يبدو ان الجهود التي تبذل من قبل بعض الشيوخ الاخيار للتقريب والوحدة بين الطائفتين المختلفتين الشيعة والسنة منذ فترة، قد وجهت اليها ضربة قوية جديدةquot;من الصميم quot;، مما صعد من حالة التوتر القائمة بين الطرفين الى اعلى مدياتها.. ان كانت نقاط الخلاف quot;التاريخيةquot; الكثيرة بين الطرفين، قد انحصرت في مفاهيم ذات دلالات quot;استفزازيةquot; جوهرية، حالت دون وصولهما الى تفاهمات مشتركة عبر قرون، مثل:التقية والعصمة والامامة و الخمس والمتعة والغيبة الكبرى والصغرى و لعن الصحابة وشطبهم جملة وتفصيلاعن حركةالتاريخ الاسلامي وغيرها من المواضيع الخطيرة التي اثارت دائما حفيظة اهل السنة واعتبروها خارجة عن مفاهيم الاسلام الحقيقية، تجب محاربتها و الوقوف بحزم بوجهها، فقد اضيفت اليها مفاهيم خلافية اخرى عميقة، نتيجة التطورات الاخيرة التي شهدها الفكر الشيعي المعاصر وبخاصة بعد ثورة ايران عام 1979 و اعتلاء الشيعة للسلطة في العراق 2003 وانتشار مذهبهم في ارجاء المعمورة انتشار الهشيم في النار في عملية تصدير ثقافي واسع النطاق، كل هذه الانتصارات السياسية افرزت قضايا خلافية جديدة، وعلى رأس هذه القضايا ؛ مسألة quot;ولاية الفقيهquot; و هيمنة رجال الدين quot;سياسياquot;على المجتمع، بعد ان هيمنوا عليه اجتماعيا وثقافيا ودينيا..
وخطوة مزج السياسة بالفكر الديني عند الامامية المعاصرة بالشكل المتقن الذي فاجئوا به العالم، تعتبر بحق quot;ضربة معلم quot;من قبل اولئك الايات المؤسسين الاوائل للثورة في ايران وعلى رأسهم ؛ quot;الخمينيquot; الذي ادخل المذهب الموغل في الباطنية والصوفية الشديدة الانغلاق، في دهاليز السياسة الوعرة و استنبط من مسائل فقهية جانبية، نظاما سياسيا quot;ولاية الفقيهquot;لم يكن يمثل جوهر العقيدة في حد ذاتها بحسب رأي المرحوم ايةالله السيد محمد حسين فضل الله.
وفي غمرة نشوتهم بالنصر السياسي الواسع الذي احرزوه في اكثر من مكان من العالم، خرجوا عن طورهم و تناسوا امر quot;التقيةquot;التي كانوا يمارسونها عبر قرون، فدعوا صراحة وعلى رؤوس الاشهاد ان الامام المهدي quot;احمد بن الحسن العسكري quot; الامام الثاني عشرللطائفة، ظهر اخيرا من غيبته الكبرى و في يده نسخة منقحة من القران quot;الحقيقيquot; غير القران الذي تتداوله عامة المسلمين، وقد عرض انصار المهدي الموعود ووكلائهم ونوابهم، بعضا من ايات قرانهم quot;المعدلquot;quot;عبر وسائل اعلامهم المختلفة و من خلال فضائياتهم ومواقعهم الالكترونية، هذا الخروج السافر عن عقيدةquot;الانتظارquot; الراسخة في الفكر الشيعي التي تؤمل بمجيء المخلص quot;الغائبquot;، ليضع نهاية لالامهم وشقائهم الطويل، لم يمثل تحديا صارخا للطرف السني فحسب بل مثل تحديا واضحا لاهم ركن من اركان المذهب نفسه و تمردا على اقدس مبادئه قاطبة وهو quot;التقيةquot;؛quot; التقية ديني ودين ابائيquot;..
وبما ان المهدي المنتظر قد ظهر عند بعض الشيعة او في طريقه الى الظهور عند عامتهم وبعض قادتهم ومراجعهم، فالخميني يعتبر زمن الثورة الايرانية هو زمن الظهور ( لان اولاد واحفاد انصار الثورة قد اصبحوا الان في سن الاستعداد لهذا الظهور..).. فلايوجد اذن مبرر للاستمرار في العمل quot;بالتقيةquot;، عليهم الدخول فى مرحلة المصارحة والمجاهرة العلنية، وهذا مافعلوه، ففي اول خروج علني لهم على quot;التقيةquot;، اقام متطرفون شيعة مهرجانا خطابيا صاخبا وجهوا فيه اساءات بالغة لام المؤمنين quot;عائشةquot; رضي الله عنها في مشهد احتفالي اثم، اثار استهجان العالم برمته..
بينما كان اهل السنة في اوج استغرابهم وغضبهم من هذه الاعمال الطائشة ويعتبرونها انحرافا خطيرا عن مباديءالدين الحنيف، كان الشيعة او قسم منهم على الاقل يحتفلون بها ويعتبرونها طقوسات ضرورية لابد منها للتعجيل بظهور المهدي!
فاذا كان اول هجرهم من عالم التقية الى عالم الصدق و الصراحة، بدأوا بموضوع حساس وخطير وخاص جدا، يمس جانبا من شرف النبي الكريم، يعني quot;اول ما شطحوا نطحواquot;، يا ترى ماذا تكون عليه الحال عندما يرفعون ايديهم نهائيا عن ممارسة هذه العادة؟!! التي كان لها الفضل الكبير في حقن دماء المسلمين و الابقاء على quot;شعرة معاويةquot; بين الطائفتين المتصارعتين لزمن طويل، وعلى الرغم من سلبياتها العديدة اجتماعيا ودينيا، فإنها من الناحية السياسية كانت لها جوانب ايجابية عديدة، اولها واهمها ؛ انها ادت الى استقرار المجتمعات الاسلامية.. لذلك اناشد مشايخ الشيعة ومراجعهم الكبار وعوام الشيعة العقلاء بالاستمرار في ممارسة التقية وعدم الاستغناء عنها والتفريط بها من اجل شلة من الاشقياء المتطرفين، الذين يريدون ادخال المجتمعات الاسلامية في دوامة من المواجهات والصراعات العبثية التي لاطائل من ورائها خدمة لاجندات خارجية.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات