بعد التصريح الاخير لرئيس اقليم کوردستان مسعود البارزاني بخصوص تقرير مصير الکورد، أثير الکثير من الکلام و اللغط بصدد مستقبل الاقليم الکوردي ولاسيما من جانب الاوساط السياسية و الاعلامية(العربية و الاقليمية)، حيث رفضت معظم تلك الاوساط موقف البارزاني و إستنکرته جملة و تفصيلا، بل وان اوساطا اخرى ذهبت أبعد من ذلك، عندما سعت لتعبئة الموقفين العربي و الاسلامي ضد المطالب الکوردية و شبهتها بإسرائيل جديدة يتم تأسيسها في الوطن العربي مشددة على ضرورة التصدي الفعال للمؤامرة الجديدة و إفشالها و عدم السماح لها بفرض نفسها کأمر واقع.

موقف مسعود البارزاني، جاء في خضم الاستعدادات الجارية على قدم وساق للإستفتاء على مصير إقليم جنوب السودان والذي تذهب أغلبية الآراء و المواقف الى أن الانفصال سيکون القرار الاکثر توقعا و حسما من جانب شعب جنوب السودانquot;والذي نراه مسألة وقت ليس إلاquot;، وحتى أن معظم الاوساط السياسية و الاستخبارية الاقليمية و الدولية تتصرف وکأن قرار الانفصال أمر مفروغ منه، في هذا الوقت بالذات، يرتفع صوت البارزاني مطالبا بحق تقرير المصير للکورد، وهو مطلب يبدو انه لايتفق مع الخط العام للتوجهات الرسمية و الشعبية في عموم المنطقة، موقف البارزاني هذا على الرغم من مضي فترة زمنية عليه، لکن لايبدو في الافاق ان دولاب النسيان سيطويه ذلك أن العديد من الاوساط الاعلامية و الخبرية باتت تتناقله و ترکز عليه بالتحليلات و الاستفتائات المختلفة وکأن الشعب الکوردي قد حزم أمره و إتخذ قراره النهائي بالانفصال عن العراق، وفي هذا الخضم، ترکز وسائل إعلامية مؤثرة في العالم العربي على هذه المسألة و تطرح القضية لنوع من الاستفتاء و التصويت بسياق يظهر الکورد وکأنهمquot;بني اسرائيلquot;آخرون يستعدون للإنقضاض على بقعة أخرى منquot;الوطن العربيquot; ليؤسسوا کياناquot;غاصباquot;آخرا ينغرز کخنجرquot;مسمومquot;جديد في الخاصرة العربية، والامر المثير للإنتباه، هو ان غالبية الذين صوتوا او قد تم إستفتاء آرائهم، رفضوا منح الشعب الکوردي حق الانفصال و شددوا على أنه لامناص من بقائه ضمن الکيان العراقي. والغريب، ان هذا الموقف العربي يأتي في وقت نجد فيه نوعا من الانفتاح الترکي على الحقوق المشروعة للکورد بإتجاه البحث عن حل أمثل للقضية الکوردية هناك والتي يبدو أنها قد صارت بشکل او بآخر شغلا شاغلا للعديد من الاوساط السياسية الترکية النافذة، وبهذا فإن الموقف العربي يسجل تراجعا ملحوظا بإتجاه الموقف من المطالب الکوردية فيما يحقق الاتراكquot;کموقف سياسي من المطالب الکورديةquot;، تقدما نسبيا مهما لهم في هذه الفترة الحساسة وهو أمر جدير بالدراسة و التحليل و المتابعة.

ان الموقفين الشعبي و الرسمي العربيين من القضية الکوردية، وان لم يسجلا تقدما نسبيا جدير بالملاحظة، لکنهما مازالا ينظران للقضية من زاويةquot;المؤامرةquot;وquot;إسرائيل ثانيةquot;، في الوقت الذي نجد فيه ان إسرائيل لم تکن قد تأسست او استمرت لولا الدعمquot;الرسميquot;العربي المقدم لها من جانب العديد من الانظمة العربية، وحتى أن هنالك العديد من الانظمة العربية تقوم بممارسة سياسةquot;مزدوجةquot;تبدو في ظاهرها وکأنها تعادي إسرائيل، لکنها وفي جوهرها تتودد و تتقرب للدولة العبرية بمختلف الوسائل و السبل ولسنا نذيع سرا فيما لو أکدنا بأن هنالك أکثر منquot;10quot;دول عربية تسعى بشکل او بآخر لمد جسور العلاقة و التعاون معquot;الکيان الغاصب للقدس!quot;، ان اسرائيل التي تشکلت اساسا من لم شتات الشعب اليهودي من شتى ارجاء العالم، لايمکن مطلقا مقارنته او تشبيهه بالشعب الکوردي الذي يعيش على أرضه و قدم تضحيات جسيمة و غير عادية من أجل نيل مطالبه و حقوقه المشروعة، وان تشبيهه باليهودquot;مع إحترامي و تقديري للشعب اليهودي و لدولة اسرائيلquot;، هو أمر غير منطقي و بعيد عن الواقع و الحقيقة، رغم أن اسرائيل قد باتت تحظى بدعم و اسناد عربيquot;غير مباشرquot;لايمکن إنکاره ولاسيما بعد مد جسور التعاونquot;الاقتصادي و العلمي و الامنيquot;معها وهو أمر بتنا نتلمسه من بلدان الخليج الى بلدانquot;المحيطquot; و مرورا بما بينهما، فلماذا هذه الحملة الشعواء ضد مطلب شرعي للکورد، وهل ان الاقرار بالمطلب المشروع للکورد والمتجسد بحق تقرير المصير يعني معاداة الامة العربية و الوقوف ضدها؟!

ان الذي يقرر مصير الشعب الکوردي ليس مسعود البارزاني و لا جلال الطالباني و لا الامة العربية او الترکية او الفارسية، وانما هو الشعب الکوردي بذاته ذلك أن حق تقرير المصير في وسط کالوسط(العربي/الترکي/الفارسي) بقدر ماهو صعب و معقد لکنه ليس بمستحيل ذلك أنه quot;إذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد أن يستجيب القدرquot;، وان ماتحقق في کوسوفو و تيمور الشرقية وامارات الخليج، سيتکرر حتما في کوردستان.