إلى متى نخاف من قول الحقيقة ونلجأ للأسلوب الإنشائي ولغة المجاملات، حيث نلمس ظاهرة التنصل عن الالتزامات الشفوية بمجرد الخروج من الاجتماعات العديدة التي تمت منذ الانتخابات الأخيرة التي نظمت في العراق في7 آذار الماضي 2010، وإطلاق التصريحات الاستفزازية المتناقضة من قبل مختلف الأطراف، بل وحتى من قبل مختلف أعضاء الكتلة الواحدة. لقد أدخل السياسيون العراقيون بلدهم في مأزق سياسي وطريق مسدودة لا لشيء إلا لأن طموحاتهم ومصالحهم لم تلب، ولم يفلح أي منهم في استقطاب الناخب العراقي إلى جانبه بأغلبية دستورية مريحة وحاسمة، وبالتالي ظهرت معادلة انتخابية صعبة ومعقدة، فليس بوسع أحد أن يشكل وحده حكومة أغلبية شرعية دون إشراك باقي القوى السياسية المشاركة في الانتخابات والتي حصدت عدداً من المقاعد تريد استثمارها للحصول على مواقع سياسية وحكومية مؤثرة داخل السلطة التنفيذية. مما لا ريب فيه أن جميع دول جوار العراق لعبت، وما تزال تلعب، دوراً سلبياً في خلق هذه الأزمة السياسية المستعصية على الحل. فلكل دولة امتدادات عراقية، ضمن هذا المكون الاجتماعي أو ذاك من مكونات الشعب العراقي الرئيسية، وبالتالي لا توجد دولة بريئة من تهمة التدخل في الشأن العراقي الداخلي ومحاولة تحويل العراق إلى ساحة للصراع بين مختلف مراكز النفوذ الإقليمية والدولية. فكلما تقدمت المفاوضات السياسية واقتربت من حل تسوية يتم تحريك عدد من الفعاليات السياسية العراقية لعرقلة إتمام الصفقة والخروج بشروط تعجيزية جديدة والعودة إلى المربع الأول. لقد دامت هذه اللعبة المقيتة أكثر من سبعة أشهر وضربت الرقم القياسي عالمياً، محتقرة حقوق ومصالح واحتياجات الناخب والمواطن العراقي الذي أدى دوره الدستوري في عملية الاقتراع رغم ما شاب العملية الانتخابية من شوائب. لقد تمخضت المناورات السياسية العويصة بين مختلف الكتل السياسية، عن استقطاب واضح بين قوتين رئيسيتين في المكون العربي العراقي بينما تحول المكون الكردي العراقي إلى بيضة القبان الذي سيحسم باختياره لحليفه البرلماني، لعبة التجاذبات السياسية الدائرة رحاها اليوم على أرض الرافدين. من البديهي أن التحالف الكردستاني يرتاب في عدد من قيادات ومكونات القائمة العراقية خاصة ممن يحسبون على بقايا النظام الصدامي البائد ومن ذوي التوجهات القومجية الشوفينية المعادية لمطالب الأكراد. وبات جلياً أن الأكراد يميلون عموماً إلى التحالف الوطني ومرشحه الوحيد السيد نوري المالكي رغم العلاقات التاريخية التي تربطهم بالقيادي في المجلس الأعلى السيد عادل عبد المهدي وبزعيم حركة الوفاق ورئيس القائمة العراقية الهجينة الدكتور أياد علاوي الذي سبق له أن ذاق طعم السلطة عندما تم تعيينه رئيساً للحكومة المؤقتة التي كلفت بتنظيم أول انتخابات تشريعية ودستورية في العراق بعد سقوط النظام البعثي ولم ينجح في الفوز وبقائه رئيساً للحكومة، لذلك فهو يستميت في مناوراته واستقوائه بكل من يمكن أن يكون له تأثير على الوضع السياسي العراقي، للعودة إلى كرسي رئاسة الحكومة. وما أن أعلن التحالف الوطني عن إسم مرشحه المتمثل برئيس الحكومة الحالي السيد نوري المالكي، بفضل انحياز التيار الصدري وبعض المكونات الأخرى من داخل الإئتلاف الوطني، حتى شعر المجلس الأعلى بأن دوره في الساحة الشيعية سوف يتهمش، وكان سبق له أن أعلن مرشحه الخاص لمنصب رئاسة الحكومة بشخص القيادي فيه وهو الدكتور عادل عبد المهدي، ومن ثم قاطع اجتماعات التحالف الوطني وعارض ترشيح نوري المالكي بحجة عدم وجود آلية صحيحة ومقبولة لعملية اختيار مرشح التحالف الوطني. وللخروج من المأزق دعا رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني جميع رؤساء الكتل السياسية إلى طاولة مستديرة في أربيل لتدارس الوضع ومحاولة إقناع القائمة العراقية بالمشاركة في الحكومة بعد أن أعلنت هذه الأخيرة قرارها بعدم المشاركة في حكومة يرأسها نوري المالكة مما حول التنافس السياسي إلى حالة من الشخصنة والنكايات الشخصية ضد رئيس قائمة دولة القانون ومرشح التحالف الوطني بحجة عدم السماح لعودة الدكتاتورية والاستفراد بالسلطة وهي تهمة باطلة وظالمة ضد شخص السيد نوري المالكي. واليوم تخرج علينا المملكة العربية السعودية بمبادرة استعراضية، لعقد اجتماع لكافة القوى السياسية العراقية المشاركة في الانتخابات الأخيرة، ينظم في الرياض تحت رعاية جامعة الدول العربية، وهي مبادرة ظاهرها رأب الصدع في الجسم السياسي العراقي وباطنها محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما يخص استحقاقات القائمة العراقية الانتخابية وفرضها بقوة داخل حكومة الشراكة الوطنية باعتبارها، شاءت أم أبت، ممثلة للمكون السني، الذي وضع كل ثقله فيها، إلى جانب تشكيلات سياسية سنية صغيرة كجبهة التوافق. وقد وعدت السعودية القائمة العراقية، إذا بقيت متماسكة ومصممة على مطالبها، بتقديم كل ما تحتاجه من دعم ومساعدة على كل الصعد، حسب تصريح غير رسمي وغير معلن لأحد قادة القائمة العراقية وهو الدكتور صالح المطلك الذي ينتظر ويتمنى تكليفه بقيادة دفة وزارة الخارجية وتكليف الدكتور طارق الهاشمي برئاسة البرلمان العراقي وتكليف الدكتور أياد علاوي برئاسة المجلس السياسي للشؤون الاستراتيجية، ولكن بصلاحيات حقيقية وليست شكلية، أي إشرافه على كل ما يتعلق بالملف الأمني إلى جانب مناصب أخرى كنائب رئيس الجمهورية بعد أن حسم منصب الرئاسة لمام جلال الطلباني، وبعض الوزارات السيادية المهمة، وكذلك سيكلف الدكتور عادل عبد المهدي إما بمنصب نائب رئيس الوزراء وبصلاحيات واسعة أو إبقائه في منصب نائب رئيس الجمهورية إلى جانب وزارات مهمة لإرضاء المجلس الأعلى وإشراكه بالحكومة القادمة، فهل سيرى العراق النور ويخرج من النفق المظلم؟.

باريس

[email protected]