لم يعد سرا أبدا بعد إعادة تأهيل نوري المالكي زعيم حزب الدعوة أو الجزء المتبقي منه لمنصب الوزارة الأولى في العراق و لفترة رئاسية جديدة ستستهلك أربعة أعوام مضافة من الزمن العراقي الضائع في بحار العبث و اللاجدوى معرفة بأن هنالك مشروع سياسي ديني طائفي يراد له أن يسود في العراق بعد إبادة المشروع البعثي الفاشل الذي تحول لعبيء ثقيل على أصحابة بعد أن وصل ذلك المشروع القومي التدليسي لأقصى درجات الفشل و أنجب وضعا عشائريا و أصوليا هشم كل المنطلقات و الأفق الحضارية المعروفة للشعب العراقي و سلم البلد بالتالي لإحتلال أمريكي بغيض و لهيمنة طائفية من أحزاب دينية فاشلة و متأزمة تمارس اليوم تحت حماية الإحتلال و برعاية الغرب يالسخرية التاريخ تجاربها الميدانية لإقامة نظام ديني وطائفي متطرف في العراق و بما سيؤدي للإجهاز الكامل على الوحدة الوطنية وعلى الوجود الإقليمي الحقيقي لذلك البلد المنكوب، و تأملوا في المسارات التدريجية لأصحاب ذلك المشروع الذي يتحرك بأسلوب إفعواني واضح المعالم و لا يحتاج لترجمة وذلك من خلال الإجهاز الحقيقي على كل معالم الحضارية و الثقافية للحياة الإجتماعية في العراق، فإغلاق دور السينما في البصرة مثلا التي تعيش اليوم أسوأ أوضاعها تخلفا في تاريخها المعاصر تحت هيمنة الجماعات الدينية و الطائفية وكذلك التضييق و الإغلاق للنوادي و التجمعات و لكل وسائل الترفيه إضافة للمشكلة الأخيرة التي أثارها ( الوقف الشيعي ) هناك بشأن ( سيرك مونت كارلو ) بفقراته الترفيهية التي لم تروق لعمائم التخلف الفظيع، هي أمور لا تنسجم إطلاقا مع الحملات التبشيرية لتحويل البصرة لفضاء إستثماري أو لكونها تتهيأ لإستقبال الدورة القادمة لكأس الخليج العربي لكرة القدم؟ وهي سخرية كبرى ومرة!
أما ماحدث في الولايات الدينية و الطائفية في الحلة و الديوانية فهي من الأمور المعروفة و المنسجمة مع سياسات أحزاب التخلف و التطيف..! أما ثالثة الأثافي و قمة الوضوح في المشروع الدعوي الطموح للهيمن على الحياة السياسية و العامة في العراق فهو القرار الأخير الذي إتخذه مجلس محافظة العاصمة بغداد المسيطر عليه من قبل جماعة حزب الدعوة و حلفائه و القاضي بإغلاق النوادي الإجتماعية و المهنية و منها مثلا نادي إتحاد الأدباء بذريعة منع الخمور و أسلمة الحياة!! وهي مبررات واهية لمجتمع مسلم و لبلد عربي عريق في إسلامه و لا يحتاج شعبه لوصاية من مخلوقات تعلمت التدين في إيران لكي تفرض عليه رؤاها!! وهو ما يتقاطع بالكامل مع صورة المجتمع المدني و مع الواجهة الليبرالية المزيفة التي يحرص نوري المالكي على إظهارها للناس وهو ما يذكرنا بكل تأكيد بصدام حسين حينما إرتدى عباءة الإشتراكية ومقاومة الإمبريالية و أتخذ من موسكو وهافانا قلاعا نضالية له و لحزبه السقيم!! و رطن كثيرا بمصطلحات الإشتراكية و التضامن النضالي و التحرر حتى صدقه الحزب الشيوعي العراقي و سماه كاسترو العراق!! بل وراهن على دوره الطليعي ليساهم عن غير قصد بطبيعة الحال بإسباغ صفات الثورية على مشروع فاشي حقيقي كان الحزب الشيوعي العراقي ذاته أبرز ضحاياه بعد أن إنفض سامر الجبهة الوطنية و التقدمية التي إلتأمت عام 1973 لتشهد نهايتها الحتمية عام 1978 و ليتشرد الشيوعيين العراقيين من جديد بعد أن كشفت قيادتهم كل أسرارها و مغاليقها لقيادة البعث الأمنية الفاشية لتنتهي تلك الصفحة العامرة بالدماء و التضحيات التي قدمها الشيوعيون العراقيون ليأتي لتصدر المسيرة السياسية مجاميع الأحزاب الطائفية و الدينية ذات المتبنيات الفكرية الفاشية التي لا تؤمن بالديمقراطية إلا بصفتها وسيلة تكتيكية لتحقيق الأهداف الستراتيجية..!!
وهو ما يحصل حاليا في العراق و بفضائحية منقطعة النظير و كانت أول إرهاصات الهيمنة الفاشية الدعوية الجديدة التي تحاول التأسيس لإقامة إمارة دينية طائفية متخلفة بالعراق تكون ملحقة بولاية الولي الإيراني الفقيه هو قرار مجلس محافظة بغداد الذي يهيمن عليه الدعويون بمنع المشروبات الروحية و التشدد في فرض العقوبات حولها وهو ما يدخل صراحة ضمن باب فرض التعسف على الناس و تأسيس الدولة الدينية بقراراتها القراقوشية العجيبة المتمسكة بالقشور و المظاهر الفارغة و الخالية من مضامين الإصلاح الحقيقي و العدالة الإجتماعية و التدخل في حياة الناس الخاصة وهو بالضبط السياسة التي إتبعها البعثيون الذين تلبستهم في أخريات أيامهم الروح الإيمانية المنافقة! طبعا لا أحد في العراق ولا في القوانين الدينية الخاصة يتحدث عن جيل المخدرات و الأفيون وحبوب الهلوسة و لا غزوات ( زواج المتعة ) الذي حط رحاله بقوة مسببا الأمراض الجنسية الخطيرة في ظل الوضع الصحي المتردي في العراق و غياب وسائل الأمان و الوقاية و النظافة بمفهومها العام، المفارقة الغريبة تكمن في أن هؤلاء المتربعين على مجالس المحافظات كان جلهم من اللاجئين في ديار الغرب و خصوصا هولندا و بريطانيا و يعرفون تماما قيمة الحقوق و الحريات في المجتمعات التي لاذوا بها و أرتضوا بحمايتها و أنتفخت أوداجهم من خيراتها!! وهم يعلمون بأن تلك المجتمعات التي حمتهم و أوتهم و اطعمتهم من جوع و آمنتهم من خوف قد أعطت الحرية للجميع وهي مجتمعات ودول ناجحة لأنها تعتمد الخيارات الحرة التي يحاولون اليوم مصادرتها على العراقيين عبر فرض قوانين و أوامر و نواهي الدولة الفاشية الدينية التي هي في النهاية الهدف النهائي لحزب الدعوة و من يؤيده فالإنقلاب على الديمقراطية ودولة المجتمع المدنيماهي سوى مسألة وقت ليس إلا..
و سيندم العراقيون كما ندموا على إستفحال فاشية البعث، ففاشية الأحزاب الدينية و الطائفية ليست بأقل وطأة من سابقيها، و العاقل من إتعظ بغيره، و أمام المجتمع العراقي الحر اليوم الفرصة التاريخية السانحة لإعادة الفاشست الجدد لجحورهم و لحجمهم الحقيقي قبل أن يفوت وقت مندم.. العراق اليوم هو أمام خيارات تاريخية و منعطفات حاسمة بين خياري التخلف و الرجعية الذي بات جزءا من الصورة السلطوية العامة في العراق و بين خيار التقدم وولوج المستقبل و مغادرة ثقافة القبور و اللطم و النواح التي تحاول اليوم طفيليات السياسة و التطيف توريط الناس بها!!.. بقاء العراق منوط بتقديس الحرية، وماعدا ذلك ليس سوى إيغال في التخريب و في ضياع الشعب و دمار الوطن... فماذا سيختار العراقيون؟.. تلك هي المسألة.....؟
التعليقات