قبل كل شيء أود أن ابعث التهاني مقدما للجنوبيين في السودان على قيام جمهوريتهم المستقلة عن الشمال وعاصمتها جوبا، ولا ننسى بطبيعة الحال الرئيس السوداني عمر البشير، وزعيم المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي، اللذين أوصلا الامور في جنوب السودان إلى قولquot; نعمquot; للانفصال عن الشمال، ومن المؤكد أن جهود الرجلين ستتواصل لتعزيز النزعات الانفصالية في دارفور وكردفان وآبيي في إطار الصراع على السلطة في اكبر بلد عربي غني بالثروات لكنه يعيش في فقر مدقع.
والحكاية باختصار هي قيام البشير بانقلاب عسكري بالتعاون مع الإسلاميين بزعامة حسن الترابي ضد حكومة الصادق المهدي وتولي رئاسة مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في يونيو تسعة وثمانين، ثم حدث صراع مرير على السلطة بين الرجلين وشكل الترابي حزب المؤتمر الشعبي المعارض، واعتقل عدة مرات آخرها في يونيو ألفين وعشرة، وشن هجوما حادا على البشير الذي بعد ان ساهم في اندلاع الصراع في دارفور غرب السودان، وتوجيه بعض أطرافه، والآن يعد الترابي أول من يدعم انفصال جنوب السودان عن شماله.
أما الرئيس عمر البشير وطوال فترة حكمه التي شهدت حروبا طاحنة بين الشمال والجنوب أوقعت نحو مليوني سوداني، وكلفت السودان عدة مليارات فقد انتهج سياسة تهميش، للجنوب دفعت إلى ما نراه اليوم من شوق للحرية أدركها الرئيس السوداني حين قام بأخر زيارة له لجوبا عاصمة الجنوب قبل إعلان الاستقلال ليؤكد التزامه بنتائج الاستفتاء، وأن خيار الحرب غير مطروح لأنه قد يقضي على السودان بأكمله، خاصة وأن الشمال يواجه تحديات أخرى في دارفور وآبيي وكردفان والنوبة التي ترغب في إنهاء الظلم والتهميش الواقع علي سكان هذه الأقاليم.
rlm;ويبدو أن كلا من الشمال والجنوب أدركا بالفعل ضرورة قبول الانفصال كأمر واقعrlm;، والتفكير بهدوء في كيفية التكامل واستغلال الثروات الطبيعية بشكل جيد خاصة عائدات النفط المتركزة في الجنوب، وهو ما يجعل التعاون ضروريا على اعتبار أن الجنوب ينتج نحو خمسة وسبعين في المائة من النفط، ويحتاج إلى تصدير هذا النفط عبر ميناء بور سودان في الشمال، في حين يحتاج الجنوب إلى دعم الشمال سياسيا واقتصاديا وتسوية المشاكل الخاصة بالديون المتراكمة على السودان، ومنح أبناء الجنوب والشمال حق الإقامة والتوظيف في المناطق الراغبين في البقاء والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات وترسيم الحدود على الأرض.
وتبقى مشكلة ابيي من أخطر التهديدات التي تواجه حكومة البشير، وعلى الرغم من اتفاق حكومة الخرطوم والجنوب على إجراء استفتاء لتقرير مصير الولاية إلا أن خلافات جوهرية بشأن من له حق التصويت أدت إلى تأجيل الاستفتاء على مصير ابيي إلى ما بعد استفتاء الجنوب، ومعروف أن منطقة ابيي تأتيها قبائل عربية رحل أبرزها قبيلة quot;المسيريةquot; تعيش على الرعي أثناء مواسم الزراعة والأمطار وتعتبر أن أراضي ولاية ابيي ملكا لها، ولا تريد حكومة جنوب السودان أن تشارك هذه القبيلة في الاستفتاء، وهو ما ترفضه حكومة الخرطوم، وتقدمت الولايات المتحدة في محادثات أديس أبابا الأخيرة بحل يقترح تقسيم الولاية بين الشمال والجنوب وهو ما لم يلقى قبولا من الجانبين.
وأيا كانت الخلافات فشمال السودان لا يمكن أن يستغني عن جنوبه الذي يمثل العمق الإفريقي له، وأي تهديد له تهديد لأمنه القومي، وجنوب السودان لا يمكنه أيضا الاستغناء عن شماله الذي يمثل له بوابه ومنفذ على العالم، وهو ما يفرض التواصل بين الشمال والجنوب في عالم يتكلم بلغة المصالح المشتركة. rlm;
المعارضة السودانية تترقب ما يسفر عنه استفتاء الجنوب، ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي أمهل حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة البشير وقتا للرد على علي ما سمي quot;الأجندة الوطنيةquot; المطالبة باعتماد دستور جديد للبلاد، يأخذ بدولة مدنية ذي مرجعية إسلاميةrlm;.rlm; محذرا من أن رفض هذه المطالب يعني تصعيد المواجهة في دارفور ودفع الشعب الذي يعاني أزمات اقتصادية إلى التحرك في الشارع وهو ما قد يُدخل شمال السودان في مشاكل جديدة.
rlm;إعلامي مصري
التعليقات