لكل منا رغبة وحلم يريد تحقيقه، شيء يقبع بداخلنا ويحركنا، أو قل يحررنا مما نسميه روتين الحياة اليومية أوما أعتدنا أن نسميه الشيء الصحيح. ولكل من فلسفته بالحياة التي تعطينا أياها غالبا ً ثقافتنا السائدة عما هو صح وماهو خطأ.، وما يجب أن نفعله أو نتجنبه. وفي أحيان كثيرة نتحول إلى أدوات من أجل تحقيق مشاريع لأناس أخرين، ربما مشاريع سياسية أو أقتصادية ذات بعد أيدلوجي، ورائها غايات معينة. فنتحول لمواضيع بحتة، فتلغى ذواتنا وما نريد نحن أن نفعله، مانعتقده صح أو خطأ، وليس مايقوله الآخرون أنه صح أو خطأ ويجب علينا إتباعه، وإلا تعرضنا للعقوبة، كالنبذ والتهميش من مجتمعاتنا بعتبارنا شاذين عن فعل المجموعة ولابد أن نعود للقطيع. فلاتقبل المجموعة أن نغرد خارج السرب. وفي أحيان كثيرة أن التغريد خارج السرب يحقق لنا وجود ما ويكشف لنا معنى الحياة، وكم مغرد خارج السرب لم تعرف قيمته إلا بعد حين، ككثير من الأنبياء والفلاسفة والحكماء.

كان سانتياغو راع بسيط يستلقي مسترخيا ً في باحة كنيسة مهجورة، في سهل من سهول الأندلس، يتأمل بينما يرعى قطيعه في الخارج. لقد كان يراوده الحلم ذاته كلما غفى تحت شجرة الجميز بينما يقرأ كتابا ً في يده. ذهب سانتياغو لعرافة عجوز تفسر له حلمه وهو... أن طفل ما كان يلهو مع نعاجه فقاده لأهرامات مصر وقال له أن كنز ثمين مدفون هناك... فقالت العجوز سأفسر حلمك مقابل أن تعطيني عُشر هذا الكنز، فوافق موفرا ً دراهمه بجيبه ومتهما ً العجوز الغجرية بالغباء. فقد قالت له أن عليك السفر للإهرامات لتحصل على هذا الكنز الثمين. وبعد حين إلتقى سانتياغو شيخا ً عجوز، لكن هذه المرة بالحقيقة، فقال له... إعطني عُشر نعاجك وسأدلك على مكان الكنز. إستغرب الفتى وسأل الشيخ ولماذا أعطيك مقابل شيء ربما لا أجده، فرد الشيخ، إن عليك تحقيق... أسطورتك الشخصية... تلك التي خلقت لأجلها، فقال له الفتى، وما الأسطورة الشخصية؟ فرد الشيخ، إنها كلما تمنيت أن تفعله، وأستمر قائلا ً...عندما ترغب في شيء ما، فإن الكون بأسره يطاوعك على القيام بتحقيق رغبتك.

قرر الفتى الرحيل للبحث عن الأهرامات وإتباع إشارات غيبية تدله على الكنز، كإشارات هذا الشيخ العجوز، فقد كان حلمه من زمن بعيد هو السفر. سافر الفتى نحو بلاد العرب عبر مضيق جبل طارق، وعمل لسنوات لتوفير مصاريف إكمال الرحلة، ونفذ وسرق ماله مرات، وتعرض للقتل والموت في مصاعب الطريق ومن قطاع الطرق والحروب بين القبائل في الصحراء، فقد أحب هناك فاطمة أيضا ً لكنه تركها بحثا ً عن أسطورته الشخصية. فقد كان يرافق القوافل الذاهبة للحج لإكمال رحلته. وأخيرا ً عندما وصل الإهرامات شاهدها مندهشا ً لعظمتها وبدأ في الحفر في الرمال في المكان المحدد حسب الإشارات التي كانت تأتيه وكان عليه تفسيرها بالشكل الصحيح. وبينما كان الفتى يحفر وإذا بأثنين من السراق فوق رأسه، فإنهالا عليه بالضرب وأجبراه على أكمال الحفر معتقدين أن ربما كنزا ًيقبع تحت هذه الرمال. فلما لم يجد شيئا ً تركاه وقال له أحدهما...قبل سنتين حلمت حلمين في هذا المكان أن هناك كنزا ً في أسبانيا تحت شجرة جميز في كنيسة مهجورة يرتادها الرعيان، ولكني لست بهذا الغباء الذي أقطع به هذا الصحراء متبعا ً حلم بحثا ً عن كنز. فهم الفتى أن الكنز كان في نفس المكان الذي كام ينام فيه، فنظر للأهرامات وأبتسم، ولكن لماذا لم يقل لي العجوز كل ذلك؟ فهمست الريح له...لو أخبرتك بذلك، لما شاهدت الأهرامات. إنها جميلة جدا ً، أليس كذلك؟ هذا كان إختصار بسيط لرواية الخيميائي لباولو كويلو، الروائي البرازيلي المعروف.

إذن، لكل منا أسطورته الشخصية التي تقبع بداخله وربما لايعرفها أو يحددها إلا بعد حين. ولكل من كنز يقبع في محله ولاكن لايعرفه إلا بعد أن يمر بتجارب الحياة الطويلة المتعبة. التجربة وحدها تعطينا معنى الحياة، وتقول لنا إن ذاك له قيمة وذاك لا. والتجربة بحاجة للجرئة والمغامرة والمجازفة بالنفس والمال والوقت، كالسفر مثلا ً، أو الغربة أو حتى الشعور بالإغتراب والقطيعة عن المحيط الاجتماعي. فقيمة الأشياء ليست بذاتها بل بما نقيمها، ولانستطيع أن نقيمها بالشكل الصحيح إلا بعد أن نجرب أشياء كثيرة ونشعر ونحس بطعم الفقد والخوف وحتى الشعور بالذنب.

من السهل أن نتحول إلى مواضيع ونلغي ذواتنا، فنتحول إلى مجرد دمى يلعب بنا من يملك مشروعه الخاص ومن يريد أن يحقق أسطورته الشخصية على حسابنا، من سياسيين وشيوخ دين ووجهاء وتجار ومن أمثالهم الكثير، مثل مؤسسات للدولة أو العشيرة أو مؤسسات دينية لاتنظر لنا إلا كأشباح وأرقام وأنصاف بشر، نحتاج دائما من يرشدنا ويدلنا الطريق الصحيح. نعم، ليس من السهل لكل منا تحقيق أسطورته الشخصية لكن هو ليس بالشيء المستحيل. إن ذلك يحتاج لشيء من الجرئة والإستعداد للتضحة، الإستعداد للشعور بالخوف والغربة والخطر. علينا قلب المفاهيم التي عتدنا أن نفكر بها كمسلمات لايجوز المساس بها. فكم من إخفاق نسميه فشل فنصاب بالإحباط، وماهو إلا طريق للنجاح، وكم من تحديات نسميها صعوبات وعقبات وما هي إلا أشيء نمكن أن نتجازوزها. لكل منا سانتياغو بداخله يحتاج أن يتبع أحساسه الداخلي ليحرره ويطلق له العنان. هي ليست دعوة للتمرد على العادات والتقاليد والأفكار السائدة، بل هي شيء من الحرية، تلك التي نحن بحاجة لها للحركة في المساحات التي ترسمها لنا أقدارنا، أو هي مساحات نصنعها نحن بأيدينا لنفكر بشكل مختلف عما أعتدنا أن نفكر فيه، وذلك لتحقيق هويتنا الذاتية ووجودنا. فليس المهم جدا ً أن نحقق وجودنا بقدر أهمية الإحساس بهذا الوجود.

[email protected]