جاء في لوح سومري على لسان إنانا حبيبة دموزي:
اختاه لِمَ اغلقتِ الباب؟
ياصغيرتي لِمَ اغلقتِ عليك الباب؟
تجيبه (إنانا):
كنت استحم، كنت اغتسل بالصابون.
اغتسل بالإبريق المقدس.
اغتسل بالصابون في الطست الأبيض.
كنت ارتدي ثياب الملكية، ملكية السماء.
لهذا اغلقتُ على نفسي الباب.

( النص اعلاه من كتاب كيمياء الكلمات للأستاذ الكاتب والباحث علي الشوك )

جاءت (إنانا) ملكة الأرض والفردوس من اقصى التاريخ ومعها الصابون و الطست الأبيض والإبريق المقدس لتنشد ترنيمة الروح والجسد على أرض الرافدين. ما أن انتفض الماء فوق تضاريس الجسد، راح يروض عنفوان شهقاته ليسكبها روحاً تجاوزت حدَّ الألق فانطفأ ظلها فوق الطست بياضاً يضم أسرار آلهة سومر ليبقى العشق الأبدي حكاية سومرية تروي عطش الماء بين الإبريق المقدس وجسد(إنانا) الذي تمرد على الثياب الملكية الصماء، حيث لا مسامات تنضح منها الرغبة لتتماهى بنهم العطش ويرتوي منها الحلم، فتعود لشَعرها المعفّر بتراب العوالم السفلية ليخصّب الحياة بماء الطست الأبيض ولتبقى (إنانا) أُنسية تنسج حريرها وتقطعه متى شاءت، وعند نضوب الحرير يشتعل الجسد رغبة وينسكب حتى حافة التلاقي فيتماهى وتراً في قيثارة سومر وتعود عيون شبعاد، تقرأه نصاً لم تفارقه رغبة التمرد على مملكة لم تتسع لعنفوانه، فحبله السري لم ينقطع بعد، وحليب الآله لم يطفئ شعلة النار بوجه برومثيوس، بل صار لها وقودا قدرياً وحاملاً لسرها الأزلي وراعياً لوهجها الذي أضاء وجه المعرفة، وذاب في عشقه الطين ليرتفع فوق هامة الزقورة تراتيل فنية ينام عندها الليل لتصهره الشمس غداة منحها قوانين الكون لكلكامش، فتتلفع بظله وتنظر جسد الماء من شقٍ اذعن لصوت (دموزي)، حيث تنفس الباب الذي اغلقته، وتلعثمت الظلال حين رقصت على جسدها حتى ترنح الإبريق بين قدميها بعد ان أراق كل عنفوانه خمراً، وأفاقت خيوط الشمس متلبسة برشفة لم تغفرها سطوة الليل. وهناك... هناك خلف ستائر الظل الآزوردي يختبأ الصباح مفعماً بنشيد سومري إستله من بين اصابع الآلهة ليبارك شمس وادي الرافدين وينثر جدائلها سنابل قمح، ومن اشتعالات الأرضين السبع تحت اقدامها مزقت النار ثوبها وانطفأت رغوتها في قلب الرغيف الأسمر لتكون عطراً سرمدياً نتذوقه عند كل رغيف خبزٍ، ولتمنحه جذوة حبها الذي اشعل رؤوس اصابع أُمهاتنا حين اقتناص الرغيف من بين شفاه التنور لينضج القرص ويستدير كما القمر.