سيناقش مجلس حقوق الانسان بمجلس الأمن غدا انتهاكات أمريكا ضد حقوق الانسان، حيث يبدو واضحا انزعاج الحكومة الأمريكية من مناقشة ذلك الأمر، برغم ريادة أمريكا في الدفاع عن حقوق الانسان وحريته ونشر الديمقراطية. لكن العالم منذ سنوات عديدة يشهد انحدارا أخلاقيا خطيرا للسياسة الأمريكية تجاه التعامل مع قضايا حقوق الانسان غير الأمريكي بسبب مصالح اقتصادية وسياسية وأهداف توسعية على حساب القيم الأمريكية العظمى التي بنت أعظم قوة في التاريخ.

سألني قبل فترة قريبة صحفي أمريكي قابلته بالصدفة في منزل صديق قائلا : ما رأيك في السياسة الأمريكية؟!
قلت له : بكل صراحة أنا من المعجبين بالقيم الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام، حيث عشت فترة وجيزة من الزمن داخل المجتمع الأمريكي شعرت فيها بقيمة الحياة والإنسان وعظمة الحرية التي أسسها الأوائل الأمريكيون حتى أصبحت أمريكا أعظم منارة لحرية الانسان أيا كان نوعه وجنسه وفكره ودينه. وكلما شعرت أن خطرا يهدد حياة المجتمع الأمريكي العظيم بقيمه ومبادئه وعدله وديمقراطيته وحريته، كلما شعرت بالحزن، لأنني اعرف أن هذه القوة العظمى لو أراد الله لها أن تنهار وتتعرض لخطر يزعزع أمنها وقوتها فسوف يتزعزع امن العالم كله ويعود الانسان في كل مكان مئات السنين إلى الوراء. واستطردت في كلامي للصحفي الأمريكي متحدثا عن وجهة نظري في السياسة الأمريكية التي تختلف عن وجهة نظري وإعجابي بقيم المجتمع الأمريكي ودستوره وحضارته التي أسست على مبادئ عظيمة جعلت من أمريكا إمبراطورية تمد نفوذها في كل أرجاء العالم وقلت له : لكن السياسة الأمريكية الخارجية خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت تناقض تلك القيم الأمريكية العظيمة ما يجعل الناس تشكك في صدقية ما تدعيه السياسة الأمريكية من أنها حريصة على حقوق الانسان وحريته، حيث يتضح للناس أن ما تدعيه السياسة الأمريكية من حرصها على حقوق الانسان وحريته ليس إلا سياسة كوسيلة تبرر بها الحكومة الأمريكية غاياتها المناقضة تماما لما تدعيه. لذلك فإنني أعلن حبي وإعجابي بالقيم الأمريكية والشعب الأمريكي العريق، ورفضي للتناقض السياسي الأمريكي الذي يتمنى كل معجب بالقيم الأمريكية أن لايراه بهذا الفضح الواضح الذي ينعكس على واقع السياسة الأمريكية حينما تتخبط في تعاملها مع القضايا الإنسانية والحقوقية بما يكشفها كتاجر يبيع ويشتري في القضايا الإنسانية بما يحقق مصالحه السياسية. ثم عدت به الى سيرة التاريخ السياسي لكل القوى المهيمنة على مر التاريخ وذكرته بأن بريطانيا كانت القوة التي لاتغرب عنها الشمس لأنها كانت برغم سلبياتها كدولة استعمارية هي الأفضل في احترامها لحقوق الانسان في تلك المرحلة التاريخية من عمر البشر، وعندما سطعت شمس أمريكا بقيمها الأعظم ومبادئها الأسمى خفتت شمس بريطانيا ولم تختف للأبد، لأنها لاتزال قوة تحترم على الأقل حقوق الانسان فيها، لكن أمريكا تفوقت بحريتها الاشمل لتصبح وطنا للأحرار في كل أجزاء الأرض فتفوقت وسادت بفعل قيمها التي جعلت منها قوة عظمى لا تضاهيها قوة أخرى في عصرنا الحاضر. أي أن أمريكا لم تصبح قوة عظمى إلا بفعل قيمها العظمى ويخاف الناس أن تصاب أمريكا بغرور القوة لتعتقد أنها سادت بفعل قوتها وليس بفعل قيمها!

على أمريكا أن تواجه النقد الذي سوف يفضح شيئا من تجاوزات السياسة على حساب القيم الأمريكية التي يعشقها كل حر على وجه الأرض، وان تتعامل مع النقد بنوع من رحابة الصدر وتلمس الخطأ والاعتراف بالتجاوزات والعودة الحقيقية إلى روح القيم الأمريكية الصحيحة، وان لا تصاب أمريكا بهوس المغرورين والدكتاتوريين الذين يغضبون كلما واجههم احد بالحقيقة لكن عنادهم يسوقهم إلى حكم التاريخ القاسي. بل أنني اعتقد أن أمريكا عندما ذهبت لتحارب النازيين والفاشيين وانتصرت عليهم حتى جعلت من تلك الشعوب التي يقودها طغاة كهتلر وموسيليني وإمبراطور اليابان شعوبا حرة ومتفوقة وحضارية فإنها قد ذهبت بإيحاء صادق من قيمها العظيمة التي تحترم حق الانسان في العيش بحرية واستقلالية بعيدا عن كل قسر او ظلم او استبداد، وذلك ما جعل الحلم الأمريكي يتحقق بنشر القيم الأمريكية في اليابان وألمانيا وغيرها من شعوب العالم التي تعانقت أحلامها مع أحلام ومبادئ الشعب الأمريكي العظيم فانتصر الانسان الحر في أجزاء كثيرة من هذا العالم على المستبدين والقامعين والطغاة.

أمريكا انتصرت في الحربين العالميتين بقيمها العظيمة ولن تستطيع تحقيق أي نصر تاريخي آخر إلا إذا عادت تستخدم القوة لنصرة القيم التي قامت عليها وليس كما نراه في واقعنا الحاضر من استخدام سيء للمتاجرة بالقيم العظيمة لتحقيق انتصارات سياسية.

لا اصدق أن أمريكا العظمى بكل مفكريها وفلاسفتها ورجالها النابغون في كل مجالات الحياة لايدركون حقيقة التاريخ وخطورة أوهام القوة عندما تنحرف عن مسارها الإنساني القيمي، خاصة وأنهم يعرفون أن أمريكا لم تصبح قوة عظمى إلا بفعل الرجال الأحرار ولن تستمر في عظمتها إلا بدعم الحرية والأحرار وحقوق الانسان في كل مكان دون المتاجرة او المساومة بتلك القيم العظيمة لتحقيق غايات سياسية واقتصادية آنية.

على أمريكا أن تكون شجاعة في مواجهتها لكل نقد يشكك في سياستها الخارجية التي أصبحت مثار علامات استفهام كثيرة ولن ينقص ذلك شيئا من قوتها وهيبتها وعظمة قيمها الداخلية التي تجذب اهتمام وحب وعشق كل المتعطشين لمعانقة الحرية، وكل الشرفاء في هذا العالم على يقين أن أمريكا لاتستطيع أن تنهض من كبوتها الاقتصادية والسياسية لتمارس دورها كدولة عظمى رائدة، إلا إذا عادت إلى قيم دستورها العظيم لتنهل منه ما يجعلها تقدم حقوق الانسان أينما كان على كل مصلحة. حينها ستعود أمريكا قوة أعظم يتجه إليها كل أحرار العالم !!

[email protected]