرت القوات العراقية بإدارة هذه المستشفى كانت عملية نقل الادوية المشتراة تتم من قبل الشخص المذكور إلى أشرف ليتم تسليمها إلى مدير المسشفى، كما كانت تتم المصادقة على قائمة الادوية قبل شرائها من قبل مدير المستشفى نفسه.
إن الأمور المتعلقة بالمستشفى والمريض والخدمات الطبية وبسبب طابعها الإنساني لا يجب تجاهلها أبدا وخاصة عندما ننتبه الى أن المقيمين في هذا المخيم هم اشخاص محميون بموجب معاهدة جنيف الرابعة. إن الممارسات التي تجري في أشرف حاليا هي في عداد جرائم الحرب والجريمة ضد الانسانية وواجب اتخاذ الاجراءات اللازمة لملاحقة منفذي هذه الاعمال قضائيا في محاكم دولية.
كما لا يمكن في مقال واحد أن تُوضح وتتضح الجرائم التي اُرتُكِبت ولازالت مستمرة وسنكتب حول هذا الموضع في مقالات قادمة. ولكننا هنا نطلب من جميع المدافعين عن حقوق الإنسان لينتبهوا الى هذه الاجراءات العدائية واللاإنسانية ويولونها اهتماما خاصا ونلفت انتباه الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في العراق وسفير الولايات المتحدة وقائد القوات الأمريكية في العراق ونطالبهم بالتدخل الفوري لوضع حد لهذا الحصار الاجرامي.
* خبير ستراتيجي إيراني
التعليقات