أستمعت ومن ثم قرأت البرنامج الوزاري لحكومة المالكي، وأستغربت أن السيد رئيس الوزراء مع أحترامي له لم يستفد من تجربته قبل خمس سنوات ونقاط برنامجه الذي أحتوى حينذاك على 32 بند، لم يتحقق منها سوى جزء هام من بند واحد وهو بند الأمن، عاد الينا هذه السنة ببرنامج يحتوي على 43 بند وفيه الكثير الكثير من أحلام وردية تطال العراقيين في نومهم ليصحوا على واقع مختلف تماما.

يكرر السيد رئيس الوزراء العراقي طموحه ولا شك في صدق طموحه هذا، أن يبني الدولة العصرية في العراق ولكن ومع الأسف لا يعكس البرنامج الوزاري هذا الطموح،أذ لم يكن سوى عبارات أنشائية و تطلعات عامة لعمل جميع الوزارات والذي يمكن أن يكون برنامجا لخمسين سنة قادمة،أو أن يكون برنامجا لدول اخرى، الأردن مثلا أو جزر القمر، ليس هناك خصوصية عراقية ولا رؤى لمعالجة مشاكل قائمة، أحلام وردية لا يربطها رابط بواقع العراق بينما نلاحظ في برامج الدول العصرية أنها قائمة على أحصاءات دقيقة و طموحات محدودة مرتبطة بواقع البلد من كافة نواحي الحياة الأقتصادية والتعليمية والأجتماعية و القدرة البشرية ومدى كفائاتها و تقديرات مرحلية لكل من السنوات القادمة.
لم أجد ضمن ال43 بند من البرنامج الوزاري حتى أشارة بسيطة الى واقع الأمية في العراق وهي قضية محزنة و معيبة وحسب الأحصائيات المتوفرة سواء من اليونسكو أو وزارة التخطيط فأنها بين ثمانية ملايين أو تسعة ملايين عراقي ويزداد هذا العدد سنويا بينما كان عدد الأميين في عام2003 وحسب أحصائيات اليونسكو ثلاثة ملايين أمي، مع الأسف حتى لم ترد كلمة الأمية في البرنامج الوزاري ولا أعرف أن كان السيد رئيس الوزراء قد أعتبرها قضية ثانوية أم أن مستشاريه غفلوا عنها في زحمة الصفقات التي تدور في أوساط الطبقة الحاكمة في العراق، القراءة والكتابة جزء أساسي من حقوق الأنسان و حجر الزاوية لبناء دولة عصرية ليست قائمة على التمنيات فقط وأقتصر برنامج السيد رئيس الوزراء على بند للتعليم بشكل عام وعند الأطلاع على الميزانية المقترحة للتعليم نجد انها تشكل 10% من الميزانية العامة وتشمل هذه وزارة التربية ووزارة التعليم العالي
في أجتماع لأقتصاديين و مدراء شركات عالمية وحضره العديد من قادة العالم في مدينة دوربان، جنوب أفريقيا ذكر أن سبب اساسي في النهضة الصناعية الأقتصادية في الصين يرجع الى معرفة غالبية السكان في الريف والمدينة القراءة والكتابة حيث يستطيعون أن يتعاملوا مع أدوات الأنتاج و صيانتها بينما العمالة ألأمية تفشل.

العلم نور والجهل ظلام هكذا تعلمنا و هكذا تعلم السيد رئيس الوزراء كما أعتقد، فكيف غاب عن باله هذا القول الحكيم والذي يعني الكثير أذاما تعمقنا فيه وسبرنا أغواره،ألأمية مرض خطير ينهش روح شعب العراق و يبقيه أسير الظلمة المدمرة لكل شعب، ولا يمكن أقامة دولة عصرية لمجتمع حوالي ربع سكانه أميين،دول العالم وحكامها يضعون الخطط ويرصدون الأموال الطائلة للقضاء على ألأمية و يمضون بعدها الى ما يعرف بالتعليم المستدام أما السيد رئيس الوزراء لم يشر بكلمة واحدة لهذه المشكلة الاكبيرة والتي تبقي العراقيين أسرى الجهل وتركهم يتخبطون في ظلمة هذا الجهل.

ولم أجد في خطابه الوزاري والذي يطمح لأقامة الدولة العصرية الى مشكلة خطرة أخرى ألا وهي أن 50% من أطفال العراق لا يكملون دراستهم الأبتدائية وهذا جيش أخر سوف ينظم عاجلا أم أجلا الى جيش الأميين المتنامي، في زيارة خاصة الى كمبوديا تحدث مرافقنا عن هذه المشكلة لديهم، أن 70% من أطفال كمبوديا لا يكملون دراستهم اللابتائية وجرت دراسة المشكلة وسببها عمالة الاطفال لمساعدة ذويهم وتقر صرف راتب شهري للاطفال كي يعودوا الى مقاعد الدراسة وأنخفضت النسبة اى 7% فقط، لا ادعو الى تطبيق الأجراء الكمبودي ولكن هذه المشكلة خطيرة يجب أن تعالج ولا زال الباب مفتوح للسيد رئيس الوزراء لمعالجتها وفقا لظروف العراق.

المضحك المبكي أن تخصص ميزانية الرئاسات الثلاث (االأجتماعية) بحوالي 20%من الميزانية العراقية والتعليم بمختلف درجاته 10% بينما ميزانية التعليم تشكل في المملكة العربية السعودية 26% والولايات المتحدة 27% والصين ضاعفت ميزانية التلعيم 300% وتشكل ميزانية التعليم في دول جنوب أسيا 18% وتشكل ميزانية التعليم في تركيا أكبر بند من بنود الميزانية.

لا أعتقد أن السيد رئيس الوزراء من أنصار من قال ( أمي جاهل خير من مثقف هدام )، ولكني متأكد أن هناك من له دور في التأثير في مفاصل الحكومة من يؤمن بهذا القول فالجاهل الذي يعيش في ظلمته يبقى أسير ما يقال له يديرون له عقله ويغسلون له دماغه بما يحلو لهم من قصص لا علاقة لها بما يعيشه من واقع، أحادي النظرة يتلقف ما يقال له ليلتزم به ويصبح ديدنه في الحياة وما يفرزه من بعدها من سلوك تابعا من دون دراية أو عقل ما لقن له يعيش في ظلمة العقل الذي منحه الله له
ليس العراق أول من يسعى لبناء دولة عصرية، وهناك تجارب لشعوب العالم في هذا المضمار، من كيفية رسم البرنامج الوزاري الى الصرامة في التطبيق الى وضع ميزانية مكملة للبرنامج الوزاري و الى تقسيم البرنامج الى مراحل تدرس كل مرحلة قبل السير في المرحلة الثانية.

دول في العالم خرجت من محن أشد من المحنة التي خرجنا منها مثل رواندا التي عاشت مجازر رهيبة بين القبيلتين الرئيسيتين واليوم تبني دولة عصرية بخطى ثابتة تعتمد العلم والنزاهة والعمل الجاد تحت الهوية الراوندية فقط.

ومن أجل عدم الأنتقاد فقط أدعو الى تشكيل هيئة عليا لمكافحة الأمية وتستقطع 30%من الميزانية الأجتماعية للرئاسات الثلاث لتشكل ميزانية اللجنة العليا لمكافحة الأمية على أن تبدأ بتقديم تقرير عن الحالة الحقيقية للأمية في العراق ومن ثم برنامج مرحلي للقضاء على الأمية في فترة زمنية محددة.

كما أقترح استقطاع 30% من الميزانية الأجتماعية للرئاسات الثلاث لدراسة ووضع الحلول للتقليل الى حد أدنى لا يتجاوز ال5% من الذين لايكملون دراستهم الأبتدائية.
التعليم هو حجر الأساس لبناء دولة عصرية ومن دون ذلك سوف نبقى نتخبط ونفشل كما فشلنا في السنوات السبع الماضية