ثمان سنوات تفصل بين حدثين كبيرين مرا على الشرق الأوسط. الأول كان إحتلال العراق وسقوط طاغيته، فهو كان أشبه بزلزال هز المنطقة كلها ولازلنا إلى الآن نعيش تبعات هزاته الإرتدادية. أما الثاني فهو سقوط الدكتاتور مبارك، الذي كان جالسا ً على بركان كان يهدر والآن قد إنفجر بقوة ليلقيه بعيدا ً عن كرسيه في حدث سيتحدث التاريخ عنه لمئات السنين لما فيه من خصوصية لمصر والمنطقة والعالم. السؤال الذي أريد أن اطرحه هو مالفرق بين السقوطين، أي كيف تما، وما هي العبرة بالنسبة للعرب في الفرق بينهما؟
في البدأ، لاأريد أن اقارن بين النظامين ولابين الشخصين. فكلنا يعرف، وبالخصوص الذين عاشوا في العراق تحت حكم النظام السابق، أن النظام المصري السابق نظام دكتاتوري فاشل ورئيسه دكتاتور هاوي بالمقارنة بالنظام العراقي السابق الذي كان نظام إجرامي دموي يقوده دكتاتور مقامر محترف. إن النظام المصري السابق لم يكن إلا شركة رئيسها متزمت برئيه يسرق أموالها هو و حاشيته ويريد من موظفيها أن يكونوا عبيدا ً بقطع الأرزاق أو بالقوة من خلال الأمن. أما النظام العراقي فقد كان مؤسسة إرهابية رئيسها مهووس بحب السلطة والتسلط وإذلال الآخرين، وهو يريد الكل أذلاء بما فيهم حاشيته وأتباعه. أما ضروف البلدين فتختلف إختلافا ً كبيرا ً لكي نقول مالفرق بين الوضعين. فالعراق تعرض إلا ثلاث حروب مدمرة أنهكت اقتصاده، وحصار إقتصادي إنهارت على أثره منظومة القيم الاجتماعية. فالشعب العراقي تعرض للتهجير، منذ تهجيراليهود والفيلين خارج العراق، وإلى حملة للإغتيالات والتصفية للمعارضة السياسية، ولم تنتهي إلا بمقابر جماعية حصيلة قمع وأنفال وكيمياوي. فلم يكن في العراق حزب معارض واحد داخل البلد ولافيس بوك أو حتى تلفون موبايل. ولم تكن هناك فضائيات تدعم الشعب العراقي فضلا ً عن أن الكثير من الأنظمة العربية وفضائياتها كانت تعمل وتروج للنظام العراقي حتى بعد سقوطه لتحول القاتل الظالم لشعبه إلى شهيد سعيد بحركة سحرية خفيفة.
إذن، من الخطأ أن نقارن بين بلدين لكل ضروفه، ولكن من حقنا أن نتأمل كعرب الفرق بين السقوطين وما نتائجهما. إن السقوط الأول، وهو سقوط النظام العراقي السابق، كان سقوطا ً مدمرا ً للعراق والمنطقة بإجمعها وذلك لأنه كان من خلال إحتلال لم يرده العراقيون ولم يسعوا لأجله. فكم تمنى العراقيون لو كان النظام العراقي قد سقط بأيديهم وليس من خلال إحتلال من بلد أجنبي. بالتاكيد أن المنطقة صارت أفضل بعد رحيل النظام العراقي السابق، لكن الحرب أدت إلى الفرقة بين العراقيين مما أدخلهم في نزاع مسلح دموي كاد أن يودي بالبلاد إلى حرب أهلية. أما من مساوئ الإحتلال فهو عدد الضحايا والمتضررين، وليس إنتهاء ً بسقوط النظام فحسب بل بسقوط الدولة العراقية بمؤسساتها والذي أعادها إلى عهد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في ثلاثينيات القرن الماضي. لقد كان الإحتلال حدثا ً مأساويا ً بكل المقاييس.
أما سقوط النظام المصري السابق فقد كان بدون خسائر كبيرة، ولم يسقط الدولة التي ضلت قائمة بهياكلها بالرغم من السرقات التي حصلت. أما الشيئ المهم والحدث الأبرز في هذه الثورة فهي قد وحدت الشعب المصري بأجمعه وذلك بعدما خرج أكثر من عشرين مليون مصري وفي جميع أنحاء مصر ليقولوا لمبارك كفى. فقد أصبحت الثورة المصرية نقطة بدأ مباركة وتاريخ مميز يفتخر به المصريون والعرب والأحرار في كل مكان.
إنطلاقا ً من هنا، لابد لاباقي الدكتاتوريات في المنطقة أن تفكر جيدا ً بالنموذجين السابقين، مع حساب أن النموذج التونسي يشبه إلى حد كبير النموذج المصري. فالفرق بين النموذجين هو أن سقوط النظام العراقي السابق بهذه الطريقة كان كارثة للعراق والمنطقة. وياليت كانت الدول العربية قد سهلت سقوط النظام العراقي من خلال إيواء المعارضة، ماعدا سوريا التي أوت جزء من المعارضة، أو من خلال الأعلام لكن النفس الطائفي والقومي ساعد على جعل العراق والشعب العراقي ضحية للنظام ودول المنطقة. وكم تمنينا كعراقيين أن يسقط النظام السابق بسواعدنا لتكون فرحة، لكن الأقدار قدرت أن تكون فرحة تشوبها عبرة خلفها إحتلال بغيض. أما سقوط الدكتاتور حسني ونظامه ماكان إلا فرحة لم يشبها حزن أو ألم على رحيله. بل هي فاتحة خير للجميع. فعلى الأنظمة العربية البدأ بالإصلاحات من خلال نقل السلطة إلى شعوبها وذلك بتركيز قيم الديمقراطية وهو افضل من الإختيار بين النموذجين السابقين. فالشعور بالمسؤولية تجاه الشعب واجب أخلاقي قبل أن يكون واجب وطني، وما التمسك بالسلطة إلا معول يهدم أركان البلد وخيانة تجلب العار على من يريد أن يسجل له التاريخ نقطة بيضاء في سجله. إما السقوط بكلا الطريقتين فهو حدث مدمر ومخاطرة يتجنب الحكماء الوقوع بها.
التعليقات