لا يشك أي مراقب لوضع مصر الحالي في أن ثورة الغضب المصري العارم الشامل آتية لا محالة، مظاهرات 25 يناير الماضية هي البداية وهي الشرارة الأولي لإزاحة كابوس الديكتاتورية والفساد الذي أوقع بمصر في براثن الجهل والتخلف وهبط بها الي القاع والتدني في كل أوجه الحياة من بطالة وفقر ومرض.

لكن ثمة يقظة هي تلك التي بدأت تدب في أجساد المصريين المسكونة بظلم الطغاة وشظف العيش وعنف رجال الأمن. إن ملامح ثورة شعبية تتجسد الأن علي تراب الوطن المصري الحبيب، شباب من الأبطال يخطون خطواتهم الأولي لتسجيل أسمائهم بحروف من نور في سجل الشرفاء والأحرار، يخطون خطواتهم لتخليص الوطن من قبضة مصاصي دماء الشعوب، واستخلاص خيرات الوطن من بين أيديهم الملطخة بالفساد والإفساد.

الفاسدون في مصر يرتعدون الأن، وأمبراطورية الفساد العشوائية علي وشك الإنهيار،ومصاصي دماء الشعب المسكين المقهور يتحسسون زكائب الأموال المسروقة أستعدادا للرحيل.

أرى والله مصر العظيمة التي تم اغتيالها في زمن حالك السواد، تعود للملمة اشلائها، للنهوض من جديد بسواعد شباب تم سلب كل شئ منه الا الإرادة وحب الوطن، أري مصر ذات التاريخ المستنير في الأدب والفن والثقافة تتحرك الأن لاستبدال الثوب البالي الذي البسه اياها زمرة الحكم المستبد بثوب الحرية الناصع الفضفاض.

زمن طويل من الإحتكار والتسلط والإستيلاء علي مقدرات وثروات الشعب دون اي إنجاز يذكر للفقراء والمحرومين،إنتفخت أوداج الأغنياء وكروشهم، والفقراء يبحثون في فضلات الزبالة عن بقايا كسرات من خبز يسدون به رمقهم.

ظلم لايمكن تخيله فالمهم الأسياد وصحة الأسياد أما فقراء الشعب فليذهبوا الي الجحيم، عندما يمرض السيد أو زوجته أو أولاده فالطائرة جاهزة للإقلاع به الي أي وجهة علاج خارجية في أي بقعة في العالم، ولا يهم الدفع فكله علي حساب الدولة، أما الفقراء فانظر الي حالهم في مستشفيات الدولة أحياء ينتظرون الموت البطئ وسط يأس وإحباط وقنوط، فالعلاج أصبح للأغنياء فقط، ولك أن تتخيل أيها القارئ الكريم من حكم أبدي لم يستطيع أن يوفر علاجا لشعب أكثر ما يعاني منه ذلك الشعب هو المرض.

لم ينعم الفاسدون بالعلاج في أرقى مستشفيات الخارج فقط، إنما قطعّوأ اوصال الوطن واستولوا علي الأراضي والمنتجعات السياحية،وأصبحت الشواطئ الخاصة بهم مقتصرة عليهم وعائلاتهم وأصحابهم في شكل من الطبقية المستفزة.أما مساكين الشعب فليس أمامهم الا المصارف والترع المختلطة بمياه المجاري للإستجمام والإستمتاع.

قضي المستشار الالماني هيلموت كول 16 سنة في الحكم بلغت إنجازاته فيها آفاق البلاد، وعندما، أراد أن يترشح لفترة حكم جديدة لم يوافق الشعب،وقرر بدلاً منه المستشار جيرهارد شيرودور ولم يكن بأحسن حال منه، لكن الألمان سئموا فترة الحكم الطويلة، إن الشعوب تري ما لايراه الحاكم لهذا تجري الإنتخابات الحقيقية التي تعكس شعبية الحاكم لدي الشعب، وفيها يعبر الشعب عن إرادته لذلك لم يكن مستغربا تلك الجموع الحاشدة من الشباب والرجال والنساء وهي تتدفق الي شوارع القاهرة والمحافظات الأخري مطالبة بالتغيير ورؤية وجوه جديدة.

هؤلاء شباب المصريين يحملون نكهة الثورة الحقيقية،هم من تراب هذه الأرض الطيبة، لا يعرف لهم احد وجهاً من قبل، لديهم شجاعة منقطعة النظير في النضال من أجل حياة أفضل.. يصف مذيع الأخبار في قناة ال CNN أحد الشباب المتظاهر وهو يقف بثبات أمام سيارة شرطة تندفع نحوه بسرعة جنونية غير وجل ولا خائف بأنه أمر لايصدق، إذن فهؤلاء هم وقود الثورة الشعبية الحقيقية.

لا تجد الحكومة أمام بوادر تلك الثورة المشتعلة إلا شماعة الإخوان لتعلق عليها تبرير تلك التظاهرات وتتهمهم بأنهم من نظم هذه المظاهرات في شقها العنيف متناسية الظلم والعذاب الذي جرعته للشعب، ثم كيف ينظم الإخوان تلك المظاهرات وقد اتهمتهم الحكومة من قبل بأن ليس لهم تمثيل شعبي عندما سقطوا في إنتخابات مجلس الشعب.

ما يلفت النظر ان الوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون التي لا تحبنا ولا تحب الخير لنا، سارعت قبل أي وزير مصري في تصريح مستفز تقول فيه أن حكومة مصر مستقرة وانها تدعهما، وأنا لا أشك في أن مثل هذه التصريحات ستلهب الثورة فامريكا هي التي ساعدت علي فساد الحكم والحكام وحافظت علي استمرارهم كل هذه السنوات.

[email protected]