فوضى الانتخابات في مصر انعكاس لحالة من الفوضى تنتشر في جميع ميادين الحياة في مصر، فالحزب الوطني الحاكم المرتبك من quot;جماعة الإخوان المسلمونquot; يسعى إلى شرعية في انتخابات يعلم القاصي والداني أنها quot;مسرحيةquot; تهدف إلى إضفاء شرعية على النظام، وجماعة الإخوان المسلمين التي نشأت عام ثمانية وعشرين كجماعة دينية وتحولت إلى السياسة عام ثمانية وثلاثين، تساند نظاما يستغلها فزاعة يخيف بها الغرب وأنها البديل في حال إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية، فرئيس مجلس الشعب فتحي سرور يقول إن الضغوط الأمريكية من اجل الإصلاح في مصر قد تقود إلى دولة دينية وهو أمر يرفضه المصريون واسأل الدكتور سرور هل مكتوب على مصر إن تعيش في فساد وتخلف إلى الأبد ؟

ينحسر خيار المصريين إذن بين حزب فاشل، وجماعة محظورة، تفتقر لبرامج حقيقية ولا تسعى لتطوير نفسها كحزب سياسي، وتلعب على وتر الدين لتحقيق هدف الوصول إلى السلطة بأي ثمن، فضلا عن أحزاب أخرى بمثابة quot;ضيف شرفquot; لكن يبدو أن شهر العسل بين الحكومة والجماعة انتهى، فقد وصل التوتر بين الإخوان والحكومة ذروته ببلاغ تقدمت به الحكومة للنائب العام للتحقيق مع المرشحين المستقلين المدعومين من الجماعة باعتبار ذلك انتهاكا لقواعد الانتخابات، والحكم على اثني عشر منهم بمدينة الإسكندرية، ورد الإخوان ببلاغ مماثل يتهمون فيه مرشحي الحزب الوطني بمخالفة الدستور والقانون باستخدام دور العبادة والمؤسسات الحكومية والشعارات الدينية.

ما لم يكن متوقعا وزاد من ارتباك النظام الحاكم هو تعرضه لضغوط خارجية ليقبل quot;رقابة دوليةquot; وضغوط داخلية ليقبل quot;رقابة القضاء ومنظمات غير حكوميةquot; حاولت الحكومة احتواء الضغوط الداخلية، أما الضغوط الخارجية خاصة الأمريكية فكانت محور هجوم شديد في الإعلام المصري.
خاصة بعد مطالبة فريق quot;العمل الأمريكي من اجل مصرquot; الرئيس الأمريكي باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون الضغط على النظام المصري لقبول الإشراف الدولي وسارع رؤساء تحرير الصحف الحكومية للدفاع عن السيادة واعتبار ذلك تدخلا في الشئون الداخلية مع أن المراقب يلاحظ أن مسألة الدفاع عن السيادة تظهر في مواقف وتختفي في مواقف أخرى، وتحولت الولايات المتحدة quot;الحليف الاستراتيجيquot; واكبر quot;مانح للمساعدات لمصرquot; إلى دولة فاشلة في سياستها الخارجية وهذا صحيح خاصة في العراق وأفغانستان وعليها أن تستمع لنصيحة حكومة مصر.

فلنكن مع quot;الكذاب حتى باب الدارquot; ونقول أن مصر فوق الشبهات، وليست في حاجة إلى اعتراف دولي بنزاهة انتخاباتها البرلمانية، ولا تقبل بالتالي رقابة دولية، ما الذي يضير إذن أن يكون هناك إشراف قضائي كامل على الانتخابات من قبل رجال مشهود لهم بالنزاهة، لضمان نزاهة الانتخابات وإعطاء الناخب الثقة في أن صوته سوف يحترم وأنه يسهم في بناء وطنه بالمشاركة في انتخاب أعضاء برلمان قد يكون له دور كبير في تشكيل الخريطة السياسية لمصر في السنوات الخمس المقبلة.
ولحاجة في نفس يعقوب يرفض النظام المصري أي رقابة من أي نوع حتى أن منظمات غير حكومية تقدمت بطلبات للإشراف تجاهلتها اللجنة العليا للانتخابات بالإضافة إلى ضرب أحكام القضاء عرض الحائط عملا بمبدأ تعمل به حكومتنا الرشيدة يقولquot; دعهم يفعلون ما يريدون ما دمت افعل ما أريدquot;، بين هذا وذاك وجد الحزب الوطني الحاكم نفسه في ورطة زاد من وطئتها حكم محكمة القضاء الإداري إلغاء الانتخابات في دوائر بمحافظات الإسكندرية والدقهلية والقليوبية وكفر الشيخ وأسيوط وسوهاج، لعدم تنفيذ أحكام بإعادة إدراج أسماء عدد من مرشحي المعارضة.

ولو قدم الحزب الوطني انجازات حقيقية في حل مشكلات التعليم والبطالة والمرور والأجور وعمل طوال ثلاثين عاما على نقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة مثلما فعل مهاتير محمد في ماليزيا لوجد صدى لانجازاته بين الناس لكنه لا يملك برنامجا للنهوض، ويعتمد على النجوم من الوزراء ولاعبي الكره والفنانين والإعلاميين لحصد أصوات أناس بسطاء معظمهم يرفض سياساته، كما يعتمد على أحزاب quot;ديكورquot; لتجميل شكله مثل حزب الوفد الذي يتوقع له أن يحصد عشرات المقاعد هذه الدورة بعد نشوة الانتصار التاريخي الذي جرى في اختيار السيد البدوي رئيسا للحزب في انتخابات ديمقراطية قلما تحصل في غيره من الأحزاب.

أمام هذه الفوضى أصبح الشعب المصري أمام الحزب الوطني والإخوان وأحزاب أخرى على رأسها الوفد كل طرف يمارس اللعبة السياسية بطريقته وفي تناغم تام مع النظام، وعلى المصريين الاختيار بين النواب على مختلف انتماءاتهم وثقافتهم وهذا ما يجعل البرلمان المقبل تكريسا للأوضاع القائمة، ولا يلوح في الأفق شي يوحي بأن المرحلة المقبلة ستفرز أحزابا حقيقية قادرة على الوصول إلى رجل الشارع، وتقديم برامج عمل قابلة للتنفيذ على ارض الواقع، والبحث بهدوء عن مستقبل هذا البلد بعيدا عن الكذب والخداع والشعارات الزائفة.

إعلامي مصري