الذي حدث في تونس اكبر من ثورة وأكثر من مجرد سقوط صنم عربي اخر بعد صنم العراق. واذا كانت تجربة العراق التاريخية جعلت بعض الحكام العرب يلتفت ذات اليمن وذات اليسار دون انقطاع فان تجربة تونس هزت عروش اكتشفت بالوقت الضائع انها تقف على ارض من رمال متحركة. وأذ وجدت بعض اصنام العرب في تجربة العراق حجج ومبررات كاذبة مثل الاحتلال وغيرها لمقاومة التجربة العراقية الديمقراطية الرائدة فان تجربة تونس بالفعل اسقطت كل هذه الحجج وسحبت كل هذه المبررات فانكشفت مرة واحدة عورات وفجوات الاصنام العربية الديكتاتورية والتي بات بعضها يستحق الرأفة والعطف ولو من باب الاستخفاف.

كمراقب وفي هذا الجانب التونسي اذا جازا التعبير كنت شديد الحرص ان اتابع دول الخليج العربي دون غيرها من الدول العربية، وكانت النتائج ولحد هذه اللحظة تكاد تكون مذهلة في معظم دول الخليج العربي على المستوى السياسي والاعلامي والاجتماعي! فالاعلام الخليجي وهو الابرز والاكثر حيوية على المستوى العربي وبعض رموزه المراقب دوليا تناول القضية والثورة التونسية بشكل ثوري يكاد ينافس الثورة نفسها! في وقت كانت وسائل اعلام اخرى من خانة المنابر التي لا تكل ولاتمل من ترديد شعارات أنظمة البطولة والفداء والتضحية المزيفة والقومية الفارغة والوطنية المفرطة، لكنها في حالة مثل حالة تونس لاذت بصمت من نوع الصمت الغريب الذي يشير اليه شاعر الحب والحياة نزار قباني !! فمضى خبراسقاط ديكتاتوروصنم عربي بشكل عابر او من خلال شريط الاخبار النيوز بار السريع لااكثر!! وهذه علامة من علامات الرعب والخوف والارتجاف الممزوجة بالجهل والاستخفاف بعقول الشعوب المعنية قبل غيرها.

ولو عكسنا التجربة التونسية على واقع معظم الدول الخليجية سنجد ان وضع هذه الدول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مستقر بشكل كبير وقد تجاوز باشواط كبيرة مثل هذه المطبات غير المحسوبة من أنظمة الشعارات الفارغة. لذلك لم يبادر حاكم خليجي الى التلاعب بمشاعر الرغيف والزيت والرز والوقود بل ان دولة مثل قطر وقبل ثلاث ايام أصدرت قرارا بزيادة اسعار المنتوجات النفطية على المواطن، وبشكل فوري.

ولااعرف كيف فات على المتابعين والمحللين هذه الخطوة القطرية التي تنم عن ثقة عالية بالنفس. اما مسالة توزيع الحكومة الكويتية ثلاث الاف دولار كمنحة لكل مواطن فاعتقد انها خطوة كانت سابقة لااحداث تونس ولايمكن احتسابها في خانة ردود الافعال لان على العموم الوضع في الكويت مستقر ومميز في جانبه الاقتصادي منذ عقود طويلة.

ان المواطن الخليجي هو الاغنى والاكثر أريحية من الناحية الاقتصادية بين كل الدول العربية بل والنامية والاسلامية بل وحتى بعض الدول الاوربية. ثم لايمكن لاي مراقب منصف ان يتجاهل حجم البناء ولاعمار والتحديث الذي تم ويتم في دول الخليج العربي وقد تكون هذه أهم عوامل الثقة البادية على حكومات الخليج العربي في مرحلة التغير التونسي الشهير. ومع غياب الممارسة الديمقراطية والانتخابات في دول الخليج العربي لكن يبدو مع الاكتفاء الاقتصادي والمعيشي والاستقرار الاجتماعي للمواطن العربي الخليجي تكونت قناعة شبه مكتملة بنوعية وطرق الحكم الخليجية ونتائجها الايجابية المباشرة على مستوى المفردات اليومية للمواطن. مع الاشارة الى تجربة الكويت البرلمانية كتجربة دستورية وديمقراطية متقدمة على مستوى دول الخليج العربي. وبنفس الوقت الاشارة الى ضرورة حسم موضوع الجنسية الكويتية للبدون بعد أن اصبحت معضلة كويتيه مزمنة. وباتجاهات اخرى في دول خليجية اخرى ضرورة تعديل المسارات وحسم التمثيل المذهبي العادل في اجهزة هذه الدولة او تلك وهذا واقع ايضا اصبح ضرورة التعامل معه بواقعية ستضيف عوامل ثقة اضافية وضرورية لدول الخليج العربي والتي تبدوا لحد الان هي الابعد على الاطلاق من نيران التغير السريع او وقع الصدمات المفاجاءة.

بصورة عامة اثبتت التجربة الخليجية العربية انها الاجدر من كل الدول العربية الاخرى بالدراسة والمتابعة والتقليد ولو في بعض مفاصلها الجذرية التي تخص المواطن العربي. باستثناء التجربة العراقية الديمقراطية الرائدة والتي تنقصها الفترة الزمنية اللازمة لاكتمال دورتها الطبيعية للاستقرار الذي سيرافقه حتما التطور والاستقرار الاقتصادي والسياسي الحتمي لانها تجربة تمتلك بين جوانبها كل عوامل وعلامات التطور والانطلاق المكتمل من ناحيتي الممارسة الديمقراطية التي تضمن التمثيل الديمغرافي العادل وايضا من الجانب الاقتصادي الواعد في بلد مثل العراق يملك عنصري الثروات والكفاءات.