اندلعت الثورة العربية السلمية في عام ألفين وأحد عشر. استخدمت فيها الشعوب المناضلة أدوات لاعنفية تفوق في فعاليتها الأسلحة التقليدية. ونتيجة لذلك حل الوئام في البر والبحر، فانقلبت محاور الكرة الأرضية. وباتت الكرة الأرضية تعيش صدمة عالمية. مضى الآن عشرون يوما على الأزمة ولم يبق على الجزيرة ndash;في ميدان التحرير-- سوى النزيهون. أتت الديكتاتوريات على معظم أجزاء العالم العربي ndash;والآن أخذت الأشجار والحشائش تنمو ثانية وأخذت الأسماك تملأ مياه البحر، وأخذت الكرامة والابتسامة تعود إلى العرب. لقد انتعشت الأرض وامتلأت بالحياة من جديد!

عدنان ولينا، عدنان ولينا، جمعتهما أماني، أماني حلوة، أماني إنسانية وديمقراطية..

هل تذكرون المقدمة في مسلسل عدنان ولينا الذي نشأت عليه أجيال منا منذ منتصف الثمانينات؟ لا يسعني إلا أن أتذكر أبطالي المفضلين وأنا أشاهد أحداث اللحظة.

بعد أن رأى عدنان ولينا ما حلّ بمصر قررا أن يتجها إلى أرض الأمل، لأن علاّم كان قد استولى على القلعة وجعل شعبها شيعا يسضعف بعضهم بعضا. حولهم إلى عبيد يعملون ليل نهار، إن رفع أحد منهم رأسه طبعوه بختمة حارقة على جبينه، أو اختفى في سراديب مظلمة تحت بنيان القلعة.

طلبت لينا من الجد رامي، مدير الطاقة الذرية، المعروف بالبرادعي أن يعود إلى مصر ويتجه معهم إلى أرض الأمل. تحدثت مع الطيور، ونادت على النورس (تيكي) وتوجت إلى كل العرب بالتخاطر العقلي، والتويتر والفيس بوك. طلبت من كل الأصدقاء أن يقفوا معهم في ساحة التحرير تصديا لعلاّم ومعاونته سميرة، رئيسة المخابرات. وعدنان كان يحمي لينا وصديقاتها، ويتصدى لكل الرصاص المتطاير، ويقف أمام الدبابات. ولينا كانت تجمع الناس في كل الاتجاهات. وأما سميرة، فقد كانت تنفذ الأوامر بدون تفكير، وكانت تركض نحو ساحة التحرير مع جنودها لتوقف الهجرة إلى أرض الأمل. وجيش نامق يراقب الوضع. فهو يحب عدنان ولينا، ولكن نامق ظلّ يفكر إن كان يريد أن يقف بشكل علني وواضح مع جنوده وبحّارته في وجه علام وسميرة؟ ولأنه كان يفكر بمصالحه. كان يحكّ رأسه، ينظر إلى جوربه المثقوب، ويطلب من (عزوز) أن يحضر الطعام. وكان يفكّر طويلا، ماذا يفعل. كان يلتف يمينا ويسارا، مرة إلى جهة عدنان ولينا، ومرة إلى جهة سميرة. سميرة، يا سميرة! كان يناديها، ولكن هي كانت لا تأبه لنداءه. وكان هو يتظاهر وكأنه يحرك الرجل الآلي لمساعدتها، في نفس الوقت الذي يغمز فيه باتجاه عدنان ولينا. ولكن عدنان ولينا كانا يعرفان أن نامق طيب القلب رغم تقلبات مزاجه. كانا يعرفان أن معدنه لطيف وإن كان لا يظهر دائما بمظهر الشخصية الرزينة النزيهة. ويعرفان أيضا أنه في النهاية نامق من المظلومين وسيقف مع المظلومين. ولكن سميرة كانت قد استدركت ضعفها رغم طائراتها ورجالها المتشابهين مثل النسخ المكررة، فاستعانت، للأسف، بنمرو وشبابه البلطجية، ليفزّعوا من على خيوليهم عدنان ولينا وكل الواقفين في ميدان التحرير، ولعلهم ينجحوا في تفريق الأصدقاء وخلق مشاجرة بين عدنان ولينا.

وأما عبسي فكان يقف حائرا، ويحاول أن يساعد ولكنه كان بعيدا في جزيرة أخرى، ظل يراقب الأوضاع طوال النهار وقسما من الليل أمام التلفزيون، كان يتابع الجزيرة وهيئة الإذاعة البريطانية ويذهب أحيانا إلى الانترنيت. كان ينسى أن يأكل أو يستحم. كان ينسى أن ينام. ومرات كثيرة كان يصيبه التوتر، فيخرج، ويركض بين الأشجار والصخور، وينظر إلى النجوم رافعا رأسه. كان يصرخ ويصرخ لعل الدنيا كلها تسمعه فتذهب لمساعدة عدنان ولينا.

لقد أتت الديكتاتوريات العربية على معظم أجزاء العالم العربي. فتحولت مدنها إلى زوايا معتمة يمشي فيها الناس مطأطئي الرؤوس، يتلاعب الغبار في حاراتها. حتى الغيوم هاجرت وقدمت لجوءا سياسيا عند الدول الخضراء. تحولت البلاد إلى اللون الرمادي بعد أن تسربت الألوان والعقول منها، حتى صار الإنسان العربي بلا قيمة في كل أنحاء العالم. ينظرون إليه كثيرا في أي مطار، ويفتشونه كثيرا، ثم يوقفونه كثيرا. وهذا أهون المّر، لأنه في وطنه يضربونه، يسجننوه، يجوعونه، ويغلقون فمه فلا طعام يستحق، ولا صوتا يخرج. هذا إن لم يكن مخفيا في زنزانة مكفوف العينين. كثير من الشباب بسبب الجهل والجوع والخوف يقبلون بهذا الوهم الضحم، يحسبون السراب فيه حقيقة، فينضوون تحت راية علاّم، ويخدمون سميرة وأجهزتها القمعية ضد إخوانهم وأخواتهم وآبائهم وجداتهم. ويلاحقون عدنان ولينا وأي حركة أو كلمة تصدر منهما. وهم في بحث متواصل عن الجد رامي وتحركاته. وطبعا سكان القلعة يضعون صور علاّم في كل مكان، مثل تعويذة الحجب التي يلبسها الناس خوفا من هجوم الأرواح الشريرة. لعل وعسى أن تساعد كل هذه الصور الملصقة حتى على قفى السيارات بإبعاد رجال سميرة وشكوكهم، حتى لو كان باب السيارة مخلوعا ومرآة السيارة مكسورة. ويكتبون في كل مكان quot;نحبك يا علاّمquot; ويقنعون أنفسهم بأمثال شعبية أكل عليها الدهر وشرب، ولكنها في نفس الوقت تعكس ما أدى إلى دمار القلعة أصلا مثلا quot;اعمل خيرا تلق شراquot;، وهي دعوة صريحة لعمل الشر والتوقف عن عمل الخير، أو quot;اليد التي تضربك بوسها وادعي عليها بالكسر،quot; أو quot;امشي الحيط بالحيط وقل يا رب الستر.quot;

وأين علماء الأمة؟ يجلسون في البرج العالي في القلعة. كل همهم البحث عن الطاقة، غائبين عن أنين الشعب ومعاناته. فهذه قصة العلماء والمثقفين. فهم إما تحت سيطرة علاّم، أو هاربين إلى بروج أخرى. وأحيانا يفرح أحدهم إن سلّمه علام وزارة.

ولكن شباب مصر أظهروا لنا التصدع الكبير في القلعة الحصينة. وفي وقفتهم الرائعة أظهروا لنا أن القلعة العربية الدكتوتارية كانت تغرق منذ زمن وأن النهاية قد حلّت، فإما ننجو سوية إلى أرض الأمل أو يغرق كل من يتمسك بالقلعة. حتى علاّم تهيأ أن يهرب في طائرته الضخمة (جمانة)، ولا يخطط بأن يأخذ أحدا معه من كل الذين أعانوه. وكل الذين أعانوه لو استطاعوا أن يمسكوه لفعلوا به ما كانوا يفعلوه بالآخرين، هذا لأنهم لم يتعلموا إلا فنون الغدر والخيانة. ولكن سميرة ذكية، فهي تقرر أن اللعبة انتهت وتعتذر للجميع، والناس بدورهم يعتذرون لها ويعترفون لها بما كانوا يكنون لها من حقد وكراهية. ويتأثر نامق كثيرا، فيعتذر للناس أيضا ويطلب يد سميرة للزواج، ويطلبان من الجميع أن يسمحوا لهما بأن يرحلا معهم إلى أرض الأمل، والناس يقبلون بهما على شرط أن يعيشا معهم تحت قانون يُنفذ على الجميع.

هذه الثورة السلمية الرائعة والتي ازدادت جمالا مع فجر كل يوم جديد صنعها الشبان فأعادوا الأمل لكل الأجيال، وهم الذين كشفوا لنا أصلا أن هناك جزيرة اسمها quot;أرض الأمل.quot; جزيرة يحب فيها الناس بعضهم، ويتعاونون على الخير، ويتكافلون فيما بينهم. جزيرة تطير فيها العصافير بدون خوف وتتفتح فيها الأزهار بكل الألوان والأطياف، جزيرة يشم فيها أهلها مع نسمات الفجر رائحة الخبز الطازج والقهوة السمراء. جزيرة يصنع فيها أهلها قراراتهم بالانتخاب والتصويت، ويعملون لكل صوت أهمية لأن كل فرد فيها له هيبته وكرامته. حتى الغيمة تشتهي أن تعود لأن مطرها سينزل على أشجار عادت إليها الحياة.

مرحى لكل عدنان مصري ولينا مصرية. مرحى للجد رامي، ولكل الجدات والآباء والأمهات. مرحى لكل إنسان مصري. الفخر لكم جميعا أيها الشعب المصري الكريم. كلنا معكم، وقلوبنا مؤلفة معكم. نحن ندعمكم جميعا ونعرف أننا كلنا سوية سنهاجر إلى أرض الأمل، إلى جزيرة العرب التي لا قلعة فيها، ولا علاّم ولا علماء غائبين، إلى أرض الأمل، إلى أرض المساواة والحرية، إلى اليوم الذي سنعيش فيه مع بعض في وئام ومع الطبيعة في سلام.