سواء استقلتَ لأسباب صحية أو سياسية، فإنّ استقالتك في هذا الوقت أمر حسن يُحسب لك بأيّ حال. ونأمل أن يُعيد إلى رصيدك بعض ما فقدتَ من رأس مال رمزي. لقد كانت خطيئة عمرك أنك ركبت السفينة الغارقة مع قرصانها المتهاوي في لحظة تاريخية لا تَحتمِل : لحظة تشخب فيها دماء شعبك نوافيرَ بفعل قنّاصة الديكتاتور المجرم.
هو قرار شجاع لا شكّ. لكنه بمنطق وراديكالية الثورة يظلّ ناقصاً، ما لم تُلحقه باعتذار علني لشعبك ولمثقفيه وللثقافة التنويرية، أولاً وأخيراً. فالكل يعلم أنك كنت مريضاً بالسكّر، وتعاني من مشاكل في القدمين، قبل أن تتولّى الوزارة. فما الذي حدث حتى تقبل بتولّيها؟ وما الذي حدث حتى تعلن استقالتك منها؟ لا شك أنك تعرف أننا نعرف الأسباب الحقيقية لهذه الاستقالة. وهي الهروب من عار ما اقترفتْ يداك، بعد كل ما لاقيته من استهجان واستنكار. فلماذا لا تقف وتقول أسبابك على الملأ، دون مواربة، كما يليق بمثقف حقيقي؟
لا تكفي الاستقالة، بل يجب على مثقف مثلك، أن ينتقل سريعاً ليقف مع الجانب الآخر من المعادلة : مع الشعب والثورة.
حينها سنغفر لك يا جابر عصفور، وسنسامحك على فضيحة عمرك. أما الاختباء خلف عذر الأسباب الصحية، والاكتفاء به، فإن هو إلا هروب للأمام، واستنكاف جبان عن مواجهة استحقاقات هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا وعمرنا وأحلامنا وآمالنا التي لطالما ناديتَ بها في كل كتبك.

لقد قطعت باستقالتك من وزارة العار، نصف الطريق. وعليك إكمال النصف الثاني بالاعتذار لدماء الشهداء، والالتحاق بركب الثورة.