في منافسات كرة القدم يحاول كل فريق أن يكسب الفريق الآخر، وعندما تتنافس الدول لاستضافة المونديال تستخدم كل دولة كل ما لديها من إمكانات للحصول على شرف تنظيم المونديال، وحين تنتصر في نهاية المطاف يكون وطن بأكمله قد أطاح بمنافسيه وهزمهم شر هزيمة، تماما مثلما حدث مع قطر التي علا اسمها على أسماء دول كبرى كالولايات المتحدة واليابان واستراليا كوريا الجنوبية، لتحصل على شرف استضافة كأس العالم 2022، بعد أن حصدت أربعة عشر صوتا من أصل اثنين وعشرين هم أعضاء الفيفا مقابل ثمانية أصوات للولايات المتحدة، وخروج استراليا وكوريا الجنوبية واليابان، قطر هذه الدولة الصغيرة المساحة الكبيرة بطموحاتها وإمكانياتها.

رأيت الفرحة في عيون أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وهو يقولquot; الله يبارك فيكم الله يبارك فيكم quot; ونحن نهنئه بحصول بلاده على شرف تنظيم المونديال، حين كان يغادر القاعة بقصر الإمارات عقب الجلسة الختامية لقمة مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي في الثامن من الشهر الجاري، قدم الأمير للفيفا أبنائه quot;مجموعة من الشباب الواعدquot; الذي يتقن اللغات الأجنبية ليقول إن هؤلاء الشباب هم من سيتولون مقاليد الأمور في قطر وسيلتزمون بتعهداتهم تنظيم بطولة يفخر بها العالم.

تضمن الملف القطري لاستضافة كأس العالم 2022 صورا لاثني عشر ملعبا مكيفا لا تتعدى درجة الحرارة فيها ستا وعشرين درجة مئوية، صديقة للبيئة خالية من انبعاث الكربون، قدرتها الاستيعابية نحو خمسين ألف متفرج، ويستطيع عشاق المونديال حضور ثلاث مباريات في اليوم حيث لا تتعدى المسافة بين الملاعب ثلاثين دقيقة، فضلا عن منشآت فندقية ووسائل نقل حديثة وأماكن ترفيهية.

بذكاء كبير قدمت قطر ملفها للفيفا بلغات حية، فقد بدت حرم الأمير الشيخة موزه في غاية الأناقة واللباقة، وهي تقدم ملف بلادها بلغة انجليزية راقية لتقدم صورة جديدة للمرأة الخليجية، غير الصورة النمطية السائدة، ويقدم نجلها الشيخ محمد بن حمد الملف باللغة الفرنسية بحماس وحب كبيرين، ويتحدث المدير التنفيذي حسن الذوادي عن ملف قطر باللغة الاسبانية، في رسالة واضحة للعالم والفيفا مفادها quot; لا تقلقوا.. لدينا من يتقن لغات العالم.. من يتحدث مع الدول الناطقة بالاسبانية.. ومن يتحدث مع الدول الناطقة بالفرنسية.. ومن يتحدث مع الدول الناطقة بالانجليزية.

هذا هو من يقبل تحدي تنظيم المونديال يكسب حدثا رياضيا تلعب فيه السياسة دورها، وإلا ما الذي دفع الرئيس الأمريكي quot;باراك اوباماquot; إلى القول: quot;إن الفيفا اخطأ خطئا جسيما حين منح قطر شرف تنظيم البطولةquot;. اوباما الذي لا يضمن فترة رئاسية جديدة في الانتخابات المقبلة، كان يرغب في أن تحظى بلاده بشرف تنظيم المونديال، لعل ذلك يسهم في تحسين صورته أمام الرأي العام الأمريكي، لكن الفيفا وأعضاء الفيفا كان لهم رأي أخر ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم quot;جوزيف بلاترquot; يصف إسناد شرف البطولة لقطر quot;بسداد دين للعالم العربيquot; بعد أن حاولت مصر والمغرب.

هنيئا لقطر دخولها تاريخ لعبة كرة القدم من أوسع أبوابه، باستضافة أهم بطولات العالم ويحق لها أن تفرح ويحق للعالم العربي أن يشاركها فرحتها فاسمها سيطغى على الفائز بالبطولة بعد نحو احد عشر عاما من الآن، أتمنى أن تظهر دول عربية أخرى تقرر فجأة أن تنافس اليابان في نهضتها الصناعية والتكنولوجية، وتثبت للغرب أنها قادرة على المنافسة فتبدأ انطلاقة كبرى في مجالات مهمة مثل غزو الفضاء، والهندسة الوراثية والحاسب الآلي، وتصنع اقتصادا قويا بعيدا عن صراعات المصالح التي لا تنتهي.
إن فوز قطر بشرف تنظيم المونديال أعاد الثقة في العالم العربي الذي يوصف بالتخلف وانه خارج التاريخ، وعلى قطر ألا تكتفي ببناء الملاعب والفنادق، والنوادي الترفيهية استعدادا لحدث سيأتي وينتهي، علي قطر الطموحة كما على الدول العربية أن تبني المصانع، ومراكز الأبحاث وكليات التقنية وتكنولوجيا الفضاء، وتجلب العلماء من كل مكان من اجل أن تقدم نماذج للإبداع في العالم العربي، لعل العالم المتقدم يشعر بأن العرب قادرون على المساهمة في التقدم الحضاري بعد أن ظلوا لزمن طويل عالة على الغرب.

إعلامي مصري