لم يحدث في تاريخ العراق أن كان للحكم فيه مثل هذا القدر من المشاكل مع الجهات والطوائف جميعا، والحكم هو كان المتسبب في البطالة السياسية التي تعيشها البلاد، فلم نرى أنفراجا لا على صعيد الداخل ولا الخارج أصلا،وأصبح العراق مرة اخرى في معظم انحاء العالم مجرد خبر أمني، ولهذا فقد غاب عن الصفحات الاولى للصحف العالمية. ولعل الجانب أشد ايلاما في هذه الحقيقة أن العراق صارا خبرا مضجرا لكثرة ما تردد ذكره مرتبطا بالدم والدمار واستحالة وصول الى حل لتشكيل حكومة توافق وطنية.

على أن هذا كله لايعفي المعارضة المتمثلة بالقائمة العراقية من المسؤولية عن بعض وجوه الخلل والنقص في الأنضباط والألتزام وألاهم،، عن صياغة البرنامج السياسي الشامل الذي يشكل اطارا للتوافق الوطني في مرحلة خطيرة كهذه، ويوما بعد يوم تغرق قوى المعارضة الحالية لتشكيل الحكومة الجديدة وقواه الفاعلة في هموم الحياة اليومية التي ترى نفسها مضطرة لتحمل مسؤولياتها بغير أن تكون أعدت نفسها كفاية لمثل هذه المهمة الشاقة،وبغير أن تكون أجهزتها مؤهلة وكافية لتعويض غياب دولة يفترض الا تغيب والا يشلها الخلاف مع الحكم أو عليه.

وفي هذه الظروف الحساسة أتت مبادرة الرئيس برزاني لجمع كل الأطراف الفائزة في الأنتخابات والتي كانت بمثابة صيغة حل حتى اشعار اخر، فقيمتها والحفاظ عليها ضرورة وطنية خصوصا وأن الأطراف المعنية تقول ما مفاده أن قمة أربيل برئاسة البرزاني التي كانت محكومة بالنجاح قد أرست أسسا مبدئية للتفاهم على صيغة التوافق وحماية العراق من التدخلات الأقليمية والأجنبية.

وهكذا بعد أكثر من نصف عام على فشل القوى العراقية في تشكيل الحكومة يجد الجميع أنفسهم أمام الحقائق البسيطة والثابتة التي كادت تذهب بها المراهنات الخاطئة أو الحسابات الخاطئة ومنها

أولا، أن لا أمن في العراق ولأي من العراقيين طالما ظل التدخل الأقليمي موجودا في أي جزء منه، مباشرة أو بالواسطة.أن ايران حقيقة سياسية وعسكرية كبرى في المنطقة ولكنها لاتستطيع لا أن تلغي العراق ولا أن تسيطر عليه،وتحالفها مع أية فئة عراقية محكوم بالأستحالة مهما تعاظمت قدرتها على التأثير،فلا طبيعتها تسمح لها بتحالف حقيقي مع أي طرف ولاحقائق الحياة والتاريخ والجغرافيا تعطيها مثل هذا الترف.

ثانيا، أن انكار وجود الاخر ودوره يغي الجميع، وان الأخلال بقواعد التوازن الوطني تهديد للوجود نفسه، ولحظة الاعتراف بوجود الاخر ذاتها لحظة الأعتراف بأن الأزمة داخلية ولها أسبابها العراقية اضافة الى أبعادها وتشعباتها الأقليمية وليس العكس.


ثالثا، لقد أستطاع شعب كردستان هذا الشعب الصغير في هذا البلد الكبير العراق الممزق بالحرب الأهلية والمغرق في المستنقع الطائفي أن يحقق منجزات هي في حجم المعجزات، واخرها انجاح تشكيل الحكومة العراقية بعدما كانت التسوية شبة مستحيلة وأستطاع أن يظهر للعالم بأن خيار أقليم كردستان العراق مثل قدره عربي حتى لو لم يعجبهم العرب الذين نسوا أن الكرد منهم وفيهم وهم حماة لدولة واحدة لوطن واحد بهوية واحدة.

وبالرغم من أنسحاب كتلة القائمة العراقية بزعامة أياد علاوي ومع الأختلاف الحاصل داخل البرلمان بسبب عدم تصويت أعضاء قائمته لصالح ترشيح الرئيس العراقي الجديد الا أن البرزاني مصر على اعادة اللحمة بين المالكي وعلاوي وأن تشارك العراقية في الحكومة الجديدة حتى يعطون حكومة الوحدة الوطنية أسمها.
فلربما يكون بمقدور الكرد والرئيس برزاني المعروف بتجربته السياسية الغنية وبمعرفته بالرجال والأحوال وبحسه الوطني الصادق تحقيق ماعجز عنه بعض قادة العرب من اتمام عملية انجاز الحكومة العراقية الجديدة.

[email protected]