يسهبُ الكرديّ، في تعداد مناقب ومنافع ونهضة كردستان العراق، ويستطرد في مدائحه حول quot;عبقريّةquot; وquot;عقلانيّةquot; وquot;واقعيّةquot; قيادة الإقليم الكردي، المتمثّلة في آل البارزاني وآل الطالباني، وبقيّة الحاشيّة، وحاشيّة الحاشيّة!. يتفنن الكرديُّ، في سبك وتدبيج المدائح، واضعاً الملح على الجرح، مقتنعاً، إن مداراة القبائح، واجب قومي ووطني، لئلا quot;يكتشفquot; الاعداء، ثغورنا والعيوب. يعتبر الكرديُّ، الصمت على المهازل، نوعاً من التحصين، وتعزيز الداخل في مواجهة أخطار الخارج!. وإذا أراد الحديث عن الفساد والاستبداد والقبليّة والعائليّة في السلوك السياسي الكردي العراقي، فيجب أن يكون المكان، داخل البيوتات الإعلاميّة الكرديّة المنغلقة، وليس في الإعلام العربي أو العالمي!.
يبرر الكرديُّ التفسّخ والانزلاق في الواقع السياسي الكردي العراقي، بأنه طبيعي، كونه من طبائع بدايات التجارب السياسيّة في الحكم والادارة، بعد خوض نضالٍ مرير!. يرى ويدرك ويعي الكردي أن الفساد في كردستان العراق، لم يعد يطاق، وينذر بانفجارات وشيكة، إلاّ أنه يعتبر ذلك طبيعيّاً، لكون الفساد يوجد في أرقى الديموقراطيّات!. ويكرر الكرديُّ وصفه لتجربة كردستان العراق بـquot;بالتجربة الديموقراطيّةquot;، علماً أن النسخة الأخيرة من مؤتمر الحزب الديموقراطي الكردستاني، كانت أسوأ من مؤتمرات حزب البعث في العراق وسورية، لجهة الانزلاق بالحزب من القبليّة إلى العائليّة. إذ لا يجد الكرديّ أيّ حرج أو غضاضة أو عيب في أن يكون رئيس الإقليم هو الرئيس الأبدي للحزب، وأن يقترح الرئيس، ابن أخيه، نائباً له، على المؤتمر. والأخير، يهلل لهذه الحكمة والعبقريّة في آليات تدوير المشاكل العائلة التي يتحلّى بها الزعيم، بجعله المحاصصة العائليّة في الحزب، مدخلاً للتأكيد على ألاّ خلاف بين الرئيس وابن أخيه، وألاّ خلاف بين الأخير وابن الرئيس، الذي كان وبقي رئيساً للمخابرات... وهكذا دواليك، على شاكلة الطغم الاستبداديّة. وبديهي أن يحدث ذلك في كردستان العراق، وأن يتفاقم أيضاً، لكون القيادة مرتاحة من قطيعيّة المجتمع، وخذلان النخب ونفاقها. النسخة الأخيرة من مؤتمر الاتحاد الوطني الكردستاني، هي أيضاً، لم تكون أفضل حالاً من مؤتمر الديموقراطي الكردستاني. فالزعيم المؤسس، باقٍ، إلى أن يقضي الله أمراً كان معفولا. وابن الزعيم، زعيم المستقبل. وحرم الزعيم، زعيمة... وهكذا دواليك. إلاّ أن ما ميّز مؤتمر الاتحاد عن مؤتمر الديموقراطي، أن منسوب القطيعيّة كان أخفض، لجهة وجود حالات من الرفض والشقاق، وقول: كفى!. وبالتالي، يعي الكرديّ أن الطبقة السياسيّة الحاكمة في العراق، بقضّها وقضيضها، وبأُسِّها وأساسها، هي فاسدة. لكن، يكرر: لا بديل!. والترويج لعدم وجود البديل، هي دوماً، بضاعة حاشية النظام الفاسد المستبدّ، وهوامشه الثقافيّة.
قتل سلطات كردستان العراق، للكرد بدمٍ بارد، في المظاهرة الأخيرة التي شهدتها السليمانيّة، ينمّ عن مدى الغطرسة والطغمة غير الآبهة بأحوال وأوضاع المواطنين. وعليه، سنرى من الكرد، من يبرر للقتلة فعلتهم، ويتهجّم على المتظاهرين المدنيين العزّل!. وسنرى من يتنطّع ليقول: كردستان العراق، ليست تونس ومصر!. والحقّ، أنه ليس من المبالغة القول: أنه من أطلق النار على المتظاهرين في السليمانيّة، هم أنفسهم من أطلقوا النار على زردشت عثمان، وينهبون أموال الشعب الكردي، ويقودون ويديرون الفساد والاستبداد في كردستان العراق.
إذا طرأ حدث مؤسف في لبنان أو مصر أو تونس أو فلسطين أو الهند أو جنوب أفريقيا...، فأنه يستتبع مواقف الشجب والادانة وردود الأفعال المستنكرة، صادرة من الدول والأطراف والشخصيّات، تطالب الجهة المسؤولة عن الحدث، بالتراجع عن هذه الفعلة. إلاّ أن حملات تنفيذ أحكام الإعدام بحقّ الشباب والمناضلين الكرد من قبل نظام الملالي، الثيوقراطي الحاكم في طهران، لا تهزّ في قيادة كردستان العراق، ولو شعرة!. وبل الأنكى، أن وزير الخارجيّة العراقي، الكردي؛ هوشيار زيباري، وكي يرضي إيران، يصف أحد أبرز فصائل المقاومة الكردستانيّة الإيرانيّة بـquot;الإرهابquot;، ومناضلي هذا الفصيل، يتأرحجون على أعواد مشانق نظام محمود أحمدي نجاد!.
من جهة أخرى، حملات الاعتقال التي قامت بها الحكومة التركيّة بحقّ نحو 2000 من قيادات وكوادر حزب السلام والديموقراطيّة، بينهم رؤساء بلديّات انتخبوا ديموقراطيّاً، ومنع الحكومة والمحاكم التركيّة، هؤلاء السجناء السياسيين من حق الدفاع عن النفس باللغة الأمّ، هذه أيضاً، لا تحرّك في قيادة كردستان العراق ساكناً!. وفي سورية أيضاً، ومنذ انتفاضة الثاني عشر من آذار سنة 2004، ولحدّ الآن، قُتِل أكثر من أربعين شاب كردي سوري، ضمن ظروف غامضة، أثناء أدائهم خدمة العلم والوطن في الجيش السوري، بالإضافة إلى حالة القمع والاعتقالات التي تطال النشطاء السياسيين والحقوقيين الكرد، ومنهم من هو موالي لتوجّهات قيادة كردستان العراق أيضاً، فضلاً عن حالة التجويع وانعدام التنمية في المناطق الكرديّة السوريّة، شمال البلاد،... كل ذلك، لم يدفع قيادة كردستان العراق إلى إبداء موقف شاجب لهذه الممارسات والسياسات القمعيّة بحقّ الكرد في سورية!. بمعنى، إذا كان ما يجري بحقّ كرد إيران وتركيا وسورية، على يد أنظمة هذه البلدان، لا يعني قيادة كردستان العراق في شيء، على أن الضحايا، هم أيضاً أكراد سياسيون ومناضلون، وبسطاء، فأقلّه أن تنظر إليهم، كبشر مضطهدين ومقموعين، كان كرد العراق، في يومٍ ما، مثلهم!. والمؤسف أكثر في الأمر، أن قيادة كردستان العراق، ترى حجم التعاطي، وحتّى التدخّل العربي، لحماية مصالح السنّة في العراق، وحجم التدخّل الإيراني لحماية مصالح الشيعة، والتدخّل التركي لحماية مصالح التركمان، ولا تبدي أي موقف حال القمع والظلم اللاحق بكرد سورية وتركيا وايران!. وإذا كان متعذّراً على قيادة كردستان العراق دعم وتأييد نضالات الكرد في البلدان الأخرى، لحجج ومبررات، يراها بعض الكرد مقنعة، فأقّله أن تبدي موقف مستنكر للحال المتدهورة لكرد ايران وتركيا وسورية، وألاّ تكون قيادة كردستان العراق، بصمتها المشبوه، مع سياسات هذه الانظمة ضدّ أكراد هذه البلدان!.
قبل أربعة أعوام، كتب صاحب هذه السطور مقالة، نشرتها جريدة quot;الحياةquot; بعنوان: quot;الفساد يهدد كردستان العراقquot;، وواجه الاعلامي في قناة quot;العربيّةquot; إيلي نكوزي، مسعود بارزاني بهذه المقالة، في برنامجه quot;بصراحةquot;، إلاّ أن رئيس الاقليم الكردي نفى وجود فساد في كردستان العراق!. وطالبني الكثير من كتّابنا، بخاصّة من الكرد السوريين، بالكفّ عن كتابة هكذا مقالات. ولكن أجراس الخطر التي قرعتها وقتئذ، ها هو الخطر، يجد تعبيراته الانفجاريّة الشعبيّة الساخطة، في كردستاننا العراقيّة!.
والجدير بالذكر هنا، أنه هنالك وهم وكذبة يرددها العرب والترك والفرس، مفاده؛ إن قيادة كردستان العراق، تحمي وتدعم الحركات السياسيّة الكرديّة في سورية وإيران وتركيا. على العكس تماماً، كل الحركات الكرديّة في هذه البلدان، دعمت النضال التحرري الكردي في العراق، وفي الوقت عينه، كانت تلك الحركات ضحيّة علاقات وسياسات قيادة كردستان العراق مع أنقرة ودمشق وطهران!. والتاريخ القريب، خير دليلٍ على ذلك. ولا داعي لسرد الأمثلة، منذ الستينات وحتّى الآن.
قصارى الكلام: التاريخ الكردي يقول: ليس للكرد إلاّ الكرد. ويقول أيضاً: لم يتلف نضال الكرد أحد غير الكرد. وبالتالي، كل الأوهام والأحلام التي علقّها ويعلّقها الكرديّ في سورية وتركيا وايران على كردستان العراق، هي quot;قبض الريحquot;. وكل الخرافات التي يدبّجها الكرديّ في سورية وتركيا وإيران عن كردستانه العراقيّة، لن تنفع في ستر العيوب وبل القبائح والجرائم السياسيّة في أداء قيادة كردستان العراق.
كاتب كردي سوري
التعليقات