في الغرب الأمريكي، بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول عام 2001، التي هزت الأوساط العسكرية والسياسية والدينية في العالم، أزداد شغف العامة ورغبتهم لتفهم معنى الجهاد في الأسلام ومن يؤمن به كعقيدة جهادية في شن حرب معلنة وخفية ضد المصالح الغربية والأمريكية. وفي مراكز ومؤسسات البحوث القومية والأستراتيجية أزدادت وتكثفت الدراسات والتوصيات المُقدمة الى البنتاجون الأمريكي للتعرف على مغزى الجهاد وتأثيره النفسي والأعلامي ومراكز الدعوة له ومصادر تموله.

وخلال الحرب على طالبان أختلفتْ التعاريف الأسلامية لكلمة quot; الجهادquot; التي يُرجعها المختصون الى أجتهادات وفتاوى العلماء والخبراء (في الغرب الأمريكي والعالم العربي والعالم الأسلامي ) وغَرَفَ الباحثون (كل منهم حسب تطرفهم الروحي ومعتقداتهم الشخصية وقناعاتهم العامة وقناعات حكوماتهم وأحزابهم السياسية)، ما أولوه أو على الأصح ما أردوا له أن يكون.

فلا عجب أن نسمع ماقاله الإمام محمد عبده بعد رجوعه من زيارة الى أوروبا في القرن الماضي quot; وجدت عندهم الإسلام بلا مسلمين ووجدت عندنا المسلمين بلا أسلام quot;.
في العراق، موضوع البحث، كان الملاحظ أن علماء المسلمين بعد عام 2003 قادوا الجهاد الأجتماعي الديني بعنف فاق في الوصف، إلأسلام السياسي، الذي يحمل مبادئ وقيم التعاليم الربانية في عمل الخيروأقامة العدل وأرضاء الله ونشر كلمة الرسول الكريم في عدم أيذاء الناس وعدم الأشراك بالله، وتحولت شرائح أجتماعية من مسلمي العراق الى أعتناق الجهاد وألأعتقاد به على طريقة كاماكازي اليابانية الأنتحارية ومارسته أحزابهم الدينية على أختلافها بتطرف لتتفرع منها زُمر ظلامية على شاكلة حركة الجهاد الأسلامي والأمارات الأسلامية وخلفاء الله والحركة الوهابية وجماعة الاخوان المسلمين وفلول البعث العشائري وقابلتها وأصطدمت بها مجموعات شيعية جهادية مناوئة لها وعلى نفس الدرجة من التطرف في تعريفها لطبيعة وفكرة (الجهاد) وأتخذت منه أيضاً الوسيلة والذريعة لأيقاف القوى الأسلامية التي أتصفت بالعنف وأعمال التخريب والدمار والكراهية وماجرى من تغيير مفاجئ لمؤسسات الدولة العراقية.

المظاهر الخارجية العامة والعداء المتبادل بين المتطرفين والسقيّ اليومي المفروض على البسطاء مِنا، يوحي على أن مايقوم به البعض من أِثم هو من واجبات الجهاد، وهو حق فرضه الله على المُسلم للدفاع عن أهله وعرضه وأرضه وماله، وأيحاء شرعي لقتال المرتدين عن الأسلام، والمتخاذلين عن تحرير الأرض الأسلامية والدفاع عن الأراضي العربية المُقدسة. ففي الغرب الأمريكية مازال الأمر غامضاً ومشوشاً عند محاولة تفسير السبب الذي من أجله يتحارب الجهاديون فيما بينهم.

وفي العالم الأسلامي، يبدو أن كلمة الجهاد قد أفلسَ أنتشارها بين القوى الأسلامية المتحضرة (النخبة المُثقفة)، وكذلك في الساحة السنية العربية لكون معظم المشاريع الجهادية التافهة المقيتة لا تستحق الاّ الاستهجان لعدم تجاوزها فكرة القتل والهدم والتفجير بأسم الأسلام.
ونرى اليوم خذلان ساسة المجتمع العراقي في أيِصال المعاني السامية لكلمة quot; الجهادquot; وتعريفها للرعية بعد سماحهم للديدان والأوبئة للخروج من الفتحات والثقوب العنصرية وتثقيف الأجيال الجديدة ببدع نسبوها الى الدين وتعاليمه الحقيقية.

وربما يكون من أسباب فشل المجتمع الأسلامي في العراق بطبقاته الشعبية وقياداته الشيعية والسنية هو وضعهم مبدأ الجهاد في غير محله عمداً بعدم اللجوء الى مبدأ أو عِرف أجتماعي مقبول لِما يُعرف ب مفاوضة النفس Self negotiate وترويضها للمحاورة الأنسانية قبل اللجوء الى أِدخال جحافل العنف والتهديد والتخريب الى العراق الذي أصاب الدولة بالشلل في كل مؤسساتها. وليس في العراق اليوم من يعتقد بعدم تخلف وتلكؤ الأحزاب السياسية والدينية العراقية عن خدمة العراق والرعية، بل أن مجرد ذكر أسمائها يثير حفيظة الناس على مختلف طبقاتهم.

وقد أكون مخطئاً في تصوري. لذا فقد يكون من الأفضل للقارئ طرح الأفتراض العملي التالي. أذا كان البعض يعتقد بأن الاحزاب السياسية والدينية العراقية قد قدمت الخدمات الفورية والاساسية الأنسانية للرعية، ولم تُصور وتصوغ قياداتها المتطرفة ممارسة الجهاد بطريقة عنصرية وضغينة وأنتقام وزرعتها في نفوس الضعاف والجهلة منهم ليتحول الجهاد النقي الى نوع من خرافات وبُدع الجهاد المُلوث بالدم والعنف بين المسلمين، فأودُ مخلصاً السماع منهم عن نوع الخدمات الأجتماعية والأنسانية التي قدموها للرعية وطبيعتها، لأني والرعية متلهفون لمعرفة جهادهم الألهي الأنساني في هذا السبيل في وقت كثُرتْ علينا التصريحات والخطب في الجوامع والمراقد الأسلامية والمجالس النيابية العراقية وعبارات ( القتل على الهوية حرام، السرقة حرام، وهاي الفلوس حرام ولازم تُوزع على الفقراء ).

في حالات عديدة، يدخل الفكر العنصري الجهادي الموجود في دول الجوار في صميم السياسة العراقية ويرسم خطوطها العامة وتفكير قادتها ومنها ( فرض الكفاية ) ( فرض عين) (فرض الجهاد ). ولطالما رأينا العقل العربي يفكر بعلم ومعرفة وأستقلالية وإدراك الملموسات المادية الواضحة للعين والعقل قبل (أرخاء العقل والفكر) الى الخيال وعلوم الغيب والأستسلام التام الى ماتصوغه قيادات دينية متطرفة للرعية من بُدع شيطانية، وهو ما ابتلى العراق به من قراصنة الجهاد المتخصصين في فن الفتاوى المُشرَّعة وغير المُشرَّعة. فأصبحت عملية ممارسة الجهاد تعني تحليل قتل المسلمين وسفك دمائهم في أي جامع كان، وتفجير كنائس المسيحيين أينما كانوا بطريقة عنصرية وضغينة تولدتْ في نفوس الجهلة الضعاف من وحوش بشرية سرقت براءة الأطفال وحولتْ حيثيات الدين والجهاد النقي الى مفاهيم بُدع الجهاد السياسي المُلوث بالدم والعنف والتخريب.
وينظر المتخلفون الى عناصر الجهاد والقتال quot; فرض عين و فرض الكفاية وفرض الجهاد quot; الى أنها مفروضة وواجبة شرعاً على المسلم بدون استثناء ودون أستشارة القوانين الوضعية للدولة،لأنها كما يقولون (من وضع البشر) حتى إذا لم يجد سلاحاً فيمكنه القتال بعصا، أِن لم يكن مؤهلاً على أستخدام السلاح.

أن أعظم الخدمات الروحية الدينية المذهبية الجهادية التي أوصى بها الله ورسوله، والتي كان في أستطاعة الأحزاب الدينية المُشار أليها حَملَها هي أبتعادها عن تشويه الجهاد للرعية وأبتعادها عن خدمة ذاتها بخدمة الرعية وأنصرافها عن تعليم وتثقيف عناصرها بأن الجهاد والتضحية هو ماتقوم به بدلاً عنهم منظمات أنسانية أجنبية في مساعدة الفقراء ونقل المُهجّرين وتعليمهم ومدهم بالأموال والعناية بهم وتمشية معاملاتهم وأجراءات سفرهم وهجرتهم من بلادنا.

ويأمل الكثيرون منا مع مناسبة افتتاح المؤتمر الدولي لـ quot;حوار الاديانquot; في مدينة النجف العراقية، نشر المعرفة وطرق تربية الجيل على الأعمال الخيرية ونشر ثقافة التسامح والاخوة الانسانية وأحداث نوع من التقارب الديني والفكري بين الرعية والتمسك بقوله تعالىrlm; {rlm;وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيفَ الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمونrlm;}rlm; rlm;سورة rlm;النور.

كاتب سياسي وأستاذ جامعي
[email protected]