على الرغم من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الحكم في مصر، فإن حالة من الحراك السياسي بدأت تدب في الشارع المصري، بعد الإعلان عن تشكيل البرلمان الشعبي من نواب سابقين في مجلس الشعب، مستقلين، وأخوان، ومعارضة، وحين سئل أحد النواب الرئيس مبارك عن رأيه في البرلمان الموازي قال quot; خليهم يتسلوا quot; وكأن هذه المرحلة الانتقالية الحرجة تحتاج إلى التسلية، في حين تعالت أصوات جماعات سياسية تقودها الجمعية الوطنية للتغيير بضرورة العمل في اتجاه التغيير، الذي بات وشيكا، والدعوة للعصيان المدني الذي أطلقها الدكتور محمد البرادعي لا تزال تلقى صدى واسعا في ظل حالة الفوضى الحاصلة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في حين يحاول النظام إجهاض أي محاولة للعصيان.

واعتقد أن تشكيل جمعية تشريعية وطنية quot;برلمان شعبيquot; يضم نوابا سابقين، وممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية، والشخصيات العامة، ردا على الانتخابات التشريعية الأخيرة، خطوة نحو التغيير فالتغيير في أوربا الشرقية بدأ بإنشاء برلمانات موازية، وهي مؤسسات شعبية تضع مشروعات القوانين، وتراقب أعمال السلطة التنفيذية الممثلة في (الحكومة ورئيس الجمهورية) وتعد التقارير والبيانات بشأن السياسة العامة للدولة، والخطط العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة، وتعرضها على الرأي العام الذي يقوم بممارسة دوره الطبيعي كصاحب مصلحة في الضغط السلمي المشروع نحو إقرارها.. ويتكون (البرلمان الشعبي) من مئة وعشرين عضوا في دور الانعقاد الأول الذي يبدأ في أول يناير المقبل.

وقبل أن نرى أولى جلسات البرلمان الشعبي فإن السؤال المطروح هو: هل إنشاء البرلمان الشعبي مجرد خطوة احتجاجية، كغيره من حركات الاحتجاج أم هو تعبير عن اليأس من الإصلاح السياسي؟. ربما يفسر تعليق الرئيس مبارك على البرلمان الإجابة على هذا السؤال، لكن يبقى البرلمان الشعبي مؤسسة معارضة يمكن أن تشكك في شرعية النظام الحاكم، وتلفت نظر قوى المجتمع المدني وحقوق الإنسان كي تتحرك لمؤازرة المطالبين بالتغيير، وهو في ذات الوقت صرخة احتجاج تعبر عن أزمة في النظام السياسي المصري.

وربما تتعاظم أهمية البرلمان الشعبي في حال نجاح نوابه في تحريك الشعب للطعن على القوانين التي سيتم التصديق عليها في البرلمان الرسمي، ونجاحه الأكبر سيكون في مدى استعانته بفقهاء القانون وخبراء السياسة لتقديم شكاوى إلى القضاء والمنظمات الإقليمية والدولية لإثبات بطلان مجلس الشعب الحالي.
سبق البرلمان الشعبي تشكيل حزب الوفد لحكومة الظل محاكاة للمملكة المتحدة والنظم الديمقراطية، حيث يريد الحزب أن يكون ندا للحكومة، وهو أسلوب جديد على العمل الحزبي في مصر، ويبدو أن الوفد يريد ترسيخ القواعد الديمقراطية بعد الفوز التاريخي للسيد البدوي بالرئاسة في انتخابات ديمقراطية، وأتمنى ألا تتداخل مهام حكومة الظل مع مهام البرلمان الشعبي، وألا يكون دورها رقابيا، بل تمارس دورا فعليا، وتطرح برنامج عمل موازياً لبرنامج الحكومة، وتقدم البدائل حتى يعرف الشعب، فقد يأتي يوما ويفوز فيه الوفد بأغلبية مقاعد البرلمان ويشكل الحكومة.

ورب ضارة نافعة، فانتخابات مجلس الشعب المثيرة للجدل وحدت صفوف قوى المعارضة في مصر، بدليل أن الجميع شاركوا في رفع دعاوى قضائية،وتصاعدت لهجة البرادعي ضد النظام، لدرجة أن رجل دين مغمورا طالب بإهدار دمه، وينقص البرادعي فقط النزول للشارع، والالتحام بالجماهير، وقيادة المظاهرات السلمية، والاستعداد لمعركة انتخابات الرئاسة، فلا يكفي المطالبة بتفعيل التوقيع على المطالب السبعة للإصلاح، وتقديم الرسائل عبر الفضاء الالكتروني، بل الاقتراب وبث روح الأمل في نفوس المصريين بأن التغيير بات وشيكا.

ولن يكون الطريق أمام التغيير مفروشا بالورود، فلابد من الاستعداد لكل الاحتمالات من اعتقال وسجن وتعذيب فهذا هو ثمن الحرية، فالأيام تمر سريعا وإذا فتر الحماس فلن يتغير شيء، وقد سأل بعض الشباب الصحفي خيري رمضان عن توقعاته بشأن مستقبل مصر فقال :quot;إن هذا النظام سيبقى وعلينا أن نتكيف معه quot;. وهذا القول يهدف إلى بث اليأس في النفوس ولا مكان لليأس في نفوس المصريين إذا أرادوا فعلا أن يعيشوا حياة كريمة، ورغبوا فعلا في استعادة دور مصر الريادي.

إعلامي مصري