يمكن القول، من الناحية المبدئية، إن مجرد انطلاق سلسلة الاجتماعات غير المباشرة بين المغرب وحركة البوليساريو، تحت عنوان: التفاوض حول الحل السياسي الذي دعت إليه الأمم المتحدة، وكرسه موقف مجلس الأمن الدولي، الأخير، دليل على أن المغرب قد حقق نقطة إيجابية على طريق دعم موقفه العام من المسألة الصحراوية، حتى في الوقت الذي ينبغي فيه الاعتراف بأن العقبات التي ما تزال مطروحة امام تقدم هذه المفاوضات وتحولها الى مفاوضات مباشرة مضمونة النجاح كبيرة ومعقدة الى اقصى درجات التعقيد. وقد جاءت الاحداث الدامية التي عرفتها مدينة العيون الشهر الماضي وما تبعها من ردود فعل اقليمية ودولية لتبين ان المسألة الصحراوية لم تخرج بعد من نطاق الازمات الخطيرة. ومع ذلك وبالرغم منه فبالامكان رصد هذه النقطة الايجابية على مستويين مترابطين هما:

أولا، الإنتصار للتفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي يقطع، ضمنيا على الأقل، مع خطة استفتاء تقرير المصير التي تجاوزتها الأحداث تماما، باعتراف الأمم المتحدة ذاتها والتي دعت إلى عقد مفاوضات سياسية ترمي إلى إيجاد حل متوافق عليه.

ثانيا، اعتماد المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية أرضية موضوعية لهذه المفاوضات ما دامت الوثيقة التي قدمتها البوليساريو في هذا الشأن نسخة طبق الأصل عن خطة تقرير المصير التي يبدو ان ادراك المجتمع الدولي بعدم واقعيتها بات كبيرا.

غير أن هذا لا يعني أن البوليساريو والجزائر التي ترعاها قد سلمت بالهزيمة السياسية أو أنهما قد استعادتا الرشد السياسي الضروري لمعالجة القضية الصحراوية على قاعدة التفاوض للتوصل إلى حل سياسي. فلا شيء على أرض الواقع يدعو إلى التفاؤل على هذا المستوى. بل يمكن القول وبدون مبالغة، ان الإنحناء أمام عاصفة الموقف الدولي الداعي إلى حل سياسي متفاوض عليه، قد لا يستمر طويلا إذا ما بدت للجزائر والبوليساريو عناصر محلية أو إقليمية أو دولية يمكن استغلالها من أجل قلب الطاولة من جديد، والعودة إلى المواقف الوحيدة التي تجد أنها تملك فيها بعض البراعة، التي تنقص المغرب، وهي مواقف التأزيم التي تبعد عن الحل السياسي، وتحاول إحياء خطة الاستفتاء، التي لا يخفى على الجزائر استحالة تطبيقها في الصحراء، ولكنها لا ترغب، بأي حال من الأحوال، في التخلي عنها، لأنها تضمن لها، تطبيق استراتيجيتها الحقيقية، وهي استبعاد أي حل ممكن، للمسألة الصحراوية حتى تظل ورقة في يدها قد تحتاج إليها في يوم من الأيام لتمرير هذه السياسة أو تلك من سياساتها الهيمنية بذريعة الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير.
فقد ثبت بأن الجزائر ما تزال أبعد ما تكون عن اتخاذ موقف سياسي واستراتيجي يستهدف طي صفحة هذا الملف ما دامت تعتقد أنه يستنزف المغرب، ويقلص حظوظه في التفرغ لقضايا التنمية الاقتصادية والسياسية وخاصة في مجال البناء الديمقراطي.


وهذا يعني أنها لن تتحرك باتجاه الحل حقيقة إلا عندما تشعر بأن العناصر السلبية التي يجلبها لسياستها أقوى بكثير من العناصر الإيجابية وهذا مشروط بما يلي:
أولا، مزيد من النتائج الإيجابية للتحرك الديبلوماسي المغربي على مستوى سحب الاعترافات بالدولة الصحراوية المزعومة وبالبوليساريو على المستوى الأفريقي أولا، وعلى مستوى أمريكا اللاتينية ثانيا، وهو ما يحدث فعلا وآخر هذه القرارات سحب بوروندي اعترافها بدولة البوليساريو
ثانيا: مزيد من التفكك في جبهة البوليساريو من خلال ظهور حركات منافسة تنزع نحو التفاوض السياسي، وتتحرر، بهذا القدر أو ذاك، من الهيمنة الجزائرية من جهة، أو ظهور حركة صحراوية من القوة السياسية والجماهيرية بحيث تشكل قطب الجذب الذي يستطيع استيعاب الصحراويين الذين لا يتقاسمون الأفكار والتوجهات السياسية مع حركة البوليساريو، خاصة لجهة الموقف من الوحدة الترابية والوطنية للشعب المغربي التي لا تعني التنكر للخصوصية التي للمنطقة الصحراوية، وخاصة النتائج المترتبة عن ولادة وترعرع جيل من أبناء المغرب في المخيمات، ومعسكرات الاعتقال في تندوف تحت الرعاية المباشرة للجنرالات الجزائريين والمناهج التربوية المناوئة للمغرب والتي حاولت تقديمه كقوة استعمارية.
ثالثا، ظهور قوى سياسية جزائرية داخلية تضع بين اهتماماتها الحقيقية، الموقف من قضية الصحراء بما يخدم الاتجاهات التي ترمي إلى إيجاد حل سياسي يجنب الشعبين، الجزائري والمغربي، النتائج السلبية لاستمرار الخلاف بين النظام الجزائري، وخاصة بعض القوى داخله، ومجمل الشعب المغربي حول هذا الملف الذي يعكس مناوءة القيادة الجزائرية لطموحات المغرب في استكمال وحدته الترابية، وهو شعب لم يدخر جهدا في مساندة النضال التحرري للجزائر سواء في محاربة الإستعمار الفرنسي الغازي في القرن التاسع عشر أو في معركة الاستقلال منذ اندلاع ثورة الأول من نوفمبر 1954 حتى تحقيق الاستقلال. بل إن المغرب حرصا منه على التلاحم مع الثورة الجزائرية قد أجل الحسم في مسألة الحدود إلى ما بعد الاستقلال لأنه كان يدرك أن وضعها على الطاولة في عهد الاستعمار الفرنسي قد يثير بعض التساؤلات حول الموقف المغربي وهو موقف لا شبهة عليه في دعم الثورة التحريرية للجزائر.


رابعا: اقتناع المجتمع الدولي بأن حركة البوليساريو ليست حركة مستقلة القرار السياسي ولا يمكن أن تتمكن من أي مستوى من مستويات الاستقلالية، إلا إذا تخلصت من الهمينة الجزائرية وبالتالي، العمل على توفير شروط هذا الإستقلال الذي قد يسمح لها بتبني قرارات الشرعية الدولية والدخول في المفاوضات على أساس البحث عن حل سياسي يكون نتيجة لتلك المفاوضات. وهذا يفترض من المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم من التدخل الجزائري المباشر وغير المباشر في هذا الملف وتحذير السلطات الجزائرية من مغبة العمل على عرقلة الجهود الدولية الرامية إلى وضع حد لهذا النزاع المفتعل منذ أكثر من ثلاثة عقود والذي يستنزف المنطقة ويهدد السلم الإقليمي والدولي.

لا شيء يسمح من خلال استقراء السلوك الرسمي الجزائري تجاه القضية على الأرض وفي المحافل الاقليمية والدولية يدعو الى التفاؤل في ان الجزائر مقبلة على تحول جوهري في موقفها المعادي للمغرب في ملف الصحراء، ولا شيء يسمح بالاستنتاج في المقابل أن المغرب مقبل على التخلي عن قراره السيادي على كامل ترابه الوطني رغم انفتاحه الكبير على تمكين اقاليمه الجنوبية من ممارسة حكم ذاتي موسع كما تنص على ذلك مبادرته للتفاوض. ومما لا شك فيه ان جمود الموقف الجزائري لا يترك اي فرصة لقيادة البوليساريو للتحرك نحو موقف ديناميكي يخرج المسألة الصحراوية من اسار استراتيجية النظام في الجزائر رغم التغير النوعي الذي تدرك انه قد حصل في طبيعة المعادلات الدولية بعد المبادرة المغربية للتفاوض حول الحكم الذاتي والذي يضيق امامها هوامش الحركة السياسية ليحشرها في زاوية دق طبول الحرب التي تدرك ايضا انها لن تخيف احدا. ولن يغير من الامر شيئا الهجوم السياسي والاعلامي والتخريبي الذي تم القيام به في منطقة العيون وفي مختلف الساعات الدولية لأن مستوى التعبئة والاجماع الوطني درع واقية للموقف المغربي في مواجهة هذا التصعيد الذي يكشف مرة اخرى نوايا خصوم المغرب وطبيعة تحالفاتهم اللامبدئية في مواجهة حقائق التاريخ والواقع في الصحراء المغربية