صلاح برواري هذا اللغز أهو كاتب أم صحافي أم شاعر أم هو الثوري.. هو حديث أحزان لنا في هذه الايام. حملنا رسائل الرئيس جلال الطالباني وهموم الكرد الى العرب مع بعض من دمشق. أتذكر لقاءتنا مع أعلام الادب والشعر ورجال الصحافة والفكر والنشر في دمشق الحضارة حاضنة الثقافة العربية، وأتذكر جلستنا التاريخية مع الشاعر العربي الكبير مظفر النواب في مقهى هافانا في الشام.
كان لرحيل صلاح مذاق الفجيعة الاولى والوحدة التي أحالتي في أيام الى مرتبة لوحة يتيمة على جدار. في بدايات عمله في مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في الجسر الابيض في دمشق رأيته رجلا متحديا وله مواقف رجولية، تلك الرجولة أو الشجاعة التي لا يمكن لموظف مهما كان منصبه أن يتحلى بها، دون أن يغامر بوظيفته.
في أحياء وأزقة الشام وفي دمشق القديمة دمشق قباني و الياسمين والشعراء الذي كان شاهدا على صداقتنا تعرفت على صديق العمر الاديب الراحل صلاح برواري.
لقد عرفته شاعرا مناضلا وصحافيا كرديا يعمل في دمشق، ما كان يميز صلاح أنه كان مختلفا عن غيره من السياسين فهو كان سعيدا بحزنه و وحدته مكتفيا بدخله البسيط من مكتب جلال الطلباني وبمنزله الصغير في ركن الدين.
في عز الفراغ والبؤس الثقافي الذي كان يعيشه كردستان كان صلاح يخترع أعمالا ونشاطات ثقافية جديدة وبجهود فردية والصحافة العربية تسجل له كل هذه الاسهامات و العطاءات بكل أفتخار.
وحدها الصحافة الكردية تجاهلته عن اهمال لاغير،كالعادة جريدة ومجلة أسبوعية كتبتا عنه في حينها بطريقة مقتضبة وكأنهما تعانيان فعلا من قلة الصفحات، وليس قلة المواد الصحفية!!
عرفت صلاح دوما متحديا في كلامه حتى من أول لقاء التقينا فيه مع بعض وكان لا بد لنا من ذلك الاصطدام الأول.. وذلك التحدي المتبادل لنفهم أننا من طينة واحدة...
كنا نلتقي عدة مرات في الأسبوع وخاصة في نادي الصحفيين بدمشق، نجلس ونسهر معا نتحدث طويلا عن السياسة وكثيرا عن الأدب. ننتقد ونشتم الجميع ونفترق سعيدين بعقولنا.
بعد احتلال بغداد ووصول المعارضة الى الحكم كنت متواجدا في أوربا طوال فترة الحرب شاءت الأقدار أن نلتقي مرة أخرى في دمشق في نفس المكان الذي أفترقنا فيه و واتذكر عندما حدثني عن المناصب السياسية التي عرضت عالغير والتي كان الجميع يلهثون اليها.
لكن صلاح كان يحلم بمنصب من نوع اخر يمكن ان يقوم فيه بشي من التغيرات دون كثير من الضجيج. ولذا لما قرر ان يمضي قدما بمشروع دار نشره (دار ارارات) بدمشق، شعرت فعلا مع نفسي انه خلق لذلك العمل.
في هذه الفترة رحنا من جديد الى الأماكن نفسها تقريبا وجلسنا وتحدثنا في الموضوعات نفسها تقريبا،فلا شي تغير من ذلك الحين،وكنت أردد مع نفسي..ها هو صلاح مرة اخرى باعدتنا الأيام وباعدتنا القارات ووحدها قناعاتنا القديمة ظلت تجمعنا. ولا أعرف كيف اصبح ذلك المكان في الصالحية مع الزمن العنوان الدائم لأنطلاقاتنا السياسية والأدبية وكيف أصبح تدريجيا يشبهنا، بعدما تعود أن يختار لنا زاوية جديدة كل مرة تتلاءم مع مزاجنا المتقلب،
صلاح كان يعيش بالكتب ومع الكتب وكانت كلماته وأدبياته الشعرية أشياء رائعة كانت أشبه برحلة بحث عن مدن كردية ضائعة وعن رجال ولدوا في مدن مختلفة ينتمون الى أجيال مختلفة واتجاهات سياسية مختلفة.
الأعمال الأدبية والشعرية والصحافية لصلاح لاتعد ولاتحصى وهي لا تقتصر على ترجمة كتاب أو مجموعة قصائد الى العربية هنا وهناك مثلما ذكره البعض،،أن اعمال وابداعات صلاح أكبر وأعظم مما ذكر الى هذه اللحظة.
لقد قدم الفقيد صلاح برواري كل ما بأستطاعته لخدمة القضية الكردية لما عاش في دمشق وقام بأعداد وتقديم جملة من الكتب السياسية القيمة ومنها (حول القضية الكردية في العراق، كتابة جلال الطالباني تشرين الثاني 1996 ) و(الدكتور الاتاسي والقضية الكردية، جلال الطلباني ) و( جلال الطلباني مواقف واراء) و (اراء عربية حول القضية الكردية).
لقد أستبدل صلاح براحته شقاء لم يكن مرغما عليه. وأستبدل بحياته موتا، دون ان يكون مجبرا عليه لقد أراد أن يذهب الى الموت مكابرا وليس مهزوما ومكرها. أنها طريقته في أن يهزم مسبقا شيئا لايهزم وهو الموت.
لاأعرف ماذا اقول في رحيل صلاح اقول ما قاله نزار قباني في رحيل توفيق
لماذا كل الجرائد تغتالني؟
وتشنقني كل يوم بحبل طويل من الذكريات أحاول أن لا أصدق موتك..
كل التقارير كذب وكل كلام الأطباء كذب..
وكل الأكاليل فوق ضريحك كذب..
وكل المدامع والحشرجات.
[email protected]
التعليقات