لايخفى على أحد الفرق الواضح والكبير في كثير من مواقف المثقفين العرب بين سقوط بغداد وهروب بن علي من تونس، بالرغم من أن المسافة بين الحدثين لاتتجاوز الثمان سنوات. فالمثقف العربي وقف موقفا ً سلبيا ً تجاه حدث التغيير الذي وقع في العراق من خلال تسليط الضوء على حالات السلب والنهب التي عقبت سقوط النظام العراقي حتى اللحظات التي تعثرت بها تشكيل الحكومة العراقية في الآونة الأخيرة. فعلى الدوام كان المثقف العربي يقف موقف المشكك والرافض وأحيانا ً موقف المستنكر لمواقف حدثت كانت في صالح الشعب العراقي. وهنا لا أتحدث عن شرعية الإحتلال ومن وقف مع الإحتلال، فالإحتلال شيء مرفوض وإستنكره المثقفون العراقيون والعرب على السواء، ولاغبار على كل المواقف التي تدين الإحتلال ومن يدعم الإحتلال. إن ما أقصده نظرة المثقف العربي إلى الشارع العراقي والمواطن العراقي حيث يستكثر عليه عملية التغيير وكأن هذا الشعب هو المسؤول عن قدوم الإحتلال. ووصل الأمر للترحم على بغداد عاصمة الرشيد وكأنها ذهبت إلى الأبد بيد الأجنبي وعلى العراق آخر قلاع العروبة وعلى الدكتاتور الذي ترحم عليه الكثير من المثقفين العرب، وبكوه في أحيانا ً كثيرة. وأخيرا ً وليس آخرا ً موقفهم مما يسمى بالمقاومة والقتل المجاني للشعب العراقي بإسم المقاومة وذلك بالدعم العلني أو بالسكوت عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي. هل نستطيع أن نقول أن ضمير المثقف العربي يعيش حالة من حالات الصحوة بعد هروب بن علي من تونس؟ وأقصد بالمثقف العربي الكتاب والصحفيون والمحللون والمثقفون الذين ترتفع أصواتهم هنا وهناك بلقاء تلفزيوني أو مقالة أو تحقيق صحفي. لقد كتب وتحدث وحلل الكثير من المثقفين العرب في الصحف والمجلات والفضائيات وهم يهللون للشعب التونسي إنتصاراته على الدكتاتورية. بالتأكيد هذا أجمل مايكون، فدعم الشعوب في مقاومتها لإنظمتها الفاسدة واجب أخلاقي قبل أن يكون واجبا ً مهنيا ً. لكن مالفرق بين الحدثين، أوماهذه الإزدواجية في التعامل مع ماحدث بين بغداد وتونس، هل هي صحوة ضمير؟ أم إن بن علي كان أسوء من من صاحبه بالدكتاتورية صدام حسين؟ لاأعتقد إنها صحوة ضمير لدى المثقف العربي بقدر ماهي حالة طبيعية في رفض الظلم والطغيان من على كاهل الشعب التونسي وذلك بعد رفع القيود على هذا المثقف المسكين. لكن ماهي تلك القيود التي تعرض لها المثقف العربي والتي جعله يقف موقف المتفرج على الجرائم التي حدثت والتي ماتزال تحدث في العراق؟ إن أول تلك القيود هو أن الكثير من المؤسسات الثقافية العربية كانت تتلقى الدعم المالي من النظام العراقي السابق، وتأييد تلك المؤسسات لسقوط النظام هي حالة من حالات نكران الجميل. أما القيود الأخرى الباقية فهي متنوعة، ومنها القيود الطائفية! فمازال المثقف العربي يعيش حالة طائفية متشنجة جعلته لايميز في مواقفه بين الحق والباطل والذي جعل الكثيرين منهم يلتزم موقف الصمت من المذابح التي ترتكب بحق الشعب العراقي بإسم المقاومة. فترى المثقفين العرب يدينون كل عمل إرهابي يحدث في الدول العربية ويسكتون عندما يحدث بالعراق. ومن هذه القيود أيضا ً هو أن الكثير من المثقفين والمؤسسات الثقافية العربية تتبع أنظمة كانت تقف في جبهة وفي صف النظام السابق. إذن، هي لم تكن صحوة ضمير بقدر ماكانت حالة تحرر من ضغوط نفسية وسياسية وإقتصادية كانت تفرضها ضروف معينة في وقت معين. وعندما تحرر المثقف العربي من هذه الضغوط إنطلق بقلمه ومواقفه الداعمة للشعب التونسي. إن المثقف العربي لم يصل بعد في مواقفه للجرئة والموضوعية في الطرح فهو مازال يعيش في غيبوبة يصحو منها بين الفينة والأخرى كالذي حدث في تونس. إن المطلوب من المثقف العربي هو التحرر من كل الضغوط من أجل تسجيل مواقف مشرفة في صالح الشعوب بعيدا ً عن الإنظمة التي مصيرها الزوال المحتم. وعليه دعم عملية التغيير القادمة من خلال المواقف الجريئة والصريحة، بل يقوم بصناعة التغيير الذي يحدث في كل مكان. إذن، عليه البقاء في صف الشعوب فالشعوب باقية والأنظمة راحلة وخير دليل على ذلك ماحدث في تونس حين فر بن علي فرار العبيد. أن من واجب المثقف هو إلتزام الموضوعية في الطرح وقول الحقيقة وإن كانت على حسابه والتخلص من المواقف التي يشم منها رائحة الطائفية والعنصرية. فأمام هذا المثقف جهد كبير في دكتاتوريات عاتية في بلدان كثيرة وكبيرة. فالموقف الشريف مطلوب ومسموع ومؤثر تفرضه حالة إنسانية بعيدا ً عن العنصر والدين والطائفة.
- آخر تحديث :
التعليقات