بعد أسابيع من البركان التونسي الذي أشعله التونسي الأخير محمد البوعزيزي في quot;جمعة النارquot; الموافق ل17 يناير الماضي، انتقل الفايروس التونسي، منذ إسبوع، إلى مصر أم الدنيا. أنها مصر الشعب؛ كل الشعب الذي يقول نفسه بنفسه. ما يقوله الشعب المصري الآن، من أقصاه إلى أقصاه، بكل شرائحه وأطيافه ومكوناته، هو كلّ الكلام، أو كل الممكن من الكلام في القادم من السياسة، وما حواليها من فنونٍ في تحقيق الممكن. أنه كلام جديد، في نظامٍ قديمٍ ليس له إلا أن يرحل. إعلان الجيش الأخير عن انحيازه الواضح لمطاليب الشعب المشروعة، ووقوفه الصريح إلى جانبه،واعداً إياه بألاّ يستخدم القوة ضده، طمأن المصريين المنتفضين على طول مصر وعرضها، بأن الجيش والشعب واحد، لمصر واحدة، ستحدث عمّا قريب. مصرُ، مصرّة إذن، على رحيل مبارك بquot;التي هي أحسنquot;، ولن تتراجع إلى ما قبل جمعة الغضب، سواء مع الجيش أو بدونه. مقارنةً مع الدرس التونسي، يبدو الغرب أكثر وضوحاً مع الدرس المصري. هناك أكثر من عامل دولي وإقليمي، يدفع أميركا وأوروبا إلى quot;الوضوح الضروريquot;، مع ما يحدث في مصر الآن، للإطمئنان على القادم منها. فالغرب الذي فشل طيلة عقودٍ طويلةٍ خلت، في quot;تصديرquot; الديمقراطية لديكتاتوريات العالم العربي، وعلى رأسها ديكتاتورية حسني مبارك، يخشى من quot;النهاية المفجعةquot; في مصر لعوامل عدة، لعل أهمها الجيرة مع إسرائيل، وقناة السويس، بإعتبارها أحد أهم الممرات العالمية المائية، إذ تعبرها سنوياً حوالي 18 ألف سفينة تنقل على متنها أكثر من 90 مليار طن، ما يمثل حوالي 6% من حجم التجارة العالمية. مصر تحذو الآن حذو تونس، ويسير المصريون مسيرة التونسيين أنفسهم. quot;الفايروسquot; التونسي السريع الإنتشار، الذي ينخر الآن في جسد الديكتاتوريات العربية، والذي أسقط زين العابدين، بالأمس القريب جداً، في تونس الخضراء، سيسقط النظام العربي المنتهي صلاحيته، من المحيط إلى الخليج. لا حياة بعد تونس المحترمة، لنظامٍ عربيٍّ لا يحترم إرادة شعبه. quot;الدرس انتهى يا حضرة الديكتاتورquot;، كما يقول الشارع المصري الآن. درس الشعب للحاكم، عربياً، قد بدأ في تونس، لكنه لم ولن ينتهي بها وفيها.
ما يجري في مصر الآن، من غضبٍ جماهيري عارمٍ، هو ثورة حقيقية من مصر إلى مصر، لم يشهدها تاريخ الجمهورية المصرية، منذ تولي الرئيس المصري حسني مبارك السلطة، قبل ثلاثين عاماً.
أنه، بإختصار، كلامٌ عن كل الممكن، في كل مصر الممكنة بملايينها الثمانين.
أنه كلامٌ واحدٌ وموحد يمكن اختصاره، في هدف واحد: quot;لا مبارك لا سليمان، الكلام ده كان زمانquot;!
مصر حسني مبارك ونظامه كان زمان..quot;لسه فاكر كان زمانquot;، كما تقول كوكب الشرق أم كلثوم في واحدةٍ من أشهر وأروع أغنياتها.
أنه خطابٌ مصري جديد، انتقل من السر إلى العلن، ومن وراء الجدارن إلى الساحات والشوراع، ومن الكبت إلى الصراخ، ومن الشعر إلى الشعار.
أنه خطابٌ، على ما يبدو، لا تراجع فيه: إما الشعب أو الشعب: شعبٌ لمصر، ومصر لشعب.
البيان الصادر بإسم القوات المسلحة المصرية، هو على ما يبدو، رسالة واضحة، تشير إلى قرب مصر والمصريين من ساعة الحسم، أي ساعة سقوط النظام وصعود الشعب، و العبور السلمي الوشيك جداً، إلى quot;حكومة انتقاليةquot; أو quot;حكومة إنقاذ وطنيquot; وشيكة.
الشعب المصري، سائرٌ على طريق مصر جديدة، قادمة لا محال. هكذا تقول مصر الآن، في الأقل، وهكذا يقول المصريون، quot;مصرهم الغاضبةquot;، في كلّ ناحيةٍ من أنحائها.
أميركا انحازت إلى quot;ضرورة انفتاح النظام على المعارضة والتعامل السلمي مع التظاهرات الشعبيةquot;.
الإتحاد الأوروبي طالب النظام المصري رسمياً، إلى quot;الإستجابة لمطاليب الشعبquot;.
بعض الحكومات الغربية، كالحكومة البريطانية، حذّرت النظام المصري من مغبة قمع المظاهرات، أو ممّا سماها رئيس وزراءها ديفيد كاميرون بquot;النهاية المفجعةquot;.
الزعماء الغربيون لايحددون من سيحكم القادم من البلاد، على حدّ قول كاميرون، ولكنهم يعبرون عن موقفهم الواضح من الإنحياز لمطاليب الثورة المصرية، التي يقودها الشعب الآن في كل أنحاء البلاد.
ولا ندري إن كان سيحذو مبارك حذو زين العابدين بن علي، ويتجه وجهته، أم سيختار مصيراً آخر، ووجهةً أخرى.
الكلُ الديكتاتور الذي يختزل الشعب والوطن في قائدٍ واحدٍ أوحد، يعلو ولا يُعلى عليه، سيسقط. هكذا قالت تونس وفعلت، وهكذا تقول مصر الآن وتفعل، والحبل في سوريا الوشيكة، والجزائر القادمة، واليمن القادم الذي ما عاد سعيداً، وسواها من الديكتاتوريات المجاورة، القريبة أو البعيدة، هو على الجرّار.
لا حياة للديكتاتورية، بعد أن صرخت تونس عالياً: لا للديكتاتور.
لا حياة للديكتاتوريات العربية، بعد الهروب الأخير لديكتاتور تونس الأخير.
درس مبارك لمصر والمصريين انتهى.
درس حزبه الوطني الديمقراطي، في التربية الوطنية والديمقراطية، قد انتهى.
درس التوريث وquot;البلطجة السياسيةquot; والتجويع والتفقير والترغيب والترعيب والترهيب في مصر، قد انتهى.
انتهى الدرس القديم، الذي لم يعلّم المصريين طيلة ثلاثين سنةٍ من الإلتفاف على مصر وشعبها،، سوى أخبار الرئيس، وقيام وقعود حزب الرئيس، وفرضيات وسيناريوهات توريث إبن الرئيس.
درس quot;الرئيس مدى الحياةquot; قد انتهى من دون رجعة.
درس الأسد وبعثه، لسوريا والسوريين، منذ حوالي أربعة قرونٍ من الحكم العائلي، سينتهي.
أنتهى درس حضرة الديكتاتور.
نقطة..أول السطر.
درس الشارع للحكومة، من المحيط إلى الخليج، قد بدأ.
أنه الدرس العربي الجديد، الذي ستلقيه الشعوب العربية على حكامها، واحداً تلو الآخر.
أنه الدرس التونسي العظيم؛ الدرس العالي الذي علّم الإنسان العربي ما لم يعلم.
ويستمر الدرس!
ويستمر الشعب!
ويستمر السقوط!
- آخر تحديث :
التعليقات