المنظر كالتالي.. فتاة تتلوّى من ضرب السياط التي تلهب جميع أنحاء جسمها بوحشية مقيتة على مرأى من كثير من المتفرجين، ترتدي عباءة سوداء تغطي جميع أجزاء جسدها، تجثو على الأرض بركبتيها فيما يتناوب على ضربها عصبة من أفراد الشرطة وكأنهم حين يتعب أحدهم من جلدها يمسك الآخر زمام الضرب، وذلك دون أن نعرف موجبات ذلك الضرب.

هذه الصورة القاتمة سجلتها كاميرا ونشرتها مؤخرا في الإنترنت لفتاة سودانية أعادت الى الأذهان بطش نظام طالبان الأفغاني، ولا يخفى ما في أسلوب العقاب من وحشية وهمجية، فإذا كان الذي جرى وفقا للشرع الإسلامي فإن الجلد له طريقته المحددة، وهو ما لم نلحظه في الواقعة المؤسفة، وقد بدا واضحا على وجوه الجلادين مشاعر الغبطة والسرور لما يفعلون، إذ أنهم كانوا يضحكون فيما الضحية تزحف على ركبتيها تهرب ذات اليمين والشمال من لهيب السياط التي تنال منها من حيث لا تدري.

أسلوب العقاب الوحشي يؤكد أن المرأة العربية تحديدا تقع تحت بطش قوة ذكورية ضيقة الأفق، إذ ليس في الأمر ما يستدعي تلك الضحكات والابتسامات المجانية لإمرأة ضعيفة أيّا كان ذنبها وهي تتلقى السياط بكل قوة أولئك الرجال، بدأت رؤية بانورامية لواقع انتهاك حقوق المرأة من تلك المشاهد المقززة التي عرضتها إحدى الفضائيات باعتبارها آخر ما رشح من ظلم واحتقار وإهانة المرأة وليست الأخيرة، فذلك جزء من كرة الثلج الحقوقية التي تتعرض فيها المرأة العربية لسلطة أصفها أسفا بالغبية، فمثل أولئك الرجال ليسوا بدون خطايا وأخطاء، ولو كانوا بدونها أتحداهم أن يرموها بحجر، ولكن معايير الحساب القيمي لدينا منهارة وتركز على النساء دون الرجال وذلك أول الخلل في فكرنا وثقافتنا الاجتماعية بصورة عامة.

دائما هناك شطط وإجحاف بحق المرأة العربية، رغم أن جميع الأديان يوصين بالنساء خيرا، ولكن الذي ضاع من الأمانات كثير حتى أصبحت الوصاية بالنساء متروكة بجهالة عمياء أو مزاجية نكراء، ولأدلل على ذلك فإن كثيرا من الدراسات والإحصائيات تؤكد أن المرأة الفلسطينية والعراقية أكثر النساء معاناة من العنف، ففي فلسطين تعاني المرأة بشكل يومي من العنف الذي يسببه الاحتلال الإسرائيلي، و من مظاهر المعاناة فقدانها للهوية الشخصية، وحريتها في التنقل الداخلي والعمل والسفر، بحيث لا يتم ذلك إلا بتصاريح من الحكم العسكري الإسرائيلي، الذي يشن عليها حملة عنف قوية بإجراءاته القمعية و تحرشاته المختلفة، كما تتعرض إلى الاضطهاد من طرف الأسرة التي تمارس ضدها أنواعا متعددة من العنف، و سيطرة كبيرة تكبل تصرفاتها و حريتها الشخصية، أما المرأة العراقية فليست أقل حظا منها فيما تعانيه من العنف الممارس عليها بسبب الحروب الدائرة إذ تنال في ظل هذه الظروف نصيبا مزدوجا من الانتهاكات الجسيمة في حق جسدها، وتؤكد دراسات أن حوالي ثلثي النساء العراقيات المتزوجات تعرضن لتجارب العنف النفسي و21 في المائة منهن تعرضن للعنف الجسدي على أيدي أفراد من العائلة.

وفي لبنان أشارت إحدى الصحف إلى أن ثلث نساء لبنان يتعرضن لحوادث التحرش أو الاعتداء أو الإساءة اللفظية، وفي الأردن كشفت دراسة عن نسبة النساء اللواتي يتعرّضن للعنف الأسري بلغت 97%، ومن واقع عينة الدراسة هناك (54.6) بالمائة تعرضن للعنف الشديد، و(52) بالمائة يعتقدن بأنهن مهما فعلن لا يمكنهن الخلاص من وضعهن الراهن على اعتبار أن علاقتهن الزوجية يسودها العنف، فيما وافقت (41.7) من النساء على أنه من حق الزوج معاقبة الزوجة إذا أذنبت، وأوضحت الدراسة أن (97.5) من النساء اللواتي يتعرضن للعنف لا يتصلن بالجهات الأمنية مع أن نسبة الزوجات اللواتي لا يشعرن بالأمن في بيوتهن بلغت (54) بالمائة، فيما تشعر (55.3) بالمائة من العينة بالخجل مما يفعله بهن الزوج، وتقل النسبة قليلا للواتي يشعرن بالخوف من الزوج لتصل إلى (53.5) بالمائة، أما النساء اللواتي يشعرن بالخوف من كشف حقيقة إساءة أزواجهن لهن فتصل إلى (52.5) بالمائة حسب الدراسة.

وقد كشف تقرير رسمي عن العنف ضد النساء العربيات صدر في العام 2002 أن امرأة مصرية بين كل ثلاث نساء تعرضن للضرب في ذلك العام، وأن النسبة تصل الى ما يزيد عن النصف فيما يتعلق بالضرب عموما أثناء فترة الزواج، وأن حوالى خمسة وأربعين بالمائة منهن تعرضن لضرب مرة على الأقل في ذلك العام، بينما وصل عدد من تعرضن للضرب من ثلاث الى ست مرات في نفس الفترة الى سبعة عشر بالمائة، وأن عشرة في المائة من النساء اللاتي تعرضن للضرب بدرجة استدعت تدخلا طبيا، كما تعرضت حوالي اثنين وثلاثين بالمائة من النساء للضرب أثناء فترة الحمل.

ان المشكلة المزمنة في مجتمعاتنا تلك التي تتعلق بجرائم الشرف، وبحسب إحصائيات قديمة نوعا ما ولكنها تظل حاضرة بمرارتها سجلت اليمن 40 جريمة قتل ضد فتيات ونساء بسبب جرائم الشرف، بحسب مصادر اليونيسيف في العام 1997م، وفي الأردن أكدت دراسة أجراها اتحاد المرأة الأردنية نشرت عام 1998 أن القتل على خلفية الشرف يمثل 55% من نسبة جرائم العنف الموجه ضد المرأة، 75% متعلقة بصلة الجاني بالضحية، واحتل الأخ نسبة 75%، وفي مصر أكدت دراسة شملت الفترة من 1998الى 2000 أن أسباب ارتكاب جرائم الشرف ترجع لعدد من المتغيرات منها القتل لمنع إظهار العلاقة مع العشيقة، وبلغت نسبته 6%، الشك في السلوك يمثل 79%، واكتشاف الخيانة واعتراف الضحية بنسبة 9%، و6% قتل لأسباب أخرى كاعتداء الأخ على أخته جنسيا أو اعتداء الأب على ابنته وظهور علامات الحمل عليها.

الإحصائيات والدراسات السنوية والفصلية تكشف عن أرقام ونسب مخيفة في حق المرأة العربية، وذلك لا يحدث بهذه الصورة البشعة والمتوالية والكريهة إلا في المجتمعات العربية، فالمرأة لا يمكن أن تكون جسرا لكل إسقاطات الرجال وعيوبهم العقلية والنفسية، وعمليا ومنطقيا فإن هذا الواقع يكشف عن خلل ذكوري وليس بالضرورة نتيجة لأخطاء المرأة، فهي بهذا الحال مهزومة ومقهورة ومن الصعب أن تمارس دورها وحقها في الحياة بصورة عملية تسهم في تطور النظام الاجتماعي العرج والمعطل بأمر السلطة الذكورية الطاغية، وما لم نغير من أنفسنا وحالنا فلن يغير الله من حالنا، وسنبقى بحال العرج والأعور والمختل ذهنيا الى أن يستقيم وضع المرأة ويحترمها السادة الرجال، إما هذا أو يستمر الطوفان وهزيمة الرجال الداخلية، إذ لا يمكن أن يصعد رجل الى ما يريد على أكتاف امرأة ضعيفة ومستضعفة وضحية لرؤية ظلامية وقاسية.


إعلامية سعودية*