تابعت بكثير من الدهشة الكتابات والتحليلات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام العربية مؤخراً حول تخطيط روسيا لاحتلال مكانة متقدمة ضمن الأطراف الفاعلة علي مستوى ملف الصراع العربي الإسرائيلي quot; بعد نفاذ صبرها حيال فشل الدبلوماسية الأمريكية في هذا الخصوص!! وما ينتظر أن ينجم عن ذلك من تبديل للأدوار وعودة ميمونة وواعدة للدبلوماسية الروسية..

وأزعجني أكثر أن تُبني هذه الآراء علي النتائج المتواضعة التي خرجت بها ورشة العمل التي عقدت في مالطة يومي 9 و 10 من الشهر الحالي بدعوة من تجمع quot; فالداي quot; الذي أسسته وكالة الأنباء الروسية عام 2004، بينما التوصيات التي تمخضت عن قمة حلف الناتو الأخيرة التي عقدت قبلها بنحو ثلاثة أسابيع ( 19 و 20 نوفمبر ) في لشبونة لا تتعارض فقط مع نتائج ما توصلت إليه ورشة عمل مالطة الروسية البحثية المشتركة ولكن تهزأ بها وتزدري بأي احتمالات لتفعيلها علي الأقل في المستقبل القريب..
في مالطة..

شاركت مجموعة كبيرة من الباحثين الروس والمتخصصون في شئون الشرق الأوسط وعدد كبير أيضاً من الدارسين والمهتمين بذات الملف علي مستوي بعض دول المنطقة وإسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، تحت شعار استطلاع الرأي الدولي حيال القضايا الساخنة التي تُشكل مخاطر من وجهة النظر الروسية..
جاء ملف quot; تفعيل دور اللجنة الرباعية الدولية quot; في الشرق الأوسط علي قمة أجندة ورشة عمل مالطة هذه باعتبار أن موسكو لاحظت في الآونة الأخيرة أن مسيرة السلام وصلت إلي طريق مسدود quot; بسبب فشل واشنطن المتواصل في معالجة ملف السلام بين إسرائيل والسلطة الوطنية والصراع العربي الإسرائيلي ككل quot; وأنه قد آن الأوان للبحث عن خطوات بديلة ومشاركات ايجابية من أطراف أخري quot; لإنقاذ عملية السلام برمتها quot;..

قالت أحدي الأوراق أن فشل الإدارة الأمريكية الحالية في إقناع إسرائيل باستكمال المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية عن طريق وقف البناء في المستوطنات quot; يُنبأ بتراجع أسهم الرئيس باراك أوباما في هذا الخصوص خلال السنتين الباقيتين له في البيت البيضاوي.. ومن هنا لا بد ndash; كما استنتجت أوراق أخري - من إعادة النظر في مجمل العملية السلمية عن طريق..

1 ndash; العودة إلي صيغة المفاوضات متعددة الأطراف..
2 ndash; توسيع إطار اللجنة الرباعية بضم قوي دولية لها مثل الصين والهند وقوي إقليمية مثل تركيا وإيران، باعتبار أن كل منها لها وزنها في العملية السلمية..
3 ndash; العمل مع دول الاتحاد الأوربي لتحفيز فكرة المحادثات التمهيدية التي تقود لمفاوضات مباشرة..
4 ndash; العمل علي استبدال توني بلير ممثل اللجنة الرباعية في المنطقة الذي أتسم الملف علي يديه بالكثير من الركود، بآخر يكون أكثر قدرة علي تحريك العملية ضمن مجموعة جديدة من الأفكار المؤثرة..
5 ndash; أن تتمسك روسيا والقوي الأخرى المنضمة للجنة بالحاجة إلي وضع العملية السلمية ضمن أفكار النظام الأمني الذي تخطط له واشنطن في الشرق الأوسط كتكتل جغرافي..
تتسم هذه الأفكار بصعوبة تنفيذها، فبرغم حاجة موسكو إلي دور فعال ومؤثر علي مستوى هذا الملف ضمن علاقاتها الجيدة مع العدد الأكبر من الدول العربية ( المعتدلة والممانعة ) وما شهدته علاقتها بإسرائيل من تعزيز في الآونة الأخيرة.. إلا أنها لا تملك مقومات التأثير علي الأطراف الأخرى ndash; خاصة واشنطن - لإقناعها بأن يكون لها ndash; أي موسكو - دور اكبر مما هو متاح لها في الوقت الراهن، كما أن إسرائيل ستظل رافضة لتوسيع دورها مهما ترسخت العلاقات بين الطرفين..
حتى الأوراق التي أبدت تخوفاً حيال تصاعد مؤشرات تنامي الأضرار التي يمكن أن يلحقها quot; الإرهاب العالمي quot; بالدول الغربية فيما لو ظل طريق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين مسدوداً وبقيت هي في الساحة الدولية بلا عقاب رادع أو ضغوط تثنيها عما تصر عليه من اعتداءات متواصلة علي الشرعية الدولية، لم تأت بجديد يمكن أن يثلفت نظر واشنطن علي وجه التحديد ويقنعها بتبني النتائج التي توصل إليها المشاركون في ورشة عمل مالطة..
أيضاً لم تُقدم الورقة التي أبدت مخاوف متعددة علي مستوى الأمن والسلم العالميين فيما لو بقي حل الدولتين في ثلاجة إسرائيل السياسية مدة أطول، وما قد ينجم عن ذلك من تزايد وتيرة عمليات النضال التحرري الفلسطيني المسلح والعنف المضاد الإسرائيلي.. لأنها توقعت بنسبة محدودة اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يُنتظر معه أن تتحرك الولايات والاتحاد الأوربي للعمل علي منع هذه الحرب quot; المتوقعة quot; بالضغط لوقف السياسات الإسرائيلية المعادية للسلام..
في لشبونة، حدث عكس ذلك تماماً..

علينا أن نقيس نتائج هذه القمة من زاوية أن إسرائيل أصبحت منذ عام 2006 الدولة الوحيدة غير الأوربية التي تشارك في مجالات التعاون مع أعضاء حلف الناتو ضمن حوالي 30 برنامج أمني ومعلوماتي وعسكري quot; كون الطرفان يشتركان في رؤية إستراتيجية موحدة حيال المخاطر التي تهدد السلم والأمن العالميين في منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط ومنطقة البحر الأحمر حتى المحيط الهندي quot;، الأمر الذي وفر لها خلال السنوات الأخيرة الحق ndash; المتساوي مع الآخرين - في القيام بتدريبات بحرية مشتركة مع أعضاء الحلف في البحرين الأحمر والمتوسط وكذا تدريبات جوية في شرق وغرب أوربا..

لذلك لا نتجاوز الحقيقة عندما نقول أن إسرائيل ستستفيد استفادة عملية بالغة، عند وضع أهداف خطة العمل التي أقرتها قمة الرؤساء في برشلونة موضع التنفيذ، أنها تسعي إلي..
1 ndash; تطوير العلاقات بين إسرائيل وعدد من دول الشرق الأوسط، لتطوير آليات الحوار المتوسطي لتعزيز فرص الاستقرار في المنطقة..
2 ndash; تحديث اهتمام دول الحلف بالاستقرار والأمن في منطقة الخليج عن طريق تطوير علاقات الناتو بدول المنطقة ومن بينها إسرائيل..
3 ndash; التمهيد لقيادات الحلف للقيام بالتدخل المناسب لوقف ما قد يترتب علي تدهور أوضاع بعض دول المنطقة وفي محيطها الأفريقي، سواء كان سبب ذلك نزاعات داخلية أو متعدية للحدود..
لإسرائيل في هذه الخطة دور مرسوم وفق محددات المفهوم الإستراتيجي quot; المستحدث quot; لحلف الناتو الذي يقوم علي المرتكزات الأساسية التالية..
أولاً.. الدفاع الجماعي المتعدد الأطراف..
ثانياً.. الردع الجماعي المتعدد الأطراف..
ثالثا.. إشراك دول شرق أوسطية في دعم موارد الحلف المادية..
رابعاً.. إفساح المجال لإدارة أي أزمة يتعرض لها الإقليم وفق الخطط التي تضعها قيادته..
خامساً.. وضع أمن واستقرار المنطقة علي قمة اهتمامات الحلف..

وهكذا بينما يَبني البعض تحركاته السياسية وفق رؤية غائمة غير مؤسسة علي واقع ملموس، تقوم إسرائيل بتطوير إمكاناتها وتوسع من مدي قدراتها العسكرية العدوانية quot; تحت شعار الدفاع عن النفس quot; ضاربة عرض الحوائط بمتطلبات السلام هازئةً بمقترحات معاقبتها علي رفضها احترام الشرعية الدولية..
وفي حين يتبادل البعض الرأي حول كيف يمكن تفعيل دور الرباعية الدولية!! وكيف يمكن إقناع واشنطن بممارسة دور أكثر ايجابية علي مستوي ملف الصراع العربي الإسرائيلي ككل، حصدت إسرائيل خبرة تدريبية علي أعلي مستوي حين شاركت للمرة الثالثة في المناورات الجوية التي أجراها أعضاء حلف الناتو انطلاقاً من قاعدته في جزيرة سردينيا ndash; بالتزامن مع انعقاد قمة لشبونة ndash; حيث أتيح لطائراتها التحليق في دائرة أوسع وأجواء ابعد من مجاليها المحلي و الإقليمي!! وسُمح لهم بالتعرف علي أساليب قتالية لم يتعرفوا عليها بشكل عملي من قبل..

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]