يا الهي، و أخيرا انزاح الكابوس، كم كنا ننتظر هذه اللحظة، كم كان الشعب التونسي و مثقفيه و صحفييه و سياسيه ينتظرون لحظة سقوط الصنم الغير المأسوف عليه quot;بنعليquot;، آه لو تعلمون كم كان الشعب التونسي يتألم، يموت، يتعذب ألف مرة في الثانية، أمام حريته المسلوبة و أمواله المنهوبة، و كرامته المداسة.

و نعترف نحن كصحفيين في القطاع العمومي بضعفنا و هوننا في القيام بأي عمل لهذا الشعب الثائر، ولتحرك هذا الشباب الهادر الرامق للحرية و الكرامة الإنسانية قبل الخبز. هذه الثورة التي صنعها بسطاء لكنهم لم يكونوا مثلنا جبناء، و للأمانة كنا كصحفيين نتألم خلسة، نعم خلسة، فلم يكن بمقدورنا حتى إبراز ألمنا. كانت كل آلمنا واحتجاجاتنا تتم في المقاهي و الحانات، ملاذنا الأخير، وهو ما كان متاحا بعد ان quot;أممquot; التجمع الحاكم كل الجمعيات. و كانت أعين البوليس السياسي و القوادة و أذناب التجمع البائد ترمقنا وتحرر في شأننا التقارير شأنها شان مخابرات ألمانيا الشرقية، رغم أننا كنا مستقلين، و لا ننتمي لأي حزب او جهة.

احي هنا، المنصف المرزوقي، احمد نجيب الشابي، احمد ابراهيم مي الجريبي رشيد خشانة توفيق العياشي زياد الهاني، سليم بقة و غيرهم كثر، ونعتذر لهم ان كنا في بعض الأحيان مجبرين على قراءة بيانات الشتم و التخوين الصادرة من القصر ضدهم. لكننا و خلسة أيضا، كنا نقتني صحفهم و نقرأ مقالاتهم، عن طريق البروكسي، بطبيعة الحال، و كنا نعتقد في قرارة أنفسنا ان ما يقولونه و يكتبونه هو عين الصواب، لكن لم يتجرأ أحد منا على الالتحاق بأحزابهم، لأن اجابة الدكتاتور كانت الطرد و التشريد و التجويع. لا ابرر موقفنا،لكننا كنا ضعفاء و كما كان يقول الأستاذ المنصف المرزوقي فلا أحزاب و لا نشاط حزبي في ظل الدكتاتورية.

ربما سيأتي الوقت الذي سيدٌون فيه زملاء شرفاء من امثال فطين حفصية و عبد الرزاق الطبيب و فاتح الفالحي و منير السوسي،و عادل رشدي، تجربتهم مع إعلام البروباغندا. بعض القصص التي ستكتب سوف تضحك الكثيرين و اخرى سوف تصيبهم بالغثيان،لأن الحقيقة لا بد ان تظهر و لا بد لكن زميل صحفي و مثقف ان يتحمل مسؤولياته التاريخية حتى لا تتكرر أخطاء الماضي.

هل تعلمون أنني كنت أرسل مقالاتي التي انشرها في ايلاف الى جريدة تونسنيوز المحظورة، عن طريق مايل مستعار، الى شقيقي المقيم في فنلندا حتى يرسلها بدوره الى الجريدة. هكذا كنا نتحيٌل على بوليس النت، و هكذا كانت أجواء الرعب التي نعيشها، و هذا غيض من فيض...
اما تجربتي في ايلاف و مدى الضغط الذي كان يسلط علي فهذا يستحق مقال آخر و ربما مذكرات بأكملها، و المجال لا يسمح الآن بذلك.

تحية الى الشهيد محمد البوعزيزي، تحية الى ثورة الشعب التونسي واستقلاله الثاني تحية الى كل المعارضين الشرفاء و المهجرين تحية الى كل قطرة دم سالت من أجل تونس و من اجلنا، نعم من اجلنا نحن الصحفيين و المثقفين و النخبة و الساسة، رغم أننا ركبنا قطار الحرية بعد ان غادر المحطة.

[email protected]

تونس