في خضم الاحداث المروعة التي يشهدها العراق، من الهجوم البربري على كنيسة سيدة النجاة ( السيدة هنا تعني مريم العذراء التي افرد لها القرآن الكريم اعظم سوره ) ومقتل عشرات المصلين من ابناء شعبنا المسيحي يوم امس الاول، الى سلسلة التفجيرات الرهيبة في انحاء بغداد المدمرة يوم امس والتي راح ضحيتها ايضا العشرات من ابناء شعبنا بمختلف مذاهبهم واديانهم وقومياتهم.

في خضم هذه الاحداث التي لا يستطيع العقل ان يجد تفسيرا لها والتي تدين من يقول ان الامن مستتب في العراق وبأنه كاذب وحقير ومجرم بحق ابناء بلده والمفروض سوقه للمحاكم وادانته، في خضم كل هذه المعمعة رأيت ان اسلط الضوء على ان ما يحصل ليس بسبب قصور الحكومة المنتهية ولايتها او الجهاز الامني المكلف او قوات امن بغداد التابعة لنوري المالكي فحسب، بل ايضا الجهة التي تمنح هذه الحكومة وهذه الاجهزة العرجاء المخترقة الغطاء والتبريرات والفتاوى القانونية للبقاء والاستمرار والعناد بالبقاء حتى ولو تهشم الهيكل. ان التبريرات والفتاوى القانونية المعطاة من قبل رئيس المحكمة الاتحادية العليا، رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي مدحت المحمود لهذه الحكومة المنتهية ولايتها ولرئيسها بالذات السيد نوري المالكي هي السبب الرئيسي في جعله يعاند ويصر على البقاء في منصبة منذ ثمانية اشهر مما افقد البلد حالة الاستقرار فازادت التفجيرات وتضخم عدد القتلى بشكل مخيف نتيجة الفراغ في الحكم وعدم تطبيق بنود الدستور تطبيقا سليما.

خلال الايام الماضية تصفحت محرك غوغل للمعلومات وقرأت المقالات والاحاديث التي تناولت القاضي مدحت المحمود مدحا وقدحا، كما اطلعت على الاسلوب الذي يعمل وفقه في تقديم خدماته سواء للافراد ام للحكومة القائمة...ولانني لا اريد ان ادخل في متاهة الاقوال الكثيرة جدا عن اصوله او تغيير اسمه الى quot; المحمود quot; او عمله في ديوان رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس صدام حسين اذ اعتبر كل ذلك اصبح في ذمة التاريخ فأنني سأتناول هنا السلوكية التي يعمل حاليا وفقها والتي اعجبت بعض الزملاء الصحفيين فوصفوه quot; بالجليل quot;.

يعلم سعادة القاضي جيدا بل جيدا جدا اين يقول ( لا ) واين يقول ( نعم ).. انه قاض كبير له تجربة كبيرة في مجال عمله وتفكير عميق مكنه من الانتقال بسهولة تامة من احضان النظام السابق الى احضان النظام الحالي برئاسة نوري المالكي بالذات مرورا ببريمر الحالكم الامريكي للعراق الذي اصدر امر سلطة الائتلاف رقم (13) في ايلول 2003 بتشكيل مجلس القضاء الاعلى كسلطة مستقلة عن وزارة العدل واناط ذلك بالقاضي مدحت المحمود ولفترة خمس سنوات.... ولكنها ما زالت الى هذا اليوم رغم ان عمر اي قاضي يجب ان لايتجاوز ال 68 ويجب ان يحال على التقاعد. 68 عام.

ورغم ان القاضي المحمود يعلم جيدا وهو امر بديهي ان القاضي، اي قاضي، مهما علت منزلته يجب ان يكون بعيدا عن الحزبية والتحزب، وعليه ان لا يظهر اي شكل من اشكال التأييد لهذه المجموعة السياسية من الناس او تلك بل عليه ان يبقى محايدا محفا الى ابعد الحدود مدافعا عن القانون بكل ما يؤتى من قوة وشرف وامانة الا ان قاضينا المحمود ضرب عرض الحائط هذا المبدأ المتعارف عليه دوليا، ولاعتبارات اهمها البقاء في المنصب، فذهب وحضر المؤتمر الثاني لمنظمة بدر بتاريخ 5/6/2005 وهي المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بالاستخبارات الايرانية وقال في تصريح له هناك quot; ان المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق اثبت عبر السنوات انه المناضل المؤمن المخلص لهذا الوطن وشعبه واستطاع ان يضم جميع شرائح المجتمع العراقي وان يوحد الكلمة من اجل عراق يحترم الانسان quot; هذا ما قاله القاضي بالحرف الواحد.. ايحق له ذلك؟؟.

ـ يتعامل القاضي مدحت المحمود، وبشكل ايجابي الى حد ما، مع القضايا الفردية، اي تلك التي تهم هذا الفرد او ذاك ويولي اهتماما اكثر وبذكاء تام بالاعلاميين وقضاياهم لعلمه اليقين ان اسكات هؤلاء او ربحهم الى جانبه سيجنبه الكثير من الاعتراض على قضايا عديدة اخرى كبيرة تتعلق بالعراق ومستقبله. انه يتعض بالمثل الانكليزي الذي يقولquot; اكسب هؤلاء الذين يشترون الحبر بالبراميل quot;.

اخر ما جادت به قريحة القاضي المحمود انه وقف مع الزميل سرمد الطائي في جريدة العالم عندما اقيمت دعوى ضده قبل اسابيع، وزار الصحفي ستار جبار في بيته اثناء مرضه... وهو يتجاوب مع القضايا الفردية والطلبات التي تنشرها بعض المواقع الالكترونية التي تعنى بالشأن العراقي فتراه يعيد الشاعر الى موقعه الوظيفي في البصرة ويوافق على هذا الامر الفردي او ذاك فيبدأ الموقع بالاشادة به وبمواقفه quot; الجليلة quot;... نعم لا نقول ان هذه الامور غير صحيحة ولكنها جواز مرور خطير لافعال يقوم بها القاضي دون اية رقابة قانونية اومن سلطة الاعلام الرابعة وخير مثال على ذلك صدور فتاوى قانونية خطيرة تمس الوطن ككل، وليس فرد واحد، فلم تعترض عليها الصحافة لان القاضي الجليل يحل مشكلة هذا الصحفي او ذاك.

ـ نقول بفم مليء بالمرارة ان المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الاعلى التي يترأسهما القاضي الجليل اصبحا من دوائر رئاسة مجلس الوزراء يأمرهما المالكي بفعل شي فيتم التنفيذ بدون اي جدل ومن الامثلة:
أـ عندما قررت المحكمة الاتحادية العليا بأن اجراءات هيئة المسآلة والعدالة سوف ينظر بها ما بعد الانتخابات استدعى المالكي القاضي مدحت المحمود وطلب منه تنفيذ اجراءات المساءلة والعدالة قبل الانتخابات... عدل القاضي قراره ونقضه فورا ونفذ ما اراده المالكي.
بـ رغم انه لا يوجد في قانون مفوضية الانتخابات ما يتعلق بالعد والفرز اليدوي للاصوات وكانت المحكمة الاتحادية قد رفضت ذلك، الا ان ضغط المالكي جعلت القاضي المحمود يستجيب لرغباته ويعود ليفتي بجواز العد والفرز اليدوي الذي لم يأت بشيء سوى التأخير.
ج بناء على كتاب مرسل من رئيس الوزراء رقم ( م.ر.ن/1979 والمؤرخ في 20/10/2010 )متضمنا تفسير المادة 76 من الدستور فسر القاضي المحمود ( الكتلة النيابية الاكثر عددا ) بما تلبي طلب السيد المالكي باعتبارها quot; الكتلة التي تجمعت من قائمتين او اكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وارقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، ايهما اكثر عددا من الكتلة او الكتل الاخرى بتشكيل مجلس الوزراء استنادا الى احكام المادة ( 76) من الدستور.
بهذا التفسير غير القانوني والبعيد عن العرف الذي ساد انتخابات 2005 في تشكيل الوزارة قدم المحمود تبريره القانوني للمالكي على طبق من ذهب وليبقى ويستمر في الوزارة ولتدخل البلاد في اتون الصراعات السياسية العنيفة التي بدأت تنتج المزيد والمزيد من القتل والدمار.. علما بان تشكيل الوزارة عام 2006 تم من قبل الكتلة ذات الاصوات الاكثر التي فازت في الانتخابات وكانت في ذلك الوقت القائمة رقم ( 555 )
فمن هو المسؤول عن ذلك؟؟ اليس القاضي الجليل يتحمل المسؤولية؟؟

ـ بتاريخ 27/7/2010 اعلن رئيس السن في مجلس النواب العراقي الجديد السيد فؤاد معصوم ابقاء الجلسة مفتوحة على امل اتفاق الكتل السياسية على المناصب الثلاثة الاولى وبقيت هكذا دون اتفاق حتى منتصف الشهر الماضي واذ بالمحكمة الاتحادية تفيق من سباتها فجأة حيث افتت في 24/10/2010 بالغاء الجلسة المفتوحة ودعت لاستئناف الجلسات خلال اسبوعين من ذلك التاريخ.. وهنا تبرز علامات الاستفهام الكبيرة: لما افاقت المحكمة الاتحادية من سباتها فجأة؟؟؟ هناك من يقول ان منظمات المجتمع المدني مارست ضغطا على المحكمة ولكن سؤال اخر يبرز وهل تعمل المحكمة الاتحادية العليا تحت الضغوط؟

ان وضع المحكمة الاتحادية والسلطات التشريعية والقانونية بيد السلطة التنفيذية فيه من الخطورة ما يهدد العراق ومستقبله السياسي واننا لا يمكن الا ان نشير الى ان القاضي مدحت المحمود يتحمل المسؤولية الكاملة على ذلك وياليت اصبح هذا القاضي كزميله الباكستاني ( تشودري ) الذي وقف بوجه الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف قائلا له ( لا ) للتلاعب بالدستور فاخرجه مشرف من منصبه كرئيس للمحكمة العليا في باكستان ولكن النهاية كانت خروج مشرف من رئاسة الدولة غير مأسوف عليه وعودة القاضي الى مكانه معززا مكرما محبوبا من الشعب الباكستاني وجميع المثقفين في العالم.

بالامس القريب واثناء حصول مجزرة كنيسة سيدة النجاة اغلقت السلطات العراقية ومنها هيئة الاعلام والاتصالات التي لم يوافق على تشكيلها مجلس النواب مكاتب قناة ( البغدادية ) وباعذار واهية وغير مقبولة البتة.

احد المواقع الالكترونية التي يتعامل معها القاضي مدحت المحمود بذكاء تام دعت القضاء العراقي quot; المستقل quot; الى الوقوف بصرامة وحزم امام انتهاك حرية اية مؤسسة اعلامية مهما كبرت او صغرت وابطال اي قرار مهما كان مصدره ينتهك حرية الرأي والتعبير.

واضاف الموقع quot; كما ندعو القضاء العراقي بشخص رئيسه القاضي الجليل مدحت المحمود الى حماية الدستور من الاعيب ساسة هواة لايفقهون شيئا في امور السياسة.. ونكرر دعوتنا المخلصة للقاضي الجليل مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الأعلى ان يقف بشجاعة كعهدنا به دائما مع المؤسسات الصحفية المستقلة وكادرها الشجاع الذي يعمل في اسوء الظروف وفي الأماكن الأكثر خطرا عليه، حسب تصنيف منظمات دولية تعنى بشؤون الصحفيين والاعلاميين.

لم يبق امام مؤسساتنا الصحفية المستقلة والعاملين الشجعان فيها غير حصنهم الأخير وخط دفاعهم الوحيد الذي يلوذون ويحتمون به هو القضاء العراقي المتمثل في شخص القاضي الجليل مدحت المحمود، فهو الوحيد القادر على حماية حرية الرأي والتعبير من اي انتهاك تمارسه الحكومة بحق الصحافة الحرة المستقلة وعدم النظر في الدعاوي الكيديه التي تفتعلها الحكومة ضد مؤسسات صحفية مستقلة او العاملين فيها.quot;

هكذا ناشد الموقع العراقي القاضي المحمود ولكن رغم مرور اسبوع تقريبا لم نسمع من رئيس المحكمة الاتحادية اي جواب اما لماذا فلان المالكي هو الذي اغلق الفضائية المذكورة وبتوجيه منه مباشرة.

اننا لانطالب القاضي المحمود ان يفعل شيئا لقناة البغدادية فقط بل وايضا الفتاوى التي اصدرها سابقا والتي شجعت المالكي وغير المالكي على هذا السلوك والتشبث بالسلطة بهذا الشكل المقزز. علينا فقط الانتظار ماذا سيفعله القاضي وهل تستطيع المحكمة الاتحادية ان تدين وتؤشر نحو من يتحمل مسؤولية الاورواح التي تذهب كل يوم؟
اننا بالانتظار ولنا عودة.