الحواسم اسم اراد به النظام السابق ان يكون عنوانا لآخر حروبه مع العالم فتحول ليلة سقوطه الى مصطلح استخدم للتعبير عن كل عمليات السلب والنهب والسرقة ( التي لا يخجل منها مقترفيها ويمارسونها امام الملأ بغياب الدولة وبأمر من اعلى سلطاتها المنهارة ) حيث تعرضت لها البلاد على ايدي اتباع نظام الدكتاتور صدام حسين وعصابات المجرمين الذين اطلق سراحهم قبيل الحرب بعدة اشهر اضافة الى مجاميع السراق والغوغاء الذين تنتجهم دائما حالة الفلتان وفقدان سلطة القانون ومؤسساته وانهيار الدولة، فقد استولت هذه العصابات والافراد تحت غطاء الحواسم على كل ما يمكن حمله وسرقته امام انظار القوات الامريكية التي دخلت معظم المدن العراقية، وامام عدسات الكاميرات التي انتشرت بشكل مذهل في معظم الاماكن التي تعرضت للنهب والسلب، ولم تقتصر عملية الحواسم على المدن الكبيرة فقط بل انتشرت لتشمل كل ما له علاقة بالقطاع العام التابع للدولة اين ما كان ( بما في ذلك رياض الاطفال والمدارس والجامعات ودور العجزة والأيتام ) وبالذات بعدما اباح رئيس النظام في احدى خطبه قبل القاء القبض عليه داخل تلك الحفرة الشهيرة قرب مدينة تكريت مسقط رأسه، حيث احل لأعضاء وقيادات حزبه واداراته في كل البلاد الاستحواذ على جميع تلك الممتلكات واعتبارها ملكا من املاكهم جنبا الى جنب مع مجاميع المجرمين الذين اطلق سراحهم قبيل الحرب بعدة اشهر.

وهذا يعني ان أي موظف يسمح لنفسه او يبرر ما يحدث مديرا كان او امينا على مالٍ او مخازن او مستندات ووثائق، او سائق عجلة او سفينة او طائرة جنديا كان أم ضابطا، وهكذا دواليك كافة القيادات الادارية والحزبية الا ما منعه حليب امه وتربية ذويه وانتمائه الاخلاقي والاجتماعي، وباستثناء هؤلاء اجاز الآخرون لأنفسهم الاستحواذ على تلك الأشياء بأمر رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، بمعنى ان امر الاستملاك صادر من اعلى سلطة في البلاد، وبذلك ابيحت ممتلكات الدولة والشعب للسلب والنهب والسرقة بأمر الحكومة مما يعطيها شرعية على الأقل اجتماعية ان لم نقل قانونية او سياسية حتى للذين ربما يضعون حدودا بين الحلال والحرام من تشكيلات ذلك النظام واتباعه، وبذلك اشيعت محرمات وازيلت حدود الفصل بين الحلال والحرام وتسابق الكثير في النهب والسلب والسرقة حتى غدت تلك الممارسة واحدة من اخطر وابشع ما يواجه نظامنا الجديد حيث امتدت بكل تفاصيلها وممارساتها الى الزمن الجديد، حيث تعرضت البلاد الى اسوء اشكال الفساد المالي والاداري خلال السنوات المنصرمة منذ ذلك التاريخ واصبحت اشكال وتطبيقات تلك العملية تمتد لتشمل باشكالها وممارساتها معظم مفاصل الدولة ومؤسساتها، بل انتشرت بشكل مخيف الى درجة ضياع عشرات المليارات من الدولارات واضعافها من قيمة النفط المهرب وعمولات الاستثمار والتطوير النفطي وحملات البناء والمشاريع باسم اعمار العراق ناهيك عن مئات المؤتمرات والندوات التي تقام في عواصم العالم تحت غطاء العراق واعماره او تدريب ابنائه(!)

لقد راجت منذ عدة سنوات تجارة بيع المناصب وبازارها الذي انتشر في العاصمة وغيرها من المحافظات اما عن طريق الكتل البرلمانية واحزابها المتنفذة او من خلال مجالس المحافظات وصولا الى رأس الهرم بواسطة شبكة من السماسرة والمنتفعين ( الدلالين ) الذين يعرضون بضاعتهم من المناصب ابتداءً من الادارات العامة والمواقع الخاصة والقيادات في الجيش او الشرطة وصولا الى ما يشاع اليوم من اسعار تنافسية لوزارات الحكومة التي حددتها احدى اعضاء مجلس النواب* بخمسة ملايين دولار لكرسي الوزارة السيادية!؟

وبصرف النظر عن دقة هذا التصريح او عن السعر وكميته فان الفساد قد طال كل مؤسسات الدولة، وان الإفساد تقف وراءه مجاميع متخصصة في الدلالة السياسية وبقالة المناصب على حساب تقهقر المواطن وانحسار دوره كليا، بل ان مفاصل مهمة من الدولة تم اختراقها من قبل عصابات تهريب البشر وبيعه الى دول اوربا تحت ذريعة ايصالهم الى الجنة الموعودة هناك وما يحصل عند اطراف حدود البلاد مع كل دول الجوار من عمليات ادخال الارهابيين من هذه الدول وغيرها تؤكد ان بازار المناصب والمسؤوليات لم يعد يخضع ربما لسقف الاسعار فقط بل اصبح اسير بورصات دول الجوار ومصالحها وناشطيها هنا في الجسد العراقي!


وعلى هذه الخلفية يتم اليوم بدأ دورة جديدة للحكم في البلاد بعد ان نجح الفرقاء في تدوير عجلة هذه المركبة في اربيل لكي تستمر في بغداد وهي تواجه مطبات مليئة بالعبوات والألغام في مقدمتها تحديات مجلس النواب الجديد والحكومة المرتقبة وهي تلك الملفات من الفساد والحواسم في كل الوزارات والدوائر والرئاسات الثلاث التي اتهمت طيلة السنوات الماضية اما بالسكوت عن تلك الملفات او الضلوع فيها، وهي فرصة اليوم لكي تثبت هذه المؤسسات سواء في البرلمان او الحكومة جديتها وتعهداتها بل وبراءتها من تلك الصفقات وكل ما يجري في بازار المناصب والحواسم سياسيا واقتصاديا واخلاقيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* توقعت القيادية في تجمع الوطني المستقل والنائب عن القائمة العراقية وحدة الجميلي حصول صفقات مالية خلال عملية توزيع الوزارات بين الكتل السياسية، مشيرة في الوقت ذاته الى ان الوزارت الامنية قد تصل قيمتها الى (5) مليون دولار.
وقالت الجميلي في تصريح لمراسل (الوكالة الاخبارية للانباء) اليوم الاحد: ان بعض الوزارات السيادية والخدمية تباع بين الكتل السياسية بارقام خيالية، مضيفةًً :quot;هناك وزارات أمنية وبالاخص الدفاع والداخلية تباع وبارقام خيالية،وقد تصل الى 5 مليون دولار، ولم تكشف الجميلي عن المزيد، بيد انها حذرت من ادخال الصفقات المالية بتشكيل الحكومة وبالاخص الامنية كونها تهم المواطن.