هناك اتفاق شبه شامل بين القوى السياسية الكردستانية على ضرورة الإسراع في عقد المؤتمر القومي الكردي الشامل. وهذا الإتفاق ينسحب على جعل مدينة quot; أربيلquot; عاصمة اقليم جنوب كردستان (كردستان العراق) محتضن المؤتمر. القوى الكردستانية الكبرى مجتمعة على هذا الموضوع. منظومة المجتمع الكردستاني، وهي السقف الأكثر مساحة ومحتوى لفعاليات وأطر الأمة الكردية، صرّحت عدة مرات مطالبة بالإسراع في عقد المؤتمر للتوقف على التحديات التي تواجه الأمة الكردية وكيفية البحث في حماية المكاسب والمنجزات، وبشكل خاص في جنوب وشمال كردستان. أحزاب اقليم جنوب كردستان، والحكومة صرحوا مراراً وعبروا عن رغبتهم في عقد المؤتمر، على أن تحضره كل القوى المؤثرة في المشهد الكردي وأن يترأسه مسعود البرزاني رئيس الاقليم.

قائد حركة التحرر الكردستانية عبدالله أوجلان كان بدوره قد ركزّ طويلاً على المؤتمر القومي الشامل، ووضع عدة نقاط محددة كبرنامج عمل. النقاط التي طرحها أوجلان تتركز حول مشروع quot; الكونفيدرالية الديمقراطية لكردستانquot; وضرورة تشكيل قوة دفاع كردية قادرة على الدفاع عن وجود ومصالح الأمة الكردية وحماية مكتسباتها. المؤتمر تلقى كذلك كل الدعم من جانب حزب السلام والديمقراطية ومؤتمر المجتمع الديمقراطي، الممثليّن للشعب الكردي في اقليم شمال كردستان( كردستان تركيا). وقد رفدت الزيارات الأخيرة التي قام بها قادة التنظيميّن المذكورين إلى quot; أربيلquot; وquot;السليمانيةquot; ولقاءهما بالقادة الكرد هناك، تلك المساعي وساعدت في تقريب وجهات النظر لوضع برنامج واضح يرضي الجميع ويكون في نهاية الأمر في خدمة القضية الكردية.

الكل يعلم بأن أي مؤتمر دون مشاركة منظومة المجتمع الكردستاني( تضم حزب العمال الكردستاني أيضا) لن يٌكتب له النجاح. تركيا تعلم ذلك والولايات المتحدة الأميركية تعلم ذلك. وأي كلام عن محاولة خلق مؤتمر مسخ تحاول تركيا وحكومة حزب العدالة والتنمية من خلاله حشد القوى الكردية بغية استصدار موقف ما منها ضد نضال حركة حرية كردستان أو محاولة تجريم الكفاح المسلح، له من الفشل نصيب كبير. فمنظومة المجتمع الكردستاني وفي الأعوام الأخيرة أثبتت لكل العالم بأنها الممثل الشرعي والحقيقي للكرد في شمال كردستان، وهي صاحبة الدور الذي لايمكن تخطيه فيما يخص مصير أبناء الشعب الكردي في بقية أجزاء كردستان.

حركة حرية كردستان منتصرة الآن. إنتصرت عسكرياً على حملة الحرب التركية وهزمت الجيش التركي في ملحمة quot;زابquot; الشهيرة شباط 2008، بينما سددت سياسياً ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية المدعوم من الجيش ومؤسسات الدولة والإعلام، حينما الحقت به خسارتين سياسيتيّن كبيرتيّن في الإنتخابات البلدية الأخيرة آذار 2009 وأثناء مقاطعة التصويت على تمرير دستور الإنقلاب العسكري أيلول 2010. لقد ظهرت القوة الكردية متمثلة في حزب العمال الكردستاني، وعلمت كل الأطراف التركية والأميركية والكردية الجنوبية، بأن النيل من حركة حرية كردستان صعب جدا ولن يتحقق أبداً.

المخططات التركية خبيثة وترمي إلى بث الفتنة وخلق نزاع كردي كردي. حزب العدالة والتنمية يتحرك سياسياً لكي يؤثر في القيادات الكردية في الجنوب أملاً في دفعها الى الصدام مع حزب العمال الكردستاني. كل هذه الإتصالات الدبلوماسية والممثلية التركية في quot;أربيلquot; وزيارة مسعود البرزاني رئيس الاقليم ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ونائبه نيجيرفان البرزاني، والوفود الرفيعة المستوى التي تصل quot;أربيلquot; للمشاركة في المناسبات المختلفة، فضلاً عن التغلغل الإقتصادي التركي الرهيب، كل ذلك له هدف واضح محدد هو التأثير في قوة حزب العمال الكردستاني ومحاولة دفع القوى الكردية المسلحة لمهاجمته.

حكومة اقليم كردستان لم ترضخ حتى الآن للضغوط التركية. لقد كانت تصريحات رئيس الاقليم ونائبه متوازنة ومعتدلة طالبت تركيا دائما بالحوار مع حزب العمال الكردستاني وتحدثت عن أن الحرب لن تحل القضية الكردية. كما كان هناك ترحيب كبير بقرار حزب العمال الكردستاني وقف اطلاق النار لمدة نصف عام، حيث طالبت حكومة اقليم كردستان الحكومة التركية باقتناص الفرصة والبدء بالحوار مع الحركة الكردية في الشمال.

وهناك حقيقة ساطعة هنا عملت على احداث تغيير إيجابي واضح في موقف قوى جنوبي كردستان، وهو قوة الثبات والنضال الجبارة التي ملكها حزب العمال الكردستاني، والالتفاف الجماهيري الهائل حول هذا الحزب في شمال كردستان. قوى جنوبي كردستان تعلم حقيقة حجم وقوة حزب العمال الكردستاني ومدى انتشاره وسط جماهير الامة الكردية، لذلك هي ترفض أي صدام معه وتحاول اقناع الدولة التركية بالحوار بدل المساعي المبذولة حالياً من اجل اطلاق حرب كردية كردية.

قلنا مراراً بان قوى اقليم جنوب كردستان غير مضطرة لمحاربة حركة حرية كردستان. لايوجد شيء يجبرها على ذلك. فالجيش التركي لم ينجح في حسم الحرب مع هذه الحركة. وحزب العدالة والتنمية ورغم كل مكائده ومؤامرته فشل هو الآخر في النيل من الحراك السياسي الأوجلاني في الشمال، لذلك فإن المصلحة تقتضي التنسيق وممارسة المزيد من الضغط على أنقرة من أجل دفعها إلى الحوار والتفاوض. حكومة اقليم كردستان الجنوب قادرة على تفعيل علاقاتها الدولية من اجل فعل هذا الشيء.

المؤتمر القومي الكردستاني ضرورة ملحة الآن. أنظار الشعب الكردي متعلقة بهذا المؤتمر وبالقرارات التي ستتمخض عنه. من المهم جداً أن يؤكد المؤتمر على حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، وعلى حقه في الكفاح المسلح مادامت الأنظمة القامعة ترفض الإعتراف بهويته وتحاول قهره بالحديد والنار. من المهم أن تتفق القوى الكردستانية حول كركوك وأن تعلن تمسكها بهذه المدينة العزيزة وتبدي إستعدادها للدفاع عنها.

الشعب الكردي يمتلك طاقات كبيرة وجبارة وهو قادر على تحقيق اهدافه اذما فعّل هذه الطاقات. تجربة حزب العمال الكردستاني تظهر قدرة التنظيم الصحيح وكيفية تفجير طاقات الامة الكردية. أكثر من ثلاثين عاماً وحزب العمال الكردستاني يحارب ويبني. الآن وبعد كل هذه السنوات نرى واقعاً جديداً في شمال كردستان. الإنسان الكردي تحرر تماماً وها هو الآن منشغل بالمطالبة بحق التعليم باللغة الكردية وبتشكيل quot; الإدارة الذاتية الديمقراطيةquot; ولم تبقى في كردستان سوى آلة الحرب والطغيان التركية البغيضة، المنشغلة بمطاردة الأطفال وكم أفواه السياسيين والوطنيين الكرد.

الأمة الكردية لها الحق في رسم مستقبلها والدفاع عن أمنها القومي. هناك أخطار كبيرة تتهدد الكرد الآن. هناك عيون تتربص بهم في الشمال والجنوب. على الكرد ان يكونوا مستعدين لأي تغيير في خارطة المنطقة. هناك ملفات كبيرة تتحرك الآن. الملف النووي الإيراني واحتمال اندلاع حرب اسرائيلية مع المنظمات المدعومة سوريا وايرانيا. كل هذا يجب أن يٌحسب حسابه. حزب العمال الكردستاني درع الشعب الكردي في الجنوب. هذه حقيقة يعرفها كل المسؤولين الجنوبيين. حزب العمال الكردستاني ومن خلال نضاله وكفاحه قوّى من موقف حكومة اقليم كردستان امام كل من تركيا وايران. لذلك فإن مساندة حزب العمال الكردستاني وامداده بكل مايحتاجه واجب قومي على كل جهة وحزب وشخص كردي.

المؤتمر القومي الشامل سينجح فيما لو شاركت فيه كل الأطراف بعيداً عن الدول القامعة وتدخلاتها. وليعلم الجميع بأن الكرد لهم كل الحق في التجمع وإطلاق مؤسساتهم القومية أسوة ببقية الشعوب الأخرى.

[email protected]