أخيراً يمكننا وصف حسني مبارك بالرئيس السابق. تحية للشهداء الذين بذلوا حياتهم ثمناً للحرية. وشكراً للشباب الرائع الذي انتصر على النظام الفاسد ورفض أن تقدوه أو تخترقه جماعات بعينها حاولت استغلال الثورة لتحقيق أهدافها.

أظن أن مبارك في هذا اللحظة يندم على الكثير مما فعل والكثير جداً مما لم يفعل. أظنه كان يتمنى لو أعطى المصريين حقوقهم وحرياتهم. أظنه يندم على قبوله بأصدقاء السوء الذين حولوه من رجل عصامي رافض للسلطة إلى طامع في السلطة والمال والجاه. أظنه كان يتمنى لو أنه لم يعدل الدستور ليمنحه فترات لا محدودة من الحكم. أظنه كان يتمنى لو أن عمره ما امتد للثانية والثمانين. بل لا أبالغ أن مبارك ربما يتمنى لو أن إحدى محاولات الاغتيال التي تعرض لها نجحت حتى يتجنب الطريقة التي خرج بها من السلطة. لم يعد التمنى يفيد. كان وراء تمسك مبارك بالسلطة في الأسبوعين الماضيين سعيه الحثيث لإكمال مدته الرئاسية حتى يتذكره التاريخ بالخير لا بأنه الرئيس الذي خلعه شعبه.

لست أنكر أن لمبارك بعض المحاسن التي يأتي على رأسها عدم دخول مصر في حروب جديدة، فباستثناء محمد نجيب الذي لم يستمر طويلاً، كان مبارك الرئيس الوحيد الذي لم يخض حروباً رغم استمراره في السلطة ثلاثة عقود. كما يحسب لمبارك تمتعه بقدر كبير من ضبط النفس، ولعل المثل الأبرز لذلك شهدناه بعد محاولة اغتياله في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا عام 1995. كان يمكن لمبارك عندئذ أن يشن حرباً على السودان التي كانت تأوي الإرهابيين الذين نفذوا المحاولة، ولكن مبارك آثر التعامل مع الأمر بحكمة ورفض التعامل عسكرياً مع نظام دولة عربية.

مصر الغد ليست مثل مصر الأمس. هذا ما نأمله. الحلم الذي طالما تمنيناه ليس فقط رحيل مبارك ولكن أيضاً الحرية والديمقراطية والمساواة والعدل والتنمية والدولة المدنية. وأي نظام لا يحقق حلم المصريين لن يكتب له النجاح وسيكون مصيره نفس مصير نظام مبارك. مصر تولد من جديد اليوم وتواجهها تحديات جمة داخلياً وخارجياً. مصر بحاجة لأدوات جديدة تماماً خاصة فيما يتعلق بالدستور والقضاء والأمن وغيرها. لا يجب أن يتم البناء على الأدوات السابقة المهلهلة التي خلفها النظام السابق.

من المهم أن تكون مصر مدنية يحكمها دستور مدني. يجب أن ألا يرتدي الدستور زياً دينياً حتى تكون مصر للجميع. سيكون من حق المصريين انتخاب ممثليهم بحرية تامة للمرة الأولى منذ عقود طويلة. وسيكون من حق كل المصريين الترشيح للبرلمان والرئاسة. سيكون من حق جماعات الإسلام السياسي ومنها الإخوان المسلمين الترشح في الانتخابات. وكم أتمنى أن يعي المصريون خطورة الدولة الدينية على مستقبل مصر. أرجو ألا يأتي المصريون بجماعات دينية لقيادة مصر في المرحلة القادمة. أرجو أن يتعلم المصريون من أخطاء الأخرين الذين انتخبوا ديمقراطياً نظماً دينية سرعان ما انقلبت على الشعوب وعلى الديمقراطية. نحن نريد للديمقراطية أن تستمر وتدوم. لا نريد نظماً تمتطي الديمقراطية لتحقيق أهدافها.

من المهم أن يسود التسامح الشارع المصري. كان هناك مؤيدون حقيقيون للرئيس السابق حسني مبارك حتى وإن كانوا قليلين. لم يكن كل من أيد النظام فاسدون أو مستفيدون أو انتهازيون، ولكن كان هناك شرفاء اقتنعوا بمبارك واحترموا ما قدمه لمصر عسكرياً ومدنياً. يجب احترام كل وجهات النظر المؤيدة والمعارضة للثورة. وأرجو ألا يتكرر ما حدث في ميدان التحرير من رفض لكل من لم يشارك في الثورة. فالرأي والرأي الأخر يجب أن يحترما.

من المهم أن تحترم مصر الاتفاقات الدولية التي وقعتها الأنظمة السابقة ومنها اتفاقية السلام مع إسرائيل التي ستحمي مصر من حروب مخاطر لا حدود لها. إمكانات مصر يجب أن تكرس للتنمية لا للحروب. ويجب على النظام الجديد أي يعطي قضية المياة التي أهملها النظام المخلوع أهمية كبيرة. مصر مهددة بفقدان مصدرها الوحيد للمياة. لقد وقعت دول وادي النيل اتفاقية لإعادة توزيع مياة نهر النيل وهي الاتفاقية التي تخفض كثيراً حصة مصر من المياة.

من المهم أن ينأى النظام المصري الجديد بنفسه عن رجال النظام الفاسد السابق. قليلون جداً وبل ونادرون هم من يصلحون للعمل في النظام الجديد. يجب عدم الاعتماد على أي من رموز النظام السابق وبخاصة رجال الحزب الوطني. ويجب أيضاً استبعاد رجال الإعلام الرسمي الحاليين الذين لم يعد يثق بهم المصريون لأنهم كرسوا إذاعاتهم وشاشاتهم وصحفهم لتمجيد النظام رموزه. ولم تكن تمثيلية الانفتاح الذي أبدته وسائل الإعلام في الأسبوع الأخير إلا عملاً فجاً أوضح حجم مأساة الإعلام الرسمي في مصر.

من المهم أن يتم تقديم رموز الفساد في النظام السابق للمحاكمة. ويجب المضي قدماً في التحقيق مع المسئولين عن أحداث التخريب التي وقعت الثامن والعشرين من يناير. يجب التحقيق مع المسئولين عن تهريب ألاف المساجين من السجون. يجب عدم التسامح مع كل من تسبب في ترويع المصريين كل من روعوا المصريين. كما يجب ألا ينسى المسئولون في غمرة الأحداث التحقيق في الجرائم التي حدثت خلال فترة حكم مبارك ومنها الأحداث الطائفية وعلى رأسها مذبحة الإسكندرية.

مصر التي ولدت اليوم يجب أن تكون حرة، ديمقراطية، مدنية، تحترم حقوق الإنسان وتقدر أبناءها. كل ما نتمناه لمصر ما بعد مبارك أن تعود إلى موقعها الذي كانت عليه رائدة في منطقتها ومنارة في عالمها. وأرجو أن تحترم دول العالم خصوصية مصر وخصوصية الشعب المصري. أطيب التهاني القلبية للمصريين. وأرجو أن تنتقل عدوى الحرية للدول المحيطة. فما أروعها الحرية... ما أروعها...

[email protected]