عالمنا العربي مسيس بطريقة بلطجية بحته. حيث كنا نعتقد أن أي دكتاتور مهما كان استبداديا يملك عقلا وحكمة وانتماء وطنيا يجعله في اللحظة المناسبة للاستقالة يودع الكرسي حرصا على مستقبل شعبه. وصدمتنا في بلطجية السياسة الداخلية للأنظمة العربية بحجم صدمتنا في بلطجة السياسة الغربية التي تتباكى برؤسائها وبرلماناتها وإعلامها على إمرأة إيرانية جاسوسة تم اعتقالها في إيران ولا يهمها مئات العرب الذين قتلتهم قوات الأمن في تونس ومصر!

البلطجة الحقيقية هي ذلك النفاق المخجل وتلك التصريحات المتناقضة التي نسمعها من وقت لآخر من عاصمة غربية هنا وعاصمة غربية أخرى هناك تتم بالتوازن مع حركة المظاهرات في ميدان التحرير بالقاهرة وترتفع وتيرتها وتقل حسب حجم المظاهرة وقوتها ومدى استمراريتها وتأثيرها لتغيير الواقع السياسي العربي المهتري، الذي فاجأ السياسة الغربية في ضعفه وهشاشته وعدم قدرته على البقاء على الأقل حتى يتم ترتيب الأمور بما يضمن للسياسة الغربية أن تجد بلطجيا يقهر الشعب ويذله ويجوعه ويمنعه من التطور والتحرر من كل قيد يمنعه أن يمارس حياته كإنسان حر يستطيع أن يقرر مصير حياته ومستقبله دون خوف من سلطة او بلطجة.

في الدولة البلطجية يجب أن تتغير الأسماء و المسميات ليصبح اسم الدولة مثلا: جمهورية البلطجة الاستبدادية، أو جمهورية عصابة البلطجية، ويدعى رئيس دولة البلطجة بفخامة الرئيس البلطجي رئيس دولة عصابة البلطجية.

وحينما يدعو قاضي دولة البلطجة إلى افتتاح المحاكمة عليه أن يقول: بلطجة.. أي محكمة. ويتم تغيير مسميات الرتب العسكرية لتصبح: جندي بلطجي ولواء بلطجي.. الخ.
وعندما تعزف فرقة الموسيقى السلام البلطجي ينشد البلطجية قائلين:
بلطجة... نحن أبطال البلطجة
كلنا.. لصوص
ونحمل الفوؤس
ضد أبناء الوطن..
نطأطئ الرؤوس
أمام أعداء الوطن..
بلطجة.. بلطجة.. بلطجة
وهكذا تسمى كل المسميات والأسماء قياسا على مسمى دولة البلطجة.

القرن الواحد والعشرين: سوف يكون الفاصل بين انتهاء زمن البلطجة السياسية وبين زمن الإرادة السياسية الحرة بعد أن زاد وعي الشعوب بفضل ثورة تكنولوجيا الاتصالات و الانترنت التي جعلت من العالم قرية صغيرة وشعبا واحدا ضد عالم البلطجة السياسية والبلطجيين الذين يقمعون الشعوب ويصادرون حرياتهم. ومن يلاحظ الارتباك الذي يفضح ملامح القوى السياسية الغربية والهلع الذي يسيطر على مشاعر السياسيين العرب يدرك أن عالما جديدا يتشكل رغما عن أنوف البلطجيين السياسيين الغربيين والعرب، وان قدرة الشعوب وإرادتها أصبحت أقوى من كل تسلط تقف وراءه قوة عظمى او تابعة في عصر يقهر الظلام بنوره، وينتصر على الظلم والظالمين بصبر الانسان المتلهف لمعانقة الحرية وبعزيمته وإصراره على كسر القيود وفضح المتآمرين على كرامة الانسان وحريته وعزته.

الحاكم البلطجي: هو كل من يمارس سياسة غرس الفتنة والكراهية بين أفراد شعبه مستغلا تباينا في الدين او العرق او اللون او الفكر او الطائفة، حين يلعب بسياسة البلطجة القديمة: فرق تسد، في زمن أصبح الانسان لايعير اهتماما للفوارق ويحترم الاختلاف برغم ما تمارسه أجهزة الدولة البلطجية من غرس لشعور الكراهية عبر كل ما تسيطر عليه من مؤسسات ومنابر علمية وفكرية وإعلامية.

ولكي يستطيع الانسان التمييز بين الدولة البلطجية وغير البلطجية، عليه أن يتمعن في خطابها إن كان عنصريا او طائفيا وليس له غير لون واحد واتجاه واحد وفكر واحد مقسرا على ماعداه وكارها لكل مخالف له وقامعا لكل صوت لايكون صدى لصوت الحاكم البلطجي.
في الدولة البلطجية: الحاكم بلطجي، والقاضي بلطجي، والضابط بلطجي، والمعلم بلطجي. ورجل الدين المزيف مشرع لكل الأعمال البلطجية.
الرجل في عصر الدولة البلطجية: يفقد كرامته ورجولته ويحتفظ بخشونة، والمرأة تفقد أنوثتها وعطرها وجمالها وتتحول إلى كومة من القبح والتبلد، حتى الطفل يكون بلطجيا ويفقد كل ملامح البراءة!

لكننا ونحن نشهد بداية زوال الزمن البلطجي نستلهم من قصيدة الشاعر المصري حافظ إبراهيم أبياتا يستأهل هذا الانسان المصري الجديد أن نستحضرها وهو يعيد للحياة رونقها وللتاريخ عبقه وللحرية مجدها:
وقف الخلق ينظرون جميعا
كيف أبني قواعد المجد وحدي
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
إن مجدي في الأوليات عريق
من له مثل أولياتي ومجدي
أنا إن قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
إنني حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وقطعت قيدي
قد وعدت العلا بكل أبي
من رجالي فانجزوا اليوم وعدي
وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق
فالعلم وحده ليس يجدي
نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء
فيه وثمرة الرأي تردى
فقفوا فيه وقفة حزم
وارسوا جانبيه بعزمه المستعد

[email protected]