لقد عرف قتل الانسان بطريقة مريحة في بعض الدول الاوروبية وفي بعض الولايات الامريكية ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين. واول هذه الدول، هولندا. واختلفت آراء المجتمع الغربي حول اباحة هذا القتل. فمنهم من يشجع على تفعيله ومنهم من يعارض ذلك. ولكل منهم حججه ومبرراته في هذا الرأي أو في معارضته. ولا يزال النقاش بهذا الشأن قائما حول اباحته أو عدمه حتى يومنا هذا.

ويتم قتل الانسان بطريقة مريحة ورحيمة في حالتين هما:
الحالة الاولى : حالة القتل المريح (يوثنزيا) وهي السماح للمريض لان يموت موتة مريحة بمساعدة طبية مباشرة او غير مباشرة. وقد يطلق عليها البعض الموت بسلام او الموت بكرامة كما اطلق عليها قانون ولاية( اوركن) وقد يطلق عليها الموت بالاختيار كما هو الحال في سويسرا.

ويشمل هذا القتل المريض الذي يصاب بمرض عضال لا يرجى الشفاء منه، ويبقى في حالة عذاب مرمي على سريره بمشفاه للعلاج المتواصل دون جدوى.
الحالة الثانية: حالة اصابة دماغ الانسان بالعجز الكلي او الجزئي بحيث لا يؤدي الدماغ الكثير من واجباته في الاحساس او التفكير والسيطرة على الاعصاب. ويطلق على هذع الحالة بالمصطلح الطبي ( الكوما) ويوصف المصاب بهذه الحالة بانه متوفي سريريا او انه مصاب بحالة من النوم العميق ( السبات) ويبقى المصاب على حافة الحياة لقيام قلبه بالنبض والعمل المعتاد دون عقله. كحالة رئيس وزراء اسرائيل الاسبق ( ارئيل شارون الذي ما يزال في غيبوبة منذ عدة سنوات).

لقد ظهرت هاتان الحالتان بوضوح نتيجة تطور وتقدم العلوم الطبية ومستلزماتها التكنولوجية حيث اصبح ونتيجة لهذا التقدم التوصل الى نوع المرض الذي يصيب الانسان ومعرفة مؤثراته على قوة الانسان وسلامة صحته وقوة تحمله للحياة والعطل المصاب به ونوعه. واصبح المريض نفسه يعرف ويطلع على موقفه الصحي هذا كما هو الحال في الحالة الاولى ndash; حالة الانسان المصاب بمرض عضال لا يرجى شفاؤه. وذلك بعد ان اصبح للا نسان في هذا المجتمع الغربي ثقافة صحية عامة نتيجة لما يدور في ارجاء العالم من تعريف واعلام بهذه الصحة، كما يتم اعلام المريض نفسه بمرضه وبنوعه ودرجة الشفاء منه من قبل الطبيب المعالج بشكل واضح وبالمقابل فقد تطورت العقاقير المستحدثة بمختلف انواعها وكذلك تطورت مختلف انواع وسائل العلاج الطبي والطبيعي لابقاء المريض فترة اطول في الحياة حتى الحالات التي يكون فيها المريض مصابا بمرض لا يرجى شفاؤه. وفي هذه الحالة اخذ المريض نفسه يشعر باليأس وفقدان الأمل وهو يجد نفسه عليل بين الحياة والموتوقد يصاحب ذلك عذاب جسماني أو نفسي شديد كما أخذ البعض من هؤلاء المرضى يطالبون بانهاء حياتهم وسنة بعد اخرى اخذت هذه المطالبات تتزايد وكثر النقاش حولها بين صفوف المهتمين بالشؤون الاجتماعية والطبية وحتى القانونية للتوصل الى امكانية اقرار انهاء حياة الانسان المريض وفقا لمواصفات معينة، فاقرت قوانين بعض الدول الاوروبية وقوانين بعض الولايات الامريكية اخرها قانون ولاية (اوركون) امكانية انهاء حياة المريض الذي لا يمكن الشفاء من مرضه بما فيها حالة ( الكوما) اما البعض الاخر من الولايات الامريكية ودول اوروبا فلا تزال قوانينها لا تسمح بذلك ومنها بريطانيا.

ففي بريطانيا وبالذات في عام 1992 قام الطبيب(ص ) بالتسبب في انهاء حياة مريضه السيدة(س ) التي كانت مصابة بمرض لا يرجى شفاؤه فقدم هذا الطبيب الى المحكمة بتهمة ( القتل) واقرت هيئة المحلفين بانه مذنب فحكم عليه قاضي المحكمة بعقوبة السجن لمدة سنة واحدة. الا ان القاضي نفسه أمر بوقف تنفيذ الحكم كما ولم يشر القاضي بقرار حكمه منع الطبيب من مزاولة مهنته في الطب، كما لم تصدر نقابة اطباء المنطقة المعنية أمر بايقاف الطبيب عن فعلته هذه. كل هذا بعد ان تاكد للقاضي وكذلك لنقابة الاطباء من ان هذا الطبيب قد قام بعمله هذا بدافع الشفقة والرحمة بالمريض لانقاذها من حالة العذاب الذي يتعرض له المريض نتيجة المرض الذي لايرجى شفاؤه. وكان ولد المريضة وابنتها قد ايدا عمل الطبيب واقرا حسن نيته الا ان هيئة المحلفين في هذه القضية ليس امامهم الا اعتبار المتهم مذنبا لعدم وجود مسوغ قانوني يجيز للطبيب عمل ذلك.اما القاضي وهو صاحب الشأن باصدار حكم بمقدار العقوبة وبعد استماعه الى تفاصيل حيثيات القضية واسبابها اصدر قراره باقل عقوبة ممكنة الا انه خاطب الطبيب ايضا قائلا لهquot; خالفت واجباتك المهنية، وان مثل هذا العمل ليس عملا قانونيا ولكن يمكن ان يتفهم المرء احيانا دوافع مثل هذا العمل والاسباب المؤدية لاتخاذه من شفقة ورأفة بالمريضة الا ان موقفك هذا لا يخلو من المظهر الاجرامي ومخالفا لعملك المهني. ومع هذا وللاسباب المبينة امامي فاني انظر الى قضيتك هذه نظرة استثنائية وقد اعتبرها فريدة وهذا ما دعاني الى اصدار حكمي المخفف المشار اليهquot;.

لقد اثار قرار ادانة المحلفين الطبيب ( ص ) نقاشا بين مختلف اوساط المجتمع البريطاني في مختلف وسائل الاعلام والنشر وذلك ما بين مؤيد لما قام به هذا الطبيب وبين معارضين له. ويمكن تصنيف ما طرحت من آراء بهذا الشأن الى اربع فئات هي.

الفئة الاولى: ترى ان عمل الطبيب بتسببه موت مريضته يعتبر عملا اجراميا لمخالفته احكام القانون. ويرى اصحاب هذه الفئة انه كان على الطبيب المعالج متابعة حالة مريضته حتى آخر مرحلة من مراحل حياتها ومساعدتها على العيش. ولم يعترف البعض من هذه الفئة الاولى بمقولة اليأس عند الاصابة بمرض لا يرجى شفاؤه معللين ذلك بأن علم الطب يتطور يوما بعد يوم وتكتشف ادوية ووسائل علاجية مختلفة قد تساعد حتى على الشفاء في الحالات المرضية المستعصية.
الفئة الثانية: وترى ان عمل الطبيب (ص ) كان عملا انسانيا بانقاذه مريضته من عذاب اليم وان ذلك يقع في مجال حقه المهني اذا ما وافقت مريضته ووافق ذووها. لذلك يجب ان يقدم الشكر للطبيب بدلا من معاقبته.

الفئة الثالثة: ترى ان لا ينفرد الطبيب(ص ) باتخاذ مثل هذا العمل حتى وان وافقت مريضته وكان من المفروض ان يشاركه عند اتخاذ هذا القرار اطباء اخرون ليس لهم علاقة لا به ولا بالمريضة.

الفئة الرابعة: لا تعترف هذه الفئة بالعمل الانساني الذي دفع الطبيب لانهاء حياة مريضته لانقاذها من عذاب أليم لان مثل هذا العمل يحتاج الى دعم قانوني وهو غير متوفر في القانون البريطاني الحالي، ولهذا فان هذه الفئة تحث الحكومة والبرلمان لاتخاذ التدابير لتعديل القانون كي يسمح للاستجابة لمثل هذه الحالات.

الحالة المرضية الثاني ( الكوما ndash; فقدان الوعي )
قلنا سابقا ان هذه الحالة وهي فقدان الوعي الجزئي أو الكامل والتي اوضحنا عنها بانها تشمل موت دماغ المريض. اما موت كامل أو موت لمعظم اجزاء دماغه في حين تبقى اجهزة المريض الاخرى عاملة وباقية في الحياة، وتجد مثل هذه الحالة في المستشفيات حيث يتراوح بقاء المريض في سرسره فترة قصيرة أو طويلة قد تزيد على العشر سنوات او تلازم المريض حتى النهاية.

ففي مدينة ليفربول البريطانية وفي عام 1989 وعند سقوط سقف ملعب كرة القدم على المشاهدين اصاب هذا الحادث شابا يبلغ من العمر 21 سنة فأدت اصابته هذه الى عجز دماغه عن اداء مهمته بنسبة 95 بالمائة. وبعد مرور ثلاث سنوات على حالته هذه وملازمته سريره في المستشفى. وفي عام 1992 تقدم طبيبه المعالج وبموافقة والدي المريض بطلب الى المحكمة العليا للشؤون العائلية للموافقة على انهاء حياته موضحا بطلبه هذا استحالة عودة المريض الى حالته الطبيعية.

وبعد اطلاع قاضي المحكمة على تفاصيل الطلب وموافقة والدي الشاب للسماح لولديهما لكي يموت بكرامة، اصدر القاضي قراره بالسماح بقطع التغذية التي تزود الى المريض بالطرق الاصطناعية الطبية. وقال في نهاية قراره quot; ولكي ترقد روحه بسلامquot;.

قال بعض المحامين ان قرار عدم تزويد الغذاء الى المريض طريح الفراش يعتبر بمثابة عملية قتل، كما لم يوافق المدعي العام على مثل هذا الحكم وطلب استئنافه. الا ان محكمة الاستئناف اقرت حكم المحكمة العليا. ولكن المدعي العام تقدم باستئناف هذا القرار ايضا الى اعلى سلطة في مجلس اللوردات وهي المحكمة الاستئنافية العليا لشؤون القضائية في البلاد حيث اقرت هذه الهيئة هي الاخرى قرار حكم ايقاف التغذية، الا ان هذه الهيئة ( المحكمة) وخشية ان لايصبح قرارها هذا سابقة قضائية يعمم تنفيذها اضافت الى قرارها هذا بان يتطلب عن كل حالة قرار محكمة كما حصل مع هذه القضية. وفي عام 1993 تم انهاء حياة المريض. ويشير الاطباء الى هذه الحالة بان عملهم هذا يقتصر على ايقاف الرئة الاصطناعية وهو الجهاز الخاص بتغذية المريض ولذلك فهم لا يقومون بعمل ايجابي لانهاء الحياة.

لقد جرت مناقشات وابديت الاراء في المجتمع البريطاني حول موضوع انهاء حياة المريض وتدور هذه المناقشات والاستفسارات حول:
- هل يحق للطبيب المعالج قتل انسان مريض بداعي الرحمة والعطف والشفقة؟
- هل يكتفي بطلب المريض نفسه لانهاء حياته؟
- هل يتطلب ان تكون الموافقة على هذا القتل او انهاء الحياة صادرة من لجنة طبية او مجموعة اطباء تقترن بموافقة الطبيب المعالج لنفسه؟
- هل يجب ان يكون اباحة هذا القتل او انهاء الحياة منصوص عليها في القانون بوضوح في المبنى والمعنى؟

ونتيجة لهذه الطروحات فقد حصلت الشكوك في تأييد اي من الاستفسار الواحد ليكون كافيا لاتمام انهاء الحياة.
ونبدي حول كل من هذه الاستفسارات اسباب هذه الشكوك حول العامل الاول- حق الطبيب بمفرده : لم تؤيد المناقشات منح الطبيب بمفرده حق انهاء الحياة عند غياب الاحكام القانونية الواضحة.

حول العامل الثاني ndash; طلب المريض نفسه : تعتبر بعض التشريعات طلب المريض انهاء حياته نوعا من الانتحار في الوقت الذي لا تجيز بعض التشريعات حالات الانتحار، كما تعتبر المريض في مثل حالات المرض هذه مسلوب الارادة وكثيرا من القوانين تسلب حقه في الاقرار وحرية التصرف باعتباره غير قادر على تقدير اموره.
حول العامل الثالث- قبول او رفض ذوي المريض: توصية او اقرار ذوي المريض انهاء حياة المريض قد يكون ملازما لخطر في دوافع سوء النية في بعض الاحيان، حتى لو كان ذلك استثناء او قليل الحدوث. فاذا كان المريض غني وان موته سيورث عائلته قدر من المال في مجتمع انقطعت فيه اواصر الرحم وانخفضت فيه مستويات العلاقات الاسرية الى ادنى مستواها في كثير من الحالات او قد يكون الامر عكس ذلك عندما يكون المريض فقير الحال وعاجز ومعوق قد يدفع ذويه لاقرار انهاء حياته للتخلص منه. اما في حالة رفض ذوي المريض انهاء حياته فان ذلك قد يدخل في اطار شدة الحنان وقوة علاقاتهم به بالرغم من حالته الصحية المتدهورة المؤيدة بقرار اللجنة الطبية.

لذلك فاني أرى ان يستبعد طلب ذوي المريض انهاء حياته او السماح لهم بحق رفض انهاء هذه الحياة وان ينظم القانون نوع الحق الذي يعطي لذوي المريض كحق اعلامهم بقرار انهاء حياة المريض وحقهم بالاعتراض على شكلية التنفيذ ومراحل اجراءاتها وغيرها.

حول العامل الرابع ndash; اللجنة الطبية لانهاء حياة المريض : وهو عامل مهم من عوامل اقرار حياة المريض مقرون بتقرير الطبيب المعالج وان يضم الى هذه اللجنة اطباء من مختلف الاختصاصات على ان يكون احدهم ممن له اختصاص في الطب النفسي وان يتغير اعضاء هذه اللجنة بصورة رتيبة.

حول العامل الخامس_ العامل القانوني : اي النص في القانون على اباحة انهاء حياة المريض وفقا لمعايير وشروط واضحة جامعة مانعة. واضحة للحالات والظروف، جامعة للمستلزمات / مانعة لاي ضعف او لبس في التفسير حتى لا يستغل مثل هذا الحكم في غير الاسباب التي وضع من اجله. وفي هذا الحكم تتجمع العوامل الاربعة مارة الذكر وتتلخص قواعد الحكم بالاتي:
اولا- ان يقدم المريض نفسه وبكامل ارادته طلبا لانهاء حياته لتخليصه من عذاب اليم الم به.
ثانيا ndash; ان يؤيد الطبيب المعالج هذا الطلب ويقر بان المريض مصاب بمرض لا يمكن الشفاء منه.
ثالثا- ان يتم تأييد لجنة طبية هذا الطلب مؤلفة من اطباء من مختلف الاختصاص بما فيهم طبيب في الطب النفسي.
رابعا ndash; يعطى لذوي المريض الحق بالوقوف على رغبة المريض والتوصيات والتقارير الصادر عن حالته ويعطى لهم الحق بالاعتراض على النواحي الشكلية للاجراءات او الطعن بها. وان ينص القانون بمعاقبة المخالف لاي من هذه الفقرات وتحديد العقوبات ازاء كل نوع من انواع هذه المخالفات.

الاستنتاج

هل يمكننا ان نستخلص من هذه القضية العبر ونرى قيمة روح الانسان ومعزته وعدم التفريط بها او ازهاقها الا في حالات نادرة ووفقا لقواعد واحكام قانونية معترف بها وحتى عند اعدام المجرم فالقانون هو الذي يجيز ازهاق هذه الروح بعد ان رتب الاحكام وتسلسلها واقر عملية القتل فاذا كان الامر كذلك اذن كيف يمكن ان نقرأ ونفهم عن كل هذا ونحن نرى ان روح انسان في بلدنا العراق تزهق بالمئات يوميا دون سبب ودون مسوغ ودون قرار شرعي او قضائي اللهم الا اذا اعتبرنا ان القتل اليومي اصبح عرفا تدعمه تقاليد او جدتها فئات ضالة من الناس وبسكوت السلطة الحاكمة عن هذا القتل. فقد اصبح المجال للقاصي والداني ولمن هب ودب ان يقتل هذا وذاك. ان معظم هذا القتل ما هو الا قتلا منهجيا منظما ومقصودا. فهل يمكن ان يفسر البعض ان هذا القتل هو بمثابة القتل الرحيم كما توضح في قضية الطبيب الذي تسبب في قتل مريضته حينما شعر بانها تتعذب من مرض لا يمكن لها البراء منه واراد ان يريحها من هذا الالم والعذاب. وهل يريدو قاتلو افراد الشعب هم ايضا ان يريحوا هؤلاء الضحايا من الالم والفقر والجوع والعذاب المحيق بهم من كل جانب.
فليرحم الله العباد في كل يوم يسود فيه الطغيان والفساد